الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قول أو غيره فشهادته ماضيةٌ لا تردُّ من خطأ تأويله، وذلك أنه قد يستحل من خالفه الخطأ إلا أن يكون منهم من يعرف باستحلال الشهادة بالزور.
والمستحل لنكاح المتعة والمفتي بها، والعامل بها ممن لا ترد شهادته وكذلك لو كان موسرًا فنكح أَمَةً مستحلًا لنكاحها مسلمة أو مشركة لأنا نجد من مفتي الناس وأعلامهم من يستحل هذا، وهكذا المستحل للدينار بالدينارين، والدرهم بالدرهمين يدًا بيد، والعامل به، لأنا نجد من أعلام الناس من يفتي به ويعمل به ويرويه وكذا المستحل لإتيان النساء في أدبارهن، فهذا كله عندنا مكروه محرم، وإن خالفنا الناس فيها فرَغبنا عن قولهم ولم يَدْعُنا هذا إلى أن نجرحهم ونقول لهم: إنكم حللتم ما حرم الله وأخطأتم؛ لأنهم يدَّعون علينا الخطأ كما ندعيه عليهم وينسبون من قال قولنا إلى أنه حَرَّم ما أحل الله عز وجل"
(1)
.
فالتحليل والتحريم من اختصاص الله تعالى لا يكون لأحد سواه وليس المراد هنا المسائل الاجتهادية التي يخطئ فيها العالم ويصيب ولكن المراد استحلال أمر معلوم تحريمه من الدين بالضرورة.
والجحد يعتبر من أنواع الكفر وليس نوعًا مستقلًا بذاته، ومن اشترط الجحد والاستحلال فقد حصر الكفر في نوع واحد بينما أنواع الكفر كثيرة. قال ابن تيمية:"والكفر لا يختص بالتكذيب"
(2)
، فكل مستحل أو جاحد كافر وليس كل كافر مستحل أو جاحد وبهذا نعلم أن بعض الأعمال يكفر المكلف بفعلها ولو لم يستحل، مثل إهانة المصحف والسجود لغير الله.
أقوال للعلماء تتعلق بكفر الاستحلال:
قال ابن قدامة: "ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه، وظهر حكمه بين
(1)
الأم 6/ 205 - 206.
(2)
7/ 292.
المسلمين، وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه، كأكل لحم الخنزير، وإباحة الزنا، وأشباه هذا مما لا خلاف فيه كفر لما ذكرنا في تارك الصلاة، وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك
…
"
(1)
.
قال أحمد: "من قال: الخمر حلال، فهو كافر، يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه".
وقال ابن قدامة: "وهذا محمول على من لا يخفى على مثله تحريمه"
(2)
.
قال أبو يعلى: "ومن اعتقد تحليل ما حرم الله بالنص الصريح أو من رسوله، أو أجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر، كمن أباح شرب الخمر ومنع الصلاة والصيام والزكاة، وكذلك من اعتقد تحريم شيء حلله الله وأباحه بالنص الصريح، أو أباحه رسوله أو المسلمون مع العلم بذلك، فهو كافر كمن حرم النكاح والبيع والشراء على الوجه الذي أباحه الله عز وجل، والوجه فيه أن في ذلك تكذيبًا لله تعالى ولرسوله في خبره، وتكذيبًا للمسلمين في خبرهم، ومن فعل ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين"
(3)
.
وقد بين شيخ الإسلام في منهاج السنة أن استحلال قتل لمسلم المعصوم كفر
(4)
.
وقال في موضع آخر: "وأما إذا قتله قتلا محرما؛ لعداوة أو مال، أو خصومة، ونحو ذلك، فهذا من الكبائر، ولا يكفر بمجرد ذلك عند أهل السنة والجماعة"
(5)
.
(1)
المغني 9/ 21.
(2)
المغني 9/ 22.
(3)
المعتمد في أصول الدين 271، 272.
(4)
انظر منهاج السنة 4/ 505.
(5)
انظر مجموع الفتاوى 34/ 137، وانظر منهج ابن تيمية في مسألة التكفير ص 152.
وقال في الفتاوى: "والإنسان متى حلل الحرام - المجمع عليه - أو حرم الحلال - المجمع عليه - أو بدل الشرع - المجمع عليه - كان كافرا مرتدا. باتفاق الفقهاء"
(1)
.
ونقل الإمام البغوي رحمه الله الإجماع على عدم تكفير فاعل الكبائر إذا لم يستحل
(2)
.
وقال القاضي عياض رحمه الله: "
…
وكذلك أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل أو شرب الخمر أو الزنا مما حرم الله بعد علمه بتحريمه، كأصحاب الإباحة من القرامطة وبعض غلاة المتصوفة"
(3)
.
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله: " .. وأما استحلال المحرمات المجمع على حرمتها أو بالعكس فهو كفر اعتقادي لأنه لا يجحد تحليل ما أحل الله ورسوله أو تحريم ما حرم الله ورسوله إلا معاند للإسلام
…
"
(4)
.
ولما ذكر الشيخ ابن باز رحمه الله الناقض الرابع من نواقض الإسلام التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهو "من اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر"
(5)
قال: "ويدخل في ذلك أيضًا كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملات أو الحدود أو غيرهما، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة؛ لأنه بذلك يكون قد استباح ما حرمه الله إجماعًا، وكل من استباح ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالزنا والخمر والربا
(1)
الفتاوى 3/ 267.
(2)
شرح السنة 1/ 103.
(3)
الشفا 2/ 1073.
(4)
توحيد الخلاق 98، وانظر معارج القبول 2/ 357.
(5)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 1/ 131.
والحكم بغير شريعة الله فهو كافر بإجماع المسلمين"
(1)
.
فائدة: في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف"
(2)
.
حيث رد الحافظ الصنعاني على من قال أن الحديث يدل على أن استحلال المحرم لا يخرج فاعله من مسمى الأمة فقال رحمه الله: "ولا يخفى ضعف هذا القول، فإن من استحل محرمًا أي اعتقد حله فإنه قد كذب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخبر أنه حرام، فقوله بحله رد لكلامه وتكذيب كفر، فلابد من تأويل الحديث بأنه أراد أنه من الأمة قبل الاستحلال فإذا استحل خرج عن مسمى الأمة ولا يصح أن يراد بالأمة هنا أمة الدعوة لأنهم مستحلون لكل ما حرمه لا لهذا بخصوصه"
(3)
.
وقال الشيخ ابن بسام رحمه الله: "وقوله صلى الله عليه وسلم: "من أمتي" يحتمل أحد أمرين:
1 -
إما أنه سمي من الأمة باعتبار ما سبق قبل استحلاله لهذه الأشياء، وهذا جائز لغةً باعتبار ما كان كقوله تعالى:{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} .
2 -
وإما أنه من أمة الدعوة فقط، وليس من أمة الإجابة"
(4)
.
(1)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 1/ 132.
(2)
أخرجه البخاري تعليقًا (5590). وقال ابن حجر: والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح. انظر الفتح 10/ 52. وأخرجه أبو داود في السنن (4039).
(3)
سبل السلام 2/ 171، 172.
(4)
توضيح الأحكام 2/ 446.