الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهة لا يكفر كذا قال، وفيه نظر. وظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد بأي وجه كان، لاعتقاده أنه يعلم الغيب، وسواء كان كذلك من قبل الشياطين، أو من قبل الإلهام لا سيما وغالب الكهان في وقت النبوة إنما كانوا يأخذون عن الشياطين. وفي حديث رواه الطبراني عن وائلة مرفوعًا:"من أتى كاهنا فسأله عن شيء حجبت عنه التوبة أربعين ليلة فإن صدقه بما قال كفر". قال المنذري: ضعيف. فهذا لو ثبت نص في المسألة لكن ما تقدم من الأحاديث يشهد له، فإن الحديث الذي فيه الوعيد بعدم قبول الصلاة أربعين ليلة ليس فيه ذكر تصديقه والأحاديث التي فيها إطلاق الكفر مقيدة بتصديقه"
(1)
.
3 - حكم الكاهن وعمله:
دخلت الكهانة والعرافة والتنجيم في الشرك من جهتين:
- جهة ادعاء علم الغيب الذي اختص به الله سبحانه وتعالى.
- وجهة استخدام الشياطين بعد التقرب لهم فهو تقرب إلى غير الله سبحانه وتعالى بأي نوع من أنواع العبادة.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: "وكثير من الكهانة المتعلقة بالشياطين لا تخلو من الشرك والتقرب إلى الوسائط التي تستعين بها على دعوى لعلوم الغيبية فهو شرك من جهة دعوى مشاركة الله في علمه الذي اختص به ومن جهة التقرب إلى غير الله"
(2)
.
وفي حديث "من أتى عرافًا
…
" الحديث قال شارح الطحاوية: "فإذا كانت هذه حال السائل فكيف بالمسؤول"
(3)
.
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 413.
(2)
القول السديد ص 85.
(3)
شرح العقيدة الطحاوية ص 567.
وأفتت اللجنة الدائمة بأن الكهان الذين يزعمون علم المغيبات وأمثالهم ممن يخط في الرمل وينظر في الفنجان أو في الكف ومن يفتح الكتاب زعمًا منهم أنهم يعرفون بذلك الغيب أنهم كفار؛ لِزعمهم أنهم شاركوا الله في صفة من صفاته الخاصة به وهي علم الغيب
(1)
.
وكذلك أفتت اللجنة الدائمة أن الكاهن والعراف إذا ماتا وهما على حالتهما المعروفة من دعواهما علم الغيب فإنه لا يُصك عليهما ولو كانا يصليان؛ لأن دعواهما علم الغيب كفر أكبر يبطل الصلاة وغيرها
(2)
.
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "من يدّعي علم الغيب من العرافين والكهان، بنظره في النجوم أو في كتاب، أو بخط في رمل، أو استخدام جن، أو نحو ذلك، مما ليس من الأسباب العادية فهو كافر بقوله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65]
…
وعلى هذا لا يجوز لمن يعلم حال هؤلاء أن يصلي وراءهم، ولا تصح صلاته خلفهم"
(3)
.
وقال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله: "وأما كفر الكاهن فمن وجوه:
منها: كونه وليًا للشيطان فلم يوحِ إليه الشيطان إلا بعد أن تولّاه، قال تعالى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: 121] والشيطان لا يتولى إلا الكفار ويتولونه، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة:257]، وهذا وجه ثانٍ.
(1)
فتاوى اللجنة 1/ 393.
(2)
فتاوى اللجنة 1/ 407. وانظر للاستزادة كتاب إقامة البراهين على حكم من استعان بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين.
(3)
فتوى صادرة من رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برقم 2948.
والثالث: قوله تعالى: {يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ} أي نور الإيمان والهدى {إِلَى الظُّلُمَاتِ} أي ظلمات الكفر والضلالة.
وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} [النساء:119] وهذا وجه رابع.
والخامس: تسميته طاغوتًا في قوله عز وجل: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء:60] نزلت في المتحاكمين إلى كاهن جهينة.
وقوله: {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} أي بالطاغوت وهذا وجه سادس.
والسابع: أن مَنْ هداه الله للإيمان من الكهان كسواد بن قارب رضي الله عنه لم يأته رئيه بعد أن دخل في الإسلام، فدلّ أنه لم يتنزل عليه في الجاهلية إلا لكفره وتوليه إياه، حتى إنه رضي الله عنه كان يغضب إذا سُئل عنه حتى قال له عمر رضي الله عنه: كنا فيه من عبادة الأوثان أعظم.
الثامن - وهو أعظمها -: تشبهه بالله عز وجل في صفاته ومنازعته تعالى في ربوبيته، فإن علم الغيب من صفات الربوبية التي استأثر الله تعالى بها دون من سواه فلا سميَّ له ولا مضاهي ولا مشارك {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُو} [الأنعام: 59]، {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل 65]، {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن:26 - 27]، {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [الطور: 41]، {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} [النجم: 35] ولسان حال الكاهن وقالِه يقول: نعم.