الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لعن الكافر المعين، واختاره الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي ولكنه احتج بحديث فيه ضعف، واستدل غيره بقوله عليه السلام في قصة الذي كان يُؤتي به سكران فيحده فقال رجل: لعنه الله، ما أكثر ما يُؤتي به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله" فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يُلعن والله أعلم"
(1)
.
6 - أن الكافر المعين إن كان ميتًا فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الأموات بقوله: "لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا
":
قال ابن تيمية: "ثم الكلام في لعنة الأموات أعظم من لعنة الحي، فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" حتى أنه قال:"لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا" لما كان قوم يسبون أبا جهل ونحوه من الكفار الذين أسلم أقاربهم فإذا سبوا ذلك آذوا قرابته"
(2)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين: "لأن الكافر المعين قد يهديه الله للإسلام إن كان حيًا، وإن كان ميتًا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا""
(3)
.
وإذا تقرر هذا فإننا نقول إن للعلماء أقوالًا أخرى في لعن الكافر المعيَّنُ. وتقدم عن الشيخ ابن عثيمين قوله: "المعروف عند جمهور أهل العلم أنه يجوز لعنه إذا مات على الكفر"
(4)
.
وفي الآداب الشرعية: "وقال الشيخ تقي الدين أيضًا في موضع آخر في لعن المُعَيَّنِ من الكفار ومن أهل القبلةِ وغيرهم ومن الفُسَّاقِ بالاعتقاد أو بالعمل:
(1)
تفسير ابن كثير 1/ 176.
(2)
منهاج السنة النبوية 4/ 572، 573.
(3)
تفسير سورة البقرة 1/ 293 - 294.
(4)
تفسير سورة البقرة 2/ 193.
لأصحابنا فيها أقوال:
أحدها: أنه لا يجوز بحال، وهو قول أبي بكر عبد العزيز. والثاني: يجوز في الكافر دون الفاسق. والثالث: يجوز مطلقًا"
(1)
.
وبعض العلماء جوّز ذلك على وجه الانتصار أو الزجر والإرهاب.
قال ابن مفلح: "وقال "يعني القاضي" في مكان آخر: وقد نُقِلَ عن أحمد لعنهُ أقوام معينين من دُعاِة أهل البدع، ولهذا فَرَّقَ مَنْ فرّق من الأصحاب بين لعنةِ الفاسقِ بالفعل وبين دعاةِ أَهلِ الضلال، إما بناء على تكفيرهم، وإما بناء على أن ضررهم أشد، ومَنْ جَوَّزَ لعنة المبتدع المكفر معينًا فإنه يُجوَّز لعنة الكافر المعين بطريق الأوْلى، ومَنْ لم يُجَوَّزْ أن يلعن إلا مَن ثبتَ لعنه بالنصَّ فإنه لا يجوز لعنة الكافر المعين، فَمَنْ لم يُجَوَّزْ إلا لعنَ المنصوص يرى أن لا يجوز ذلك لا على وجه الانتصارِ، ولا على وجهِ الجهادِ وإقامةِ الحدود، كالهجرة والتعزيز والتحذير
…
وكذلك من لم يلعن المعين من أهل السنة أو من أهل القبلة أو مطلقًا. وأما مَنْ جَوَّزَ لعنةَ الفاسِق المُعَيَّنِ على وجه البغض في الله عز وجل والبراءة منه والتعزير فقد يجوز ذلك على وجه الانتصار أيضًا، ومَنْ يُرَجَّح المنعَ مِنْ لعنِ المعين، فقد يجيبُ عما فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأحدِ أجوبة ثلاثة:
إما بأن ذلك منسوخ كلعن من لعن في القنوت على ما قاله أبو هريرة.
وإما أن ذلك مما دخلَ في قوله: "اللهم إنما أنا بشرٌ أغضبُ كما يغضب البشر، فأيما مسلم سَبَبْتُه أو لعنته - وليس كذلك - فاجعلْ ذلك له صلاةً وزكاةً ورحمةً تقربه بها إليكَ يومَ القيامة"
(2)
. لكن قد يقال: هذا الحديث لا يدلُّ على تحريم اللعنة، وإنما يدل على أنه يفعلها باجتهادهِ بالتعزيز، فجعلَ هذا الدعاء دافعًا عَمَّنْ ليس لها بأهل.
(1)
الآداب الشرعية 1/ 285.
(2)
سبق تخريجه.
وإما أن يقال: اللعن من النبي صلى الله عليه وسلم ثابتٌ بالنص، فقد يكون اطلع على عاقبة الملعون"
(1)
.
وفي حديث "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه" قال الحافظ ابن حجر: "وفيه جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الإرهاب عليه لئلا يواقع الفعل، فإذا واقعه فإنما يدعى له بالتوبة والهداية.
قلت
(2)
: ليس هذا التقييد مستفادًا من هذا الحديث بل من أدلة أخرى، وقد ارتضى بعض مشايخنا ما ذكره المهلب من الاستدلال بهذا الحديث على جواز لعن العاصي المعين وفيه نظر، والحق أن من منع اللعن أراد به معناه اللغوي وهو الإبعاد من الرحمة، وهذا لا يليق أن يدعى به على المسلم بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية، والذي أجازه أراد به معناه العرفي وهو مطلق السب، ولا يخفي أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر وأما حديث الباب فليس فيه إلا أن الملائكة تفعل ذلك ولا يلزم منه جوازه على الإطلاق"
(3)
.
وجاء عن بعض السلف لعن مستحق اللعنة من المعينين خاصة في حق أئمة أهل البدع والضلال.
روى نصر المقدسي عن عبد الرحمن بن مهدي قال: "دخلت على مالك بن أنس رضي الله عنه وعنده رجل يسأله عن القرآن والقدر، فقال: لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد، لعن الله عمرًا فإنه ابتدع هذه البدعة من الكلام"
(4)
.
(1)
الآداب الشرعية 1/ 291، 292.
(2)
أي الحافظ ابن حجر.
(3)
فتح الباري 9/ 249.
(4)
مختصر الحجة على تارك المحجة لأبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي تحقيق محمد إبراهيم هارون (رسالة علمية مطبوعة على الآلة الكاتبة بالجامعة الإسلامية) ص 452.
قال البخاري: وقال وكيع: "على المريسي لعنة الله، يهودي هو أو نصراني؟ قال له رجل: كان أبوه أو جده يهوديًا أو نصرانيًا قال وكيع: عليه وعلى أصحابه لعنة الله"
(1)
.
وروى عبد الله أيضًا عن عباس العنبري. عن شاذ بن يحيى قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: "من قال القرآن مخلوق فهو كافر، وجعل شاذ بن يحيى يلعن المريسي"
(2)
.
وجاء عن يزيد بن هارون أنه قال: "لعن الله الجهم ومن قال بقوله"
(3)
.
وروى اللالكائي عن سعيد بن رحمة أنه قال: "إنما خرج جهم عليه لعنة الله سنة ثلاثين ومائة"
(4)
.
وجاء عن أبي نعيم الفضل بن دكين أنه قال: "لعن الله بشر المريسي الكافر"
(5)
.
وروى اللالكائي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سمعت أبي يقول: أول من أتى بخلق القرآن جعد بن درهم وقاله سنة نيف وعشرين ومائة، ثم من بعدهما بشر بن غياث المريسي لعنه اللهُ وكان صباغًا يهوديًا
(6)
.
وجاء في تراجم اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: أخبار الجعد بن درهم لعنه الله
(7)
.
تنبيه: من منع لعن الكافر المعين فإنه لا يمنع الدعاء عليه بالهلاك، وكذلك الدعاء على الكافر أو الظالم وقت النازلة الخالي من اللعن بتعيين جائز.
(1)
خلق أفعال العباد ضمن مجموعة (عقائد السلف) تحقيق النشار ص 124.
(2)
السنة لعبد الله بن أحمد 1/ 170، 122.
(3)
السنة لعبد الله بن أحمد 1/ 167.
(4)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/ 380.
(5)
السنة لعبد الله بن أحمد 1/ 170.
(6)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/ 382.
(7)
المصدر نفسه 2/ 382.