الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
195 - العبادة
*
قال الرازي: "أصل العبودية الخضوع والذل، والتعبيد: التذليل يقال: طريق مُعبَّد، والتعبيد أيضًا لاستعباد وهو اتخاذ الشخص عبدًا"
(1)
.
وقال ابن سيده: "والعبادة والخضوع والتذلل والاستكانة قرائب في المعاني، يقال: تعبد فلان لفلان، أي: تذلل له. وكل خضوع ليس فوقه خضوع: فهو عبادة، طاعة كان للمعبود أو غير طاعة، وكل طاعة لله على وجه الخضوع والتذلل فهي عبادة. والعبادة نوع من الخضوع لا يستحقه إلا المنعم بأعلى أجناس النعم كالحياة والفهم والسمع والبصر"
(2)
.
وفي الشرع قال ابن تيمية: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة: فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق
* اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 733. شرح مسائل الجاهلية ص 112. تيسير العزيز الحميد ص 47. فتح المجيد ص 41. حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم ص 12. القول السديد لابن سعدي 43. القول المفيد لابن عثيمين ط 1 - 1/ 10، 28، ط 2 - 3/ 173 ومن المجموع 9/ 5، 21. الدرر السنية 2/ 103، 174، 249، 308، 8/ 221، 12/ 61، 375، الدين الخالص لصديق حسن القنوجي 1/ 341، 3/ 110. معارج القبول 1/ 323. مجموع الفتاوى لابن باز 1/ 237. مجموع الفتاوى لابن عثيمين 1/ 85 - 5/ 260 - 7/ 330، 336. دعوة التوحيد محمد خليل هراس ص 41 إلى 59. الشيخ السعدي وجهوده في توضيح العقيدة للعباد ص 161. الإمام الخطابي ومنهجه في العقيدة لأبي عبد الرحمن العلوي ص 235. ابن رجب وأثره في توضيح العقيدة للغفيلي ص 334. منهج الحافظ ابن رجب في العقيدة ص 374. منهج ابن حجر في العقيدة ص 1005. مسائل الإمام أحمد ص 174. جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية ص 287، 351. مباحث العقيدة في سورة الزمر ص 243. الجيلاني وآراؤه الاعتقادية ص 134.
(1)
مختار الصحاح (ع ب د).
(2)
المخصص لابن سيده 13/ 96.
الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء، والذكر، والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة. وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله، والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف لعذابه، وأمثال ذلك، هي من العبادات لله"
(1)
.
وقال رحمه الله: "والعبادة أصل معناها الذل أيضا، يقال طريق معبد إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له، فإن آخر مراتب الحب هو التتيم، وأوله العلاقة لتعلق القلب بالمحبوب، ثم الصبابة لانصباب القلب إليه، ثم الغرام وهو الحب اللازم للقلب، ثم العشق، وآخرها التتيم يقال "تيم الله" أي عبد الله، فالمتيم المعبد لمحبوبه، ومن خضع لإنسان مع بغضه له فلا يكون عابدا، ولو أحب شيئا ولم يخضع له لم يكن عابدا له، كما قد يحب ولده وصديقه. ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله. بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله عنده أعظم من كل شيء، بل لا يستحق المحبة والذل التام إلا لله.
فكل ما أُحِبَّ لغير الله فمحبته فاسدة وما عُظِّمَ بغير أمر الله كان تعظيمه باطلا، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)} [التوبة: 24] فجنس المحبة يكون لله ورسوله، كالطاعة تكون
(1)
العبودية ص 3. وانظر: مجموع الفتاوى 10/ 149، 153.
لله ورسوله، والإرضاء لله ورسوله قال تعالى:{وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62]. والإيتاء لله ورسوله قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 59] "
(1)
.
فحقيقة العبودية تتضمن معنى الذل ومعنى الحب فلا يكتفي بالحب وحده بل يقرن بحبه غاية الذل له.
وفي التيسير: "قال القرطبي: "أصل العبادة: التذلل والخضوع، وسميت وظائف الشرع على المكلفين عبادات، لأنهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين لله تعالى". قال ابن كثير هي: عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف"
(2)
.
وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: "العبادة روحها وحقيقتها تحقيق الحب والخضوع لله فالحب التام والخضوع الكامل لله هو حقيقة العبادة، فمتى خلت العبادة من هذين الأمرين أو من أحدهما فليست عبادة، فإن حقيقتها الذل والانكسار لله ولا يكون ذلك إلا مع محبته المحبة التامة التي تتبعها المحاب كلها"
(3)
.
وقال: "العبادة والعبودية لله: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من العقائد وأعمال القلوب وأعمال الجوارح، فكل ما يقرب إلى الله من الأفعال والتروك فهو عبادة: ولهذا كان تارك المعصية لله متعبدا متقربا إلى ربه بذلك"
(4)
.
وقال ابن عثيمين: "العبادة: بمفهومها العام هي التذلل لله محبة وتعظيما بفعل
(1)
العبودية ص 6.
(2)
تيسير العزيز الحميد ص 46، 47. وانظر: كتاب النبوات لابن تيمية ص 88. والجواب الصحيح 6/ 31.
(3)
الحق الواضح المبين 59، 60.
(4)
الخلاصة 201.
أوامره واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه أما المفهوم الخاص للعبادة يعني تفصيلها فهو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية"
(1)
.
وقال مبينًا الأشياء التي تعرف أنها عبادة: "وكل محبوب لله من الأعمال فإنه عبادة"
(2)
.
ويدخل في المحبوب الفعل كالصلاة والزكاة كما يدخل فيه الترك كترك الكذب والغيبة والنميمة.
* الدليل من الكتاب: قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56] وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف 59] وكذلك قال هود عليه السلام لقومه كما قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)} [الأعراف: 65] وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 73] وقال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 85]، وقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} [النحل: 36] وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء: 25] وقال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)} [الأنبياء: 92] وقال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} [الحجر: 99]، وبذلك وصف ملائكته وأنبياءه فقال
(1)
شرح ثلاثة الأصول من مجموع فتاوى ابن عثيمين 6/ 31.
(2)
شرح ثلاثة الأصول من مجموع فتاوى ابن عثيمين 6/ 63.