الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
حكم النُّشْرَة:
اختلف العلماء في حل السحر عن المسحور بسحر مثله، فأثبته بعضهم وأنكره آخرون؛ لأنه يعتمد على السحر فهو محرم، والنشرة بهذا تكون من قبل الشياطين والسحرة فتكون مضادة للتوحيد
(1)
.
وقد استدل المثبتون بما اشتهر عن سعيد بن المسيب. قال قتادة لسعيد ابن المسيب: رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر؟ قال: "لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه"
(2)
.
وقال سعيد بن المسيب في الرجل يؤخذ عن امرأته: "اتئدوا لم تنهوا عما ينفعكم، إنما نهيتم عما حرم عليكم"
(3)
.
وعن عطاء قال: "لا بأس أن يأتي المؤخذ عن امرأته، والمسحور من يُطلِقُ عنه"
(4)
.
وقال ابن حجر: "وقد سئل أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور، فقال: "لا بأس به""
(5)
.
وقال القرطبي: "فأجازه سعيد بن المسيب على ما ذكره البخاري، وإليه مال المزني، وكرهه الحسن البصري، وقال الشعبي: لا بأس بالنشرة
…
"
(6)
.
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 421.
(2)
أخرجه البخاري معلقًا في كتاب الطب باب: هل يستخرج السحر انظر: صحيح البخاري 1018، الفتح 10/ 232، 243، وقال الحافظ في التغليق:"رواه الأثرم في السنن وساق إسناده، ثم قال: وإسناده صحيح"(التغليق 5/ 49).
(3)
علقه البخاري 10/ 198، 199.
(4)
شرح السنة للبغوي 12/ 190.
(5)
فتح الباري 10/ 233.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 2/ 49.
وقال الحافظ: "وقد تمسك قوم بهذا العموم، فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها، لكن دل حديث عوف أنه ما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك فيمتنع احتياطًا"
(1)
.
وحديث عوف هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعرضوا عليَّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك""
(2)
.
أما المانعون: فاستدلوا بحديث جابر بن عبد الله، قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النُّشْرَة فقال:"هو من عمل الشيطان"
(3)
.
وروي عن أبي رجاء عن الحسن قال: "سألت أنس بن مالك عن النُّشْرَة فقال: ذكروا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها من عمل الشيطان"
(4)
. وقال قتادة: وكان الحسن يكره ذلك ويقول: "لا يعلم ذلك إلا ساحر"
(5)
. وسئل مرة عن النشرة فقال: سحر
(6)
.
وسئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله
(7)
.
وقال ابن الجوزي: "النُّشْرَة حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا ساحر"
(8)
.
وللجمع بين هذه الروايات قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "والنشرة حل السحر عن المسحور. وهي نوعان حل سحر بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان فإن
(1)
فتح الباري 10/ 206.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
سنن أبي داود (3868).
(4)
مصنف ابن أبي شيبة (3567).
(5)
فتح الباري 10/ 244.
(6)
مصنف ابن أبي شيبة (3566).
(7)
الآداب الشرعية لابن مفلح 3/ 77.
(8)
فتح الباري 10/ 233.
السحر من عمله فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب فيبطل عمله عن المسحور والثاني النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة فهذا جائز بل مستحب وعلى النوع المذموم يحمل قول الحسن لا يحل السحر إلا ساحر"
(1)
.
وقال ابن حجر: "فيختلف الحكم بالقصد، فمن قصد بها خيرا، كان خيرا وإلا فهو شر ثم الحصر المنقول عن الحسن ليس على ظاهره لأنه قد يخل بالرقى والأدعية والتعويذ ولكن يحتمل أن تكون النُّشْرَة نوعين"
(2)
.
فما كان من الآيات القرآنية، والأسماء والصفات الربانية، والدعوات المأثورة النبوية فهو خير. أما إذا اشتملت على أسماء الشياطين، أو كان بلسان غير معلوم فهو شر
(3)
.
قال ابن حجر: "ويوافق قول سعيد بن المسيب ما تقدم في حديث جابر عند مسلم مرفوعًا: "من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل"، ويؤيد مشروعية النُّشْرَة، حديث "العين حق" في قصة اغتسال العائن"
(4)
.
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله: "وهذا الكلام من ابن المسيب يحمل على نوع من النُّشرَة لا يعلم هل هو نوع من السحر أم لا؟ فأما أن يكون ابن المسيب يفتي بجواز قصد الساحر الكافر المأمور بقتله ليعمل السحر، فلا يظن به ذلك، حاشاه منه، ويدل على ذلك قوله: إنما يريدون به الإصلاح، فأي إصلاح في السحر؟! بل كله فساد وكفر - والله أعلم -
…
وكذلك ما روي عن الإمام أحمد من إجازة النُّشْرَة فإنه محمول على ذلك وغلط من ظن أنه أجاز النُّشْرَة السحرية
(1)
إعلام الموقعين 4/ 396.
(2)
فتح الباري 10/ 244.
(3)
فتح الباري 10/ 206.
(4)
فتح الباري 10/ 233.
وليس في كلامه ما يدل على ذلك"
(1)
.
وقال ابن باز رحمه الله عن كلام ابن المسيب على النُّشْرَة: "هذا كلام محمول على الحل بالرقية والمعوذات والأشياء المباحة لأن هذا من الإصلاح والإصلاح مأمور به والمنكر منهي عنه"
(2)
.
فعلاج السحر بالسحر لا يجوز وعليه الفتوى. قال ابن باز: "لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النُّشْرَة فقال: "هي من عمل الشيطان"
(3)
؛ ولأن حلها بالسحر يتضمن دعوة الجن والاستعانة بهم وهذا من الشرك الأكبر"
(4)
.
وبعض متأخري الحنابلة أجازه للضرورة
(5)
.
والقول بجواز الحل بالسحر مردود لعموم النهي عن إتيان الكهان والعرافين وللنهي عن التداوي بالحرام قال ابن مسعود: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم"
(6)
والسحر مما حرم الله فلا شفاء فيه.
وأيضًا فإن في تجويز النشرة الشركية إقرارٌ بوجود الساحر وجواز الرضى بعمله وهذا مخالف وهادم لما سبق بيانه في باب السحر ولأن فيه استعانة بغير الله.
أما ما ذكر عن الإمام أحمد رحمه الله في ذلك فإنه ليس صريحًا في جواز النشرة السحرية، قال الشيخ سليمان بن عبد الله: بل لما سُئل - أي الإمام أحمد - عن الرجل يحل السحر قال: قد رخص فيه بعض الناس. قيل: إنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه؟ فنفض يده. وقال: لا أدري ما هذا؟ قيل له: أفترى أن يؤتى مثل
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 423 - 424.
(2)
من تعليق الشيخ على كتاب التوحيد.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
مجموع الفتاوى ابن باز ص 692.
(5)
الفروع لابن مفلح 6/ 178 - 179، الروض المربع ص 475.
(6)
أخرجه البخاري معلقًا، وانظر مجمع الزوائد 5/ 89.