الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحكام وفوائد:
1 - الفرق بين النبي والرسول:
لأهل العلم في الفرق بين النبي والرسول أقوال أهمها:
القول الأول: أن النبي من أوحي إليه ولم يؤمر بالبلاغ والرسول من أوحي إليه وأمر بالبلاغ.
قال السفاريني رحمه الله في تعريف النبي: "هو إنسان أوحى إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه فإن أمر بتبليغه فهو رسول أيضا على المشهور، فبين النبي والرسول عموم وخصوص مطلق، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولًا"
(1)
.
وقال ابن أبي العز: "وقد ذكروا فروقا بين النبي والرسول، أحسنها أن من نبأه الله بخبر السماء إن أمره أن يبلغ غيره، فهو نبي رسول، وإن لم يأمره أن يبلغ غيره، فهو نبي وليس برسول"
(2)
.
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: هل هناك فرق بين الرسول والنبي؟ فقال: "نعم، فأهل العلم يقولون: إن النبي هو من أوحى الله إليه بشرع ولم يأمره بتبليغه بل يعمل به في نفسه دون إلزام بالتبليغ.
والرسول هو من أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه والعمل به. فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولًا، والأنبياء أكثر من الرسل، وقد قص الله بعض الرسل في القرآن ولم يقصص البعض الآخر، قال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [غافر: 78].
(1)
لوامع الأنوار البهية ص 49.
(2)
شرح العقيدة الطحاوية ص 158.
وبناء على هذه الآية يتبين أن كل من ذكر في القرآن من الأنبياء فهو رسول".
فقيل له: كيف لا يؤمر النبي بتبليغ الشرع وقد أوحي إليه؟
فأجاب بقوله: "أوحى الله إلى النبي بالشرع من أجل إحياء الشرع بمعنى أن من رآه واقتدى به واتبعه دون أن يلزم بإبلاغه، ومن ذلك ما حصل لآدم عليه الصلاة والسلام، فإن آدم كان نبيًا مكلَّمًا كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع هذا فليس من الرسل لأنه قد دلت السنة بل دل القرآن، والسنة، وإجماع الأمة على أن أول رسول أرسله الله هو نوح عليه السلام. وآدم لابد أن يكون متعبدًا لله بوحي من الله فيكون قد أوحى إليه ولم يؤمر بالتبليغ ولهذا لا يعد من الرسل"
(1)
.
القول الثاني: أن الرسول من بعث لقوم مخالفين، والنبي من بعث لقوم موافقين:
قال شيخ الإسلام رحمه الله وقدس روحه -: "فالنبي هو الذي ينبئه الله وهو ينبئ بما أنبأ الله به فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] .. وقوله: {مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} فذكر إرسالا يعم النوعين وقد خص أحدهما بأنه رسول فإن هذا هو الرسول المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته إلى من خالف الله كنوح. وقد ثبت في الصحيح أنه أول رسول بعث إلى أهل الأرض وقد كان قبله أنبياء كشيث وإدريس عليهما السلام وقبلهما آدم كان نبيًا مكلمًا، قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح
(1)
مجموع فتاوى الشيخ محمد العثيمين 1/ 313 - 314.
عشرة قرون كلهم على الإسلام، فأولئك الأنبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم لكونهم مؤمنين بهم كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلماء عن الرسول.
وكذلك أنبياء بني إسرائيل يأمرون بشريعة التوراة وقد يُوحى إلى أحدهم وحي خاص في قصة معينة ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالِم الذي يُفهمه الله في قضية معنى يطابق القرآن كما فهَّم الله سليمان حكم القضية التي حكم فيها هو وداود. فالأنبياء ينبئهم الله فيخبرهم بأمره ونهيه وخبره وهم ينبئون المؤمنين بهم ما أنبأهم الله به من الخبر والأمر والنهي، فإن أُرسلوا إلى كفار يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ولا بد أن يكذب الرسل قوم قال تعالى:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52)} [الذاريات: 52]، وقال:{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت: 43]، فإن الرسل ترسل إلى مخالفين فيكذبهم بعضهم. وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)} [يوسف: 109، 110]، {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)} [غافر: 51]، فقوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} [الحج: 52] دليل على أن النبي مرسل ولا يسمى رسولًا عند الإطلاق لأنه لم يرسل إلى قوم بما لا يعرفونه بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنه حق كالعلم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء"
(1)
وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة فإن يوسف كان
(1)
أخرجه أبو داود (3641) والترمذي (2682) وابن ماجه (223).
رسولًا وكان على ملة إبراهيم، وداود وسليمان كانا رسولين وكانا على شريعة التوراة
…
"
(1)
.
القول الثالث: الرسول من أوحي إليه بشرع جديد وأمر بالتبليغ والنبي من بعث مجددًا لشرع من قبله من الرسل.
وقال النسفي رحمه الله: "
…
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء فقال: "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا" فقيل: فكم الرسل منهم؟ فقال: "ثلاثمائة وثلاثة عشر" والفرق بينهما أن الرسول من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه - والنبي من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر أن يدعو إلى شريعة من قبله. وقيل: الرسول واضع شرعٍ، والنبي حافظ شرع غيره"
(2)
.
وقال الشنقيطي رحمه الله: "قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} الآية يدل على أن كلا منهما مرسل، وأنهما مع ذلك بينهما تغاير واستظهر بعضهم أن النبي الذي هو رسول أنزل إليه كتاب وشرع مستقل مع المعجزة التي ثبتت بها نبوته، وأن النبي المرسل الذي هو غير الرسول، وهو من لم ينزل عليه كتاب وإنما أوحي إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يرسلون ويؤمرون بالعمل بما في التوراة، كما بينه تعالى بقوله: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} الآية"
(3)
.
وقال الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: "والفرق بين النبي والرسول: أن الرسول من بعثه الله إلى قوم، وأنزل عليه كتابا، أو لم ينزل عليه كتابا لكن أوحى إليه بحكم
(1)
النبوات 2/ 714 - 722.
(2)
تفسير النسفي 3/ 108، وقد نقله عن الزمخشري المناوي في فيض القدير 1/ 15.
(3)
أضواء البيان للشنقيطي 5/ 735.