الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
269 - الند والأنداد
*
[الشرك الأكبر، الشرك الأصغر، الشرك الخفي]
الند هو الشبيه والنظير والله ليس له شبيه ولا نظير كما قال سبحانه وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11].
وقد نهى الله أن يشرك معه أحد غيره سواء في التعظيم أو غيره لأنه وحْدَهُ الخالق الرزاق والأنداد التي تتخذ من دونه عاجزة فقيرة ليس لها من الأمر شيء.
قال ابن الأثير: "الأنداد جمع ند بالكسر وهو مثل الشيء الذي يضاده في أموره ويناده: أي يخالفه ويريد بها ما كانوا يتخذونه آلهة من دون الله"
(1)
.
وقال ابن القيم: "الند الشبه يقال: فلان ند فلان ونديده أي مثله وشبيهه"
(2)
.
وقال ابن حجر: "الأنداد جمع ند بكسر النون وهو النظير وروى بن أبي حاتم من طريق أبي العالية قال الند العدل ومن طريق الضحاك عن ابن عباس قال: الأنداد: الأشباه"
(3)
.
* الدليل من الكتاب: قال تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 22].
وقال عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ
* تيسير العزيز الحميد ص 120، 471، 593. فتح المجيد ص 103، 381، 487، حاشية كتاب التوحيد ابن قاسم ص 51، 237. القول المفيد لابن عثيمين ط 1 - 1/ 148، 2/ 140، 319 ط 2 - 1/ 148، 2/ 173، 384 ومن المجموع 10/ 623، 792. القول السديد لابن سعدي المجموعة 3/ 42. مباحث العقيدة في سورة الزمر ص 398.
(1)
النهاية (ن د د).
(2)
إغاثة اللهفان 2/ 229 وانظر فتح المجيد 103.
(3)
فتح الباري 8/ 163.
آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)} [البقرة: 165].
وقال عز وجل {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)} [إبراهيم: 30].
وقال عز وجل: {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)} [الزمر: 8].
* الدليل من السنة: عن عبد الله بن مسعود قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندًا وهو خلقك" قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟ قال: "وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك" قلت: ثم أي؟ قال "أن تزاني حليلة جارك"
(1)
.
وعن عبد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أخرى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يدعو من دون الله ندًا دخل النار، ومن مات وهو لا يدعو لله ندا دخل الجنة"
(2)
.
وفي حديث ضمام بن ثعلبة الذي وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك الله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئًا، وأن نخلع هذه الأنداد التي كانت آباؤنا يعبدون معه؟ قال: "اللهم نعم
…
" الحديث"
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (4477)(4761)، (6001)، ومسلم (86).
(2)
أخرجه البخاري (1238، 4497، 6683)، ومسلم (92).
(3)
أخرجه الإمام أحمد (2380).
واتخاذ الأنداد على قسمين:
قد يكون شركا أكبر وقد يكون شركًا أصغر
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: "واعلم أن دعاء الند قسمين: أكبر وأصغر فالأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، وهو الشرك الأكبر. والأصغر كيسير الرياء، وقول الرجل ما شاء الله وشئت، ونحو ذلك"
(1)
.
أولًا: شرك أكبر كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندًا".
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} [البقرة: 22] أي لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره، وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من التوحيد هو الحق الذي لا شك فيه، وهكذا قال قتادة"
(2)
.
وفي قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)} الآيات [الأعراف: 191]، قال ابن كثير رحمه الله:"هذا إنكار من الله على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأنداد والأصنام والأوثان وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة، تملك شيئًا من الأمر ولا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تنتصر لعبادها، بل هي جماد لا تتحرك، ولا تسمع ولا تبصر، وعابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم"
(3)
.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يدعو من دون الله ندًا دخل النار" قال الشيخ سليمان بن عبد الله: "أي: من مات وهو يدعو لله ندا، أي: يجعل لله ندا فيما يختص به تعالى ويستحقه من الربوبية والإلهية دخل النار، لأنه مشرك، فإن الله
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 120.
(2)
تفسير الطبري 1/ 164، تفسير ابن أبي حاتم 1/ 62، تفسير ابن كثير 1/ 58.
(3)
تفسير ابن كثير 2/ 277.
تعالى هو المستحق للعبادة لذاته، لأنه المألوه المعبود الذي تألهه القلوب وترغب إليه، وتفزع إليه عند الشدائد، وما سواه فهو مفتقر إليه مقهور بالعبودية له تجري عليه أقداره وأحكامه طوعًا وكرهًا، فكيف يصلح أن يكون ندا؟ قال الله تعالى {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)} [الزخرف: 15] وقال: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} [مريم: 93 - 95]، وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر: 15] فبطل أن يكون له نديد من خلقه، تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)} [المؤمنون: 93 - 94] "
(1)
.
ثانيًا: وقد يكون شركا أصغر:
قال ابن عباس في الآية: "الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلانة وحياتي. وتقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص. ولولا البط في الدار لأتى اللصوص. وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت. وقول الرجل: لولا الله وفلان. لا تجعل فيها فلانا. هذا كله به شرك"
(2)
.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: "إن هذه الأمور من الشرك خفية في الناس لا
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 120.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم 1/ 62 (229). وما ذكره ابن عباس أمثلة لاتخاذ الأنداد لأن لفظ الآية يشملها وإن كانت نازلة في الشرك الأكبر. فالسلف يستدلون بما نزل في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر.
يكاد يتفطن لها ولا يعرفها إلا القليل وضرب المثل لخفائها بما هو أخفى شيء وهو أثر النمل فإنه خفي، فكيف إذا كان على صفاة؟ فكيف إذا كانت سوداء، فكيف إذا كانت في ظلمة الليل؟ وهذا يدل على شدة خفائه على من يدعي الإسلام، وعسر التخلص منه، ولهذا جاء في حديث أبي موسى قال: خطبنا رسول الله رضي الله عنه ذات يوم فقال: "أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من ديبب النمل"، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: "قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه" رواه أحمد والطبراني"
(1)
.
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 594.