الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
210 - الغرباء
*
[أهل السنة والجماعة]
قال الرازي: "الغربة الاغتراب تقول: تغرب واغترب بمعنى فهو غريب
…
والجمع الغرباء والغرباء أيضا الأباعد"
(1)
.
جاء وصف الغرباء في حديث عَبْد الله بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: "طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ" فَقِيلَ: مَنْ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ الله قَالَ: "أَناسٌ صَالِحُونَ فِي أَنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيِهمْ أَكْثر مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ"
(2)
.
قال ابن الأثير: "كان في أول أمره - يعني الإسلام - كالغريب الوحيد الذي لا أهل له عنده، لقلة المسلمين يومئذ، وسيعود غريبا كما كان: أي يقِلُّ المسلمون في آخر الزمان فيصيروا كالغرباء"
(3)
.
فالغرباء هم أهل الأثر المستمسكون بالسنة يوم ينفض الناس عنها وهم المصلحون وهم الموحدون وهم أهل السنة والجماعة.
* الدليل من الكتاب: قول الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)} [هود: 116].
* الغرباء للآجري. كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة. مدارج السالكين 3/ 198. الدرر السنية 1/ 492، 8/ 230، 233، 9/ 440، 10/ 5. نور على الدرب لابن باز 16. الآثار الواردة في سير أعلام النبلاء د: جمال بن أحمد 1/ 145.
(1)
مختار الصحاح (غ ر ب).
(2)
المسند (6650).
(3)
النهاية لابن الأثير (غ ر ب).
* الدليل من السنة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ"
(1)
.
وفي رواية: قيل: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال:"الذين يصلحون إذا فسد الناس"
(2)
. وفي رواية: "قيل من الغرباء قال: النزّاع من القبائل"
(3)
. ورواه أحمد من حديث سعد بن أبي وقّاص وفيه: "فطوبى يومئذ للغرباء إذا فسد الناس"
(4)
.
وللترمذي من حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْحِجَازِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا، وَلَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنْ الْحِجَازِ مَعْقِلَ الأُرْوِيَّةِ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ، إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، الَّذِينَ يُصلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي"
(5)
.
قال ابن الأثير: ""فطوبى للغرباء" أي: الجنة لأولئك المسلمين الذين كانوا في أول الإسلام ويكونون في آخره، وإنما خصَّهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولًا وآخرًا، ولزومهم دين الإسلام"
(6)
.
وقال الذهبي: "قال حزم بن أبي حزم: مر بنا يونس بن عبيد على حمار ونحن قعود، على باب ابن لاحق. فوقف. فقال: أصبح من إذا عرف السنة عرفها غريبا، وأغرب منه الذي يُعَرِّفُها"
(7)
.
(1)
صحيح مسلم (145)(146) وأحمد (16810).
(2)
أخرجه الإمام أحمد (16810) والآجري في الغرباء ص 16.
(3)
أخرجه الإمام أحمد (3783) وابن ماجه (3988).
(4)
أخرجه الإمام أحمد (1604).
(5)
قال الترمذي حديث حسن صحيح (2630).
(6)
النهاية (غ ر ب).
(7)
سير أعلام النبلاء 2/ 292. وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 3/ 21.
وقال أيضًا: "قال ابن المبارك، عن سفيان: استوصوا بأهل السنة خيرا، فإنهم غرباء"
(1)
.
وقال الآجري رحمه الله في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: "وسيعود غريبًا" معناه الله أعلم أن الأهواء المضلة تكثر فيضل بها كثير من الناس ويبقى أهل الحق الذين هم على شريعة الإسلام غرباء في الناس
(2)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقوله صلى الله عليه وسلم "ثم يعود غريبا كما بدأ" يحتمل شيئين:
أحدهما: أنه في أمكنة وأزمنة يعود غريبًا بينهم ثم يظهر، كما كان في أول الأمر غريبًا ثم ظهر، ولهذا قال:"سيعود غريبًا كما بدأ" وهو لما بدأ كان غريبًا لا يعرف ثم ظهر وعرف، فكذلك يعود حتى لا يعرف ثم يظهر ويعرف. فيقل من يعرفه في أثناء الأمر كما كان من يعرفه أولًا.
ويحتمل أنه في آخر الدنيا لا يبقى مسلمًا إلا قليل. وهذا إنما يكون بعد الدجال ويأجوج ومأجوج عند قرب الساعة"
(3)
.
وقال ابن القيم رحمه الله: "ومعنى قول النبي: "هم النزاع القبائل" أن الله سبحانه بعث رسوله وأهل الأرض على أديان مختلفة فهم بين عباد أوثان ونيران وعباد صور وصلبان ويهود وصابئة وفلاسفة - وكان الإسلام في أول ظهوره غريبًا وكان من أسلم منهم واستجاب لله ولرسوله غريبًا في حيه وقبيلته وأهله وعشيرته، فكان المستجيبون لدعوة الإسلام نزاعًا من القبائل بل آحادًا منهم، تغربوا عن قبائلهم وعشائرهم ودخلوا في الإسلام، فكانوا هم الغرباء حقًّا حتى ظهر الإسلام
(1)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (49). سير أعلام النبلاء 7/ 273.
(2)
كتاب الغرباء ص 24، 25.
(3)
مجموع الفتاوى 18/ 296، 295.
وانتشرت دعوته، ودخل الناس فيه أفواجًا فزالت تلك الغربة عنهم، ثم أخذ في الاغتراب والترحل حتى عاد غريبا كما بدأ؛ بل الإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله وأصحابه، هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة، فالإسلام الحقيقي غريب جدًّا وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس"
(1)
.
ومع ابتعاد الناس عن آثار هذه النبوة، وانتشار البدع وفشوها وظهور الجهل، وموت السنن واندثارها يصبح أهل السنة والجماعة هم الغرباء، يقول ابن رجب رحمه الله بعد كلام له عن تفرق أهل القبلة بسبب فتنة الشبهات والأهواء المضلة:"فلم ينج من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية، وهم المذكورون في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"
(2)
، وهم في آخر الزمان الغرباء المذكورون في هذه الأحاديث، الذين يصلحون إذا فسد الناس، وهم الذين يُصلِحون ما أفسد الناس من السنة"
(3)
.
ويقول ابن القيم رحمه الله في بيان ذلك: "وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة ذات أتباع ورئاسات ومناصب وولايات. ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن نفس ما جاء به: يضاد أهواءهم ولذاتهم، وما هم عليه من الشبهات، والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم، والشهوات التي هي غايات مقاصدهم وإرادتهم"
(4)
، وقال قبل ذلك: "فهؤلاء هم
(1)
مدارج السالكين 3/ 298.
(2)
أخرجه البخاري (71)(3116)(3641)(7312)(7460).
(3)
كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة لابن رجب الحنبلي ص 25، 22.
(4)
مدارج السالكين 3/ 198.
الغرباء الممدوحون المغبوطون ولقلتهم في الناس جدًّا سموا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فهم الغرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين: هم أشد هؤلاء غربة"
(1)
.
ثم ذكر صفات هؤلاء الغرباء فقال: "ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النبي صلى الله عليه وسلم التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس وترك ما أحدثوه، وإن كان هو المعروف عندهم. وتجريد التوحيد، وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقًّا وأكثر الناس بل كلهم لائم لهم"
(2)
.
ثم ذكر صفات الواحد منهم فقال: "فهو غريب في دينه لفساد عقائدهم، غريب في في تمسكه بالسنة، لتمسكهم بالبدع، غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم، غريب في نسبته لمخالفة نسبهم، غريب في معاشرته لهم لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم، وبالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته لا يجد من العامة مساعدا ولا معينا فهو عالم بين جهّال، صاحب سنة بين أهل بدع، داعٍ إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع، آمرٌ بالمعروف ناهٍ عن المنكر بين قومٍ المعروف لديهم منكر والمنكر معروف"
(3)
.
(1)
مدارج السالكين 3/ 195، 196.
(2)
مدارج السالكين 3/ 197.
(3)
مدارج السالكين 3/ 199، 200.
وقريبا من كلام ابن القيم: ما ذكره الآجري رحمه الله في كتابه الغرباء حيث قال: "فإذا أراد المؤمن العاقل الذي قد فقهه الله عز وجل في الدين وبصره عيوب نفسه، وفتح له ما الناس عليه، ورزقه معرفة بالتمييز بين الحق والباطل وبين الحسن والقبيح وبين الضار والنافع، وعلم ماله مما عليه، إذ ألزم نفسه العمل بالحق بين ظهراني من قد جهل الحق بل الغالب عليهم اتباع الهوى، لا يبالون ما نقص من دينهم إذا سلمت لهم دنياهم، فإذا نظروا إلى من يخالفهم على طريقتهم ثقل ذلك عليهم فمقتوه وخالفوه، وطلبوا له العيوب، فأهله به متضجرون، وإخوانه به مثقلون، ومعاملوه به غير راغبين في معاملته، وأهل الأهواء على غير مذهب الحق مخالفون. فصار غريبا في دينه لفساد دين أكثر الخلق، غريبا في معاملته لكثرة فساد معايش أكثر الخلق، غريبًا في مؤاخاته وصحبته لكثرة فساد صحبة الناس ومؤاخاتهم، غريبا في جميع أمور الدنيا والآخرة"
(1)
.
(1)
كتاب الغرباء ص 26، 27.