الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - مسألة:
جاء عند مسلم زيادة: "آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم
"
(1)
.
وفي أول حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر"
(2)
.
فلا يكون المسلم منافقًا بمجرد اجتماعها، قال أهل العلم: إذا اجتمعت في شخص واستحكمت فقد تجره إلى النفاق الأكبر.
قال ابن القيم: "فهذا نفاق عمل قد يجتمع مع أصل الإيمان لكن إذا استحكم وكمل فقد ينسلخ صاحبه عن الإسلام بالكلية وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، فإن الإيمان ينهى المؤمن عن هذه الخلال فإذا كملت في العبد ولم يكن له ما ينهاه عن شيء منها فهذا لا يكون إلا منافقًا خالصًا"
(3)
.
وقد قيل في ذلك أقوال أخرى.
قال النووي في شرح هذا الحديث: "هذا الحديث مما عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث أن هذه الخصال توجد في المسلم المصدق الذي ليس فيه شك، وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقا بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر ولا هو منافق يخلد في النار، فإن إخوة يوسف جمعوا هذه الخصال، وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كله، وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال، ولكن اختلف العلماء في معناه والذي قاله
(1)
أخرجه مسلم (59).
(2)
أخرجه البخاري (34)(2459)(3178)، ومسلم (58).
(3)
الصلاة ص 77.
المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار أن معناه: إن هذه خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم، فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر ولم يُرد النبي صلى الله عليه وسلم أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "كان منافقًا خالصًا" معناه: شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال. قال بعض العلماء: وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه، فأما من يندر ذلك منه فليس داخلًا فيه، فهذا هو المختار في معنى الحديث، وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي رضي الله عنه معناه عن العلماء مطلقًا فقال: "إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل
…
وحكى الخطابي رحمه الله قولًا آخر: أن معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال التي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق"
(1)
.
وقال ابن حجر بعدما نقل كلام النووي: "ومحصل هذا الجواب: الحمل في التسمية على المجاز أي صاحب هذه الخصال كالمنافق وهو بناء على المراد بالنفاق نفاق الكفر. وقد قيل في الجواب عنه أن المراد بالنفاق نفاق العمل كما قدمناه، وهذا ارتضاه القرطبي واستدل له بقول عمر لحذيفة: هل تعلم فيَّ شيئًا من النفاق فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر، وإنما أراد نفاق العمل ويؤيده وصفه بالخالص في الحديث الثاني بقوله: "كان منافقًا خالصًا".
وقيل المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال، وهذا ارتضاه الخطابي، وذكر أيضًا أنه يُحتمل أن المتصف بذلك هو من اعتاد ذلك
(1)
شرح النووي لصحيح مسلم 2/ 46 - 48.
وصار له دينًا قال: ويدل بـ (إذا) فإنها تدل على تكرر الفعل كذا قال، والأولى ما قاله الكرماني أن حذف المفعول من حدث يدل على العموم أي إذا حدث في كل شيء كذب فيه أو يصير قاصرًا أي إذا وجد ماهية التحدث كذب، وقيل: هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال وتهاون بها واستخف بأمرها، فإن من كان كذلك كان فاسد الاعتقاد غالبًا وهذه الأجوبة كلها مبنية على أن اللام في المنافق للجنس، ومنهم من ادعى أنها للعهد فقال: إنه ورد في حق شخص معين أو في حق المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفة جاءت في ذلك لو ثبت شيء منها لتعين المصير إليه وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي. والله أعلم"
(1)
.
وقال الأحوذي: "الأمر كما قال الحافظ من أن أحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي"
(2)
.
وقال الإمام البغوي: "والنفاق ضربان:
أحدهما: أن يظهر صاحبه الإيمان وهو مسر للكفر كالمنافقين على عهد رسول الله.
والثاني: ترك المحافظة على حدود أمور الدين سرًا ومراعاتها علنا فهذا يسمى منافقا ولكنه نفاق دون نفاق"
(3)
.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالإسلام يتناول من أظهر الإسلام وليس معه شيء من الإيمان وهو المنافق المحض، ويتناول من أظهر الإسلام مع التصديق المجمل في الباطن ولكن لم يفعل الواجب كله لا من هذا ولا في هذا وهم الفساق يكون في أحدهم شعبة نفاق، ويتناول من أتى بالإسلام الواجب وما يلزمه من
(1)
فتح الباري 1/ 90.
(2)
الأحوذي 7/ 321.
(3)
شرح السنة 1/ 76.
الإيمان ولم يأت بتمام الإيمان الواجب وهؤلاء ليسوا فساقًا تاركين فريضة ظاهرة ولا مرتكبين محرمًا ظاهرًا لكن تركوا من حقائق الإيمان الواجبة علمًا وعملًا بالقلب يتبعه بعض الجوارح ما كانوا به مذمومين وهذا هو النفاق الذي كان يخافه السلف على نفوسهم، فإن صاحبه قد يكون فيه شعبة نفاق"
(1)
.
وقال ابن رجب رحمه الله: "
…
والذي فسره به أهل العلم المعتبرون: أن النفاق في اللغة هو جنس الخداع والمكر وإظهار الخير وإبطان خلافه، وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: النفاق الأكبر، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، أخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار.
الثاني: النفاق الأصغر، وهو نفاق العمل، وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة، ويبطن ما يخالف ذلك.
وأصول هذا النفاق يرجع إلى الخصال المذكورة في هذه الأحاديث"
(2)
.
وقال الذهبي: "ومن النفاق الأصغر الرجل يتكلم بالكلمة لا يلقى لها بالًا، ولا يظن أنها تبلغ ما بلغت، يهوي بها في النار سبعين خريفًا. وأما النفاق الأكبر، وإن كان الرجل يعلم من نفسه أنه مسلم، فعليه أن يتعوذ بالله من النفاق والشرك، فإنه لا يدري بما يختم له، فربما أصبح مؤمنا وأمسى كافرًا، نعوذ بوجه الله الكريم من ذلك"
(3)
.
(1)
الإيمان لابن تيمية ص 409. وانظر أيضًا مجموع الفتاوى 11/ 140 - 143.
(2)
جامع العلوم والحكم ص 429، 430.
(3)
سير أعلام النبلاء 6/ 382، 383.
وقال الشيخ السعدي: "النفاق العملي - وإن كان لا يخرج من الدين بالكلية - فإنه دهليز الكفر، ومن اجتمعت فيه هذه الخصال الأربع فقد اجتمع فيه الشر، وخلصت فيه نعوت المنافقين، فإن الصدق، والقيام بالأمانات والوفاء بالعهود، والورع عن حقوق الخلق هي جماع الخير، ومن أخص أوصاف المؤمنين، فمن فقد واحدة منها فقد هدم فرضًا من فروض الإسلام والإيمان، فكيف بجميعها؟
فالكذب في الحديث يشمل الحديث عن الله والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي من كذب عليه متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [الصف: 7].
ويشمل الحديث عما يخبر به من الوقائع الكلية والجزئية، فمن كان هذا شأنه فقد شارك المنافقين في أخص صفاتهم، وهي الكذب الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:"إياكم والكذب، فإن الكذب يدعو إلى الفجور، وإن الفجور يدعو إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا" ومن كان إذا ائتمن على الأموال والحقوق والأسرار خانها، ولم يقم بأمانته، فأين إيمانه؟ وأين حقيقة إسلامه؟ وكذلك من ينكث العهود التي بينه وبين الله، والعهود التي بينه وبين الخلق متصف بصفة خبيثة من صفات المنافقين، وكذلك من لا يتورع عن أموال الخلق وحقوقهم، ويغتنم فرصها، ويخاصم فيها بالباطل ليثبت باطلًا، أو يدفع حقًّا، فهذه الصفات لا تكاد تجتمع في شخص ومعه من الإيمان ما يُجزئ أو يكفي، فإنها تنافي الإيمان أشد المنافاة.
واعلم أن من أصول السنة والجماعة: أنه قد يجتمع في العبد خصال خير وخصال شر، وخصال إيمان وخصال كفر أو نفاق، ويستحق من الثواب والعقاب بحسب ما قام به من موجبات ذلك وقد دل على هذا الأصل نصوص كثيرة من