الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالمجنون مثلًا، وهذه أوقات الفترات"
(1)
.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: "يختلف الحكم على الإنسان بأنه يعذر بالجهل في المسائل الدينية أو لا يعذر، باختلاف البلاغ وعدمه، وباختلاف المسألة نفسها وضوحا وخفاء، وتفاوت مدارك الناس قوة وضعفًا"
(2)
.
*
خامسًا: ينبغي التفريق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية:
يقول محمد بن جرير في كتابه الدين بعد أن ذكر بعض نصوص الصفات: "فإن هذه المعاني التي وصفت ونظائرها مما وصف الله بها نفسه، ورسوله مما لا يثبت حقيقة علمه بالفكر والروية، ولا يكفر بالجهل أحد إلا بعد انتهائها إليه"
(3)
.
وقال شيخ الإسلام: "ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة وإن كان ذلك في المسائل العلمية، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة. وإذا كان الله يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل، مع كونه لم يطلب العلم، فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول بحسب إمكانه هو أحق بأن يتقبل الله حسناته، ويثيبه على اجتهاداته، ولا يؤاخذه بما أخطأ، تحقيقا لقوله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة. 286]
(4)
.
وقال أيضًا رحمه الله: "
…
وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال: إنه فيها مخطئ ضال، لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، لكن ذلك يقع في طوائف
(1)
مجموع الفتاوى 20/ 59.
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع أحمد الدويش 2/ 97.
(3)
اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم 195، وانظر سير أعلام النبلاء 14/ 280.
(4)
مجموع الفتاوى 20/ 165، 166. وانظر: 13/ 64.
منهم في الأمور الظاهرة التي تعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين المسلمين، بل اليهود والنصارى يعلمون: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم بعث بها، وكفر مخالفها، مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبدة أحد سوى الله من الملائكة والنبيين والشمس والقمر والكواكب والأصنام وغير ذلك، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل أمره بالصلوات الخمس، وإيجابه لها وتعظيم شأنها، مثل معاداته لليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس، ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك
…
"
(1)
.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "إن الذي لم تقم عليه الحجة، هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف، فلا يكفر حتى يعرف، وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه، فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة"
(2)
.
وقال الشيخ عبد الله أبا بطين: "وقولك إن الشيخ يقول: إن من فعل شيئا من هذه الأمور الشركية، لا يطلق عليه إنه كافر مشرك حتى تقوم عليه الحجة الإسلامية، فهو لم يقل ذلك في الشرك الأكبر، وعبادة غير الله ونحوه من الكفر، وإنما قال هذا في المقالات الخفية كما قدمنا من قوله، وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال: لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، فلم يجزم بعدم كفره، وإنما قال: قد يقال"
(3)
.
فيشترط فهم الحجة في الأمور التي يلحق صاحبه فيها شبهة قوية ومثل ذلك التأويل في بعض الأسماء والصفات أو إنكار شيء منها عن شبهة لأن الشبه في
(1)
مجموع الفتاوى 4/ 54.
(2)
الدرر السنية 10/ 93.
(3)
رسالة في بيان الشرك، وعدم إعذار جاهله، وثبوت قيام الحجة عليه ص 30، 33.
بعض الأسماء والصفات قوية لا يحتاج فيها إلى بلاغ الحجة فقط بل لا بد من فهم الحجة فلا بد أن تزال الشبهة مع اختلاف المسائل والعناية بفهم الحجة في إنكار الصفة واجب لا سيما وقد تقدم حديث الرجل الذي أسرف على نفسه وقيدها الحافظ ابن عبد البر
(1)
بجهل صفة من صفاته الله وكذلك قال ابن قتيبة
(2)
.
وقال أيضًا: "وأما الرجل الذي أوصى أهله أن يحرقوه، وأن الله غفر له، مع شكه في صفة من صفات الرب سبحانه: فإنما غفر له لعدم بلوغ الرسالة له. كذا قال غير واحد من العلماء.
ولهذا قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: "من شك في صفة من صفات الرب ومثله لا يجهلها: كفر، وإن كان مثله يجهلها: لم يكفر.
قال ولهذا لم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله؛ لأنه لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة"
(3)
. وكذا قال ابن عقيل، وحمله على أنه لم تبلغه الدعوة.
واختيار الشيخ تقي الدين في الصفات: أنه لا يكفر الجاهل وأما في الشرك ونحوه فلا"
(4)
.
ويقول رحمه الله في معرِض توضيحه لموقف شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة تكفير المعين: "بل آخر كلامه رحمه الله (يعني ابن تيمية) يدل على أنه يعتبر فهم الحجة في الأمور التي تخفى على كثير من الناس، وليس فيها مناقضة للتوحيد والرسالة كالجهل ببعض الصفات، وأما الأمور التي هي مناقضة للتوحيد والإيمان بالرسالة فقد صرح رحمه الله في مواضع كثيرة بكفر أصحابها وقتلهم بعد الاستتابة، ولم يعذرهم بالجهل مع أنا نتحقق
(1)
التمهيد ص 18/ 46، 47.
(2)
تأويل مختلف الحديث ص 136.
(3)
مجموع الفتاوى 7/ 538.
(4)
الانتصار لحزب الله الموحدين ص 46، 47 تحقيق الوليد الفريان.
أن سببب وقوعهم في تلك الأمور إنما هو الجهل بحقيقتها، فلو علموا أنها كفر تخرج عن الإسلام لم يفعلوها، وهذا في كلام الشيخ رحمه الله كثير"
(1)
.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "مسألة تكفير المعين: من الناس من يقول: لا يكفر المعين أبدًا، ويستدل هؤلاء بأشياء من كلام ابن تيمية غلطوا في فهمها وأظنهم لا يكفِّرون إلا من نص القرآن على كفره كفرعون، والنصوص لا تجيء بتعيين كل أحد، يدرس باب (حكم المرتد) ولا يطبق على أحد، هذه ضلالة عمياء وجهالة كبرى، بل يطبق بشرط.
ثم الذين توقفوا في تكفير المعين في الأشياء التي قد يخفى دليلها فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية من حيث الثبوت والدلالة فإذا أُوضحت له الحجة بالبيان الكافي كفر سواء فهم، أو قال: ما فهمت، أو فهم وأنكر، ليس كفر الكفار كله عن عناد.
وأما ما علم بالضرورة أن الرسول جاء به وخالفه فهذا يكفر بمجرد ذلك ولا يحتاج إلى تعريف سواء في الأصول أو الفروع ما لم يكن حديث عهد بالإسلام.
والقسم الثالث أشياء تكون غامضة فهذه لا يكفر الشخص فيها ولو بعدما أُقيمت عليه الأدلة وسواء كانت في الفروع أو الأصول، ومن أمثلة ذلك الرجل الذي أوصى أهله أن يحرقوه إذا مات"
(2)
.
وقد نبَّه العلماء على أن الجهل لا يكون فيما هو معلوم من الدين
(3)
بالضرورة وهذه القاعدة أراد بها العلماء من لا يسعه الجهل قال الإمام الشافعي: "العلم
(1)
الدرر السنية 9/ 246.
(2)
فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 1/ 73، 74.
(3)
قال أبو البقاء صاحب الكليات: "العلم الضروري هو ما يحصل بدون فكر ونظر في دليل" الكليات 576. وفي التعريفات الفقهية قال: "هو الذي لا يفتقر إلى نظر واستدلال وتعلمه العامة، وهو مرادف للبديهي" قواعد الفقه محمد عميم الإحسان ص 358.
علمان: علمٌ عامة لا يسع بالغًا غير مغلوب على عقله جهله، مثل الصلوات الخمس، وأن لله على الناس صوم شهر رمضان، وحج البيت إذا استطاعوه، وزكاة في أموالهم، وأنه حرم عليهم الزنا والقتل، والسرقة والخمر، وما كان في معنى هذا مما كُلِّف العباد أن يعقلوه ويعملوه ويُعطوه من أنفسهم وأموالهم وأن يكفُّوا عنه ما حرّم عليهم منهم .. "
(1)
.
وقال ابن قدامة: "فإن لم يكن ممن يجهل ذلك كالناشئ من المسلمين في الأمصار والقرى، ولم يعذر ولم يقبل منه ادعاء الجهل، وحكم بكفره؛ لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة، والمسلمون يفعلونها على الدوام، فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله، ولا يجحدها إلا تكذيبا لله تعالى، ورسوله وإجماع الأمة، وهو يصير مرتدًا عن الإسلام، ولا أعلم في هذا خلافًا"
(2)
.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "إن الشخص المعين إذا قال ما يوجب الكفر فإنه لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية، أو ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله، ولا تجعل هذه الكلمة عكازة تدفع بها في نحر من كفر البلدة: الممتنعة عن توحيد العبادة والصفات بعد بلوغ الحجة ووضح المحجة"
(3)
.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله بعد ذكر الاستهزاء بالله ورسوله وأن فاعله مرتد قال: "وكذلك من جحد وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة، أو وجوب صوم رمضان، أو وجوب الحج في حق من استطاع السبيل إليه، أو جحد وجوب بر الوالدين أو نحو
(1)
الرسالة للشافعي ص 356، 357.
(2)
المغني 2/ 442.
(3)
الدرر السنية 8/ 244.
ذلك، ومثل ذلك من استحل شرب الخمر أو عقوق الوالدين، أو استحل أموال الناس ودماءهم بغير حق، أو استحل الربا أو نحو ذلك من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة وبإجماع سلف الأمة، فإنه كافر مرتد عن الإسلام إن كان يدعي الإسلام بإجماع أهل العلم
…
، ولا يجوز أن يعذر أحد بدعوى الجهل في ذلك؛ لأن هذه الأمور من المسائل المعلومة بين المسلمين وحكمها ظاهر في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والله ولي التوفيق"
(1)
.
وقال رحمه الله أيضًا: "الأمور التي جاء بها الإسلام وبيَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم للناس وأوضحها في كتاب الله، وانتشرت بين المسلمين، فإن دعوى الجهل بها لا تُقبَل، ولا سيما ما يتعلَّق بالعقيدة وأصل الدين، فإن الله عز وجل بعث نبيه صلى الله عليه وسلم ليوضِّح للناس دينهم ويشرحه لهم وقد بلَّغ البلاغ المبين وأوضح للأمة حقيقة دينه وشرح لها كل شيء، وتركها على البيضاء ليلها كنهارها، وفي كتاب الله الهدى والنور فإذا ادَّعى بعض الناس الجهل فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، وقد انتشر بين المسلمين، كدعوى الجهل بالشرك وعبادة غير الله عز وجل، أو دعوى أن الصلاة غير واجبة، أو أن صيام رمضان غير واجب أو الزكاة غير واجبة، أو أن الحج مع الاستطاعة غير واجب، هذا كله لا يقبل لأن هذا أمرٌ معلوم بين المسلمين، وقد عُلِم بالضرورة من دين الإسلام، وقد انتشر بين المسلمين، فلا تقبل الدعوى في ذلك، وهكذا إذا ادَّعى أنه يجهل ما يفعله المشركون عند القبور أو عند الأصنام من دعوة الأموات، والاستعانة بهم، والذبح لهم، والنذر لهم، أو الذبح للأصنام أو الكواكب أو الأشجار أو الأحجار أو طلب الشفاء أو النصر على الأعداء من الأموات، أو الأصنام أو الجن أو الملائكة أو الأنبياء، فكل هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة،
(1)
الفتاوى لابن باز ص 527. وانظر: تحفة الإخوان بأجوبة مهمة عن أركان الإسلام ص 45 - 47.