الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جهل يعذر فيه الإنسان، وجهل لا يعذر فيه، فما كان ناشئًا عن تفريط وإهمال مع قيام المقتضي للتعلم، فإنه لا يعذر فيه، سواء في الكفر أو المعاصي، وما كان ناشئًا عن خلاف ذلك، أي أنه لم يهمل ولم يفرط، ولم يقم المتقضي للتعلم بأن كان لم يطرأ على باله أن هذا الشيء حرام، فإنه يعذر فيه"
(1)
.
*
رابعًا: قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص:
ويدل على ذلك حديث حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَدْرُسُ الإِسْلامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثوْبِ حَتَّى لا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلا صَلاةٌ وَلا نُسُكٌ وَلا صَدَقَةٌ، وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ الله عز وجل في لَيْلَةٍ فَلا يَبْقَى في الأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذه الْكَلِمَةِ لا إِلَهَ إِلا الله، فَنَحْنُ نَقُولُهَا. فَقَالَ لَهُ صِلَةُ: مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لا إِلَهَ إِلا الله وَهُمْ لا يَدْرُونَ مَا صَلاةٌ وَلا صِيَامٌ وَلا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلاثًا كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ: يَا صِلَةُ تُنْجِيِهمْ مِنْ النَّارِ ثَلاثًا"
(2)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيرًا مما بعث الله به رسوله ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام فأنكر هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول، ولهذا جاء في الحديث: "يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا زكاة" ثم
(1)
القول المفيد 1/ 219.
(2)
سنن ابن ماجه (4049).
ذكر بقية الحديث"
(1)
.
وقال رحمه الله في معرض كلامه عن التكفير: "فيختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضال يكون كافرًا بل ولا فاسقًا بل ولا عاصيًا"
(2)
.
وقال رحمه الله: "وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكا فإن المنازع قد يكون مجتهدا مخطئًا يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة له لا يجب أن يدخل فيها المتأول والقانت وذو الحسنات الماحية والمغفور له وغير ذلك. فهذا أولى بل موجب هذا الكلام أن من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجيًا وقد لا يكون ناجيًا كما يقال: من صمت نجا"
(3)
.
وقال ابن القيم: "إن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب، ولم يحضر ترجمان يترجم له"
(4)
.
وقد بين ابن قدامة في المغني: "أن من كان جاحدًا لوجوب الصلاة، نظر فيه، فإن كان جاهلًا به، وهو ممن يجهل ذلك، كالحديث الإسلام، والناشئ ببادية، عرف وجوبها، وعلم ذلك، ولم يحكم بكفره، لأنه معذور"
(5)
.
(1)
مجموع الفتاوى 11/ 407، 13/ 64، 35.
(2)
مجموع الفتاوى 35/ 165.
(3)
مجموع الفتاوى 3/ 179.
(4)
طريق الهجرتين 414.
(5)
المغني 2/ 156 - 8/ 130.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئًا"
(1)
.
وقال أيضًا -: "لا يكفر العلماء من استحل شيئا من المحرمات لقرب عهده بالإسلام، أو لنشأته ببادية بعيدة، فإن حكم الكفر لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة، وكثير من هؤلاء قد لا يكون قد بلغته النصوص المخالفة لما يراه، ولا يعلم أن الرسول بعث بذلك"
(2)
.
ويقول السيوطي: "كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك"
(3)
.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "إن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف، وأما أصول الدين التي أوضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه فقد بلغته الحجة"
(4)
.
أما اختلاف حال الأشخاص واختلاف مداركهم فقد قال ابن تيمية: "والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل به. فأما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل، فلا أمر عليه ولا نهي وإذا انقطع العلم ببعض الدين، أو حصل العجز عن بعضه: كان ذلك في حق
(1)
المجموع 3/ 231.
(2)
مجموع الفتاوى 28/ 501.
(3)
الأشباه والنظائر ص 200.
(4)
مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب 3/ 11.