الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأيديهم شيء، وكان الأنصار أهل الأرض والعَقار. فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم، كل عام، ويكفونهم العمل والمؤونة. وكانت أم أنس بن مالك وهي تدعى أم سليم، وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة، كان أخًا لأنس لأمه، وكانت أعطت أمُ أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم عِذاقًا لها. فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مولاته، أم أسامة بن زيد.
قال ابن شهاب: فأخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المدينة. رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم. قال: فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمي عذاقها. وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مكانهن من حائطه.
قال ابن شهاب: وكان من شأن أم أيمن، أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب. وكانت من الحبشة. فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما توفّي أبوه، فكانت أم أيمن تحضنه، حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها. ثم أنكحها زيد بن حارثة. ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر.
متفق عليه: رواه البخاري في الهبة (2630) ومسلم في الجهاد والسير (1771: 70) كلاهما من طريق ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال: فذكره. واللفظ لمسلم.
وقوله: قال ابن شهاب. هذا مرسل.
وقوله: ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر.
هذا يعارض ما أخرجه ابن سعد في طبقاته (8/ 226) بإسناد صحيح عن طارق بن شهاب قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم بكتْ أم أيمن. فقيل لها: ما يبكيك؟ قالت: أبكي على خبر السماء.
وبإسناده قال: لما قُتل عمر بكت أم أيمن. فقيل لها: فقالت: اليوم وهَى الإسلامُ. وقال الواقدي: ماتت أم أيمن في خلافة عثمان.
قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمة "أم أيمن""وجمع ابن السكن بين القولين بأن التي ذكرها الزهري هي مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن التي ذكرها طارق بن شهاب هي مولاة أم حبيبة، وأن كلا منهما كان اسمها بركة، وتكنى أم أيمن، وهو محتمل على بعده". انتهى.
17 - باب ما روي في ختان رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
روي عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه، وجعل له مأدبة وسماه محمدًا.
رواه ابن عبد البر في التمهيد (21/ 61) عن أحمد بن محمد، حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف، حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني، قال: حدثني الوليد بن مسلم، عن شعيب - يعني ابن أبي حمزة، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره.
قال ابن عبد البر: حديث مسند غريب.
قال يحيى بن أيوب: طلبت هذا الحديث فلم أجده عند أحد من أهل الحديث ممن لقيته إلا عند ابن أبي السري" انتهى قول ابن عبد البر.
قلت: فيه الوليد بن مسلم مدلس كان يدلس تدليس التسوية.
والراوي عنه محمد بن أبي السري وهو محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي مولاهم العسقلاني، المعروف بابن أبي السري مختلف فيه، فوثّقه ابن معين. وقال أبو حاتم:"لين الحديث"، وقال ابن عدي:"كثير الغلط".
فمثله لا يُقبل تفرده.
ورُوي عن العباس بن عبد المطلب قال: ولد النبي صلى الله عليه وسلم مختونًا مسرورًا. قال: وأعجب ذلك عبد المطلب، وحظي عنده وقال: ليكونن لابني هذا شأن فكان له شأن.
رواه ابن سعد في الطبقات (1/ 103) عن يونس بن عطاء المكي أخبرنا الحكم بن أبان العدني، أخبرنا عكرمة، عن ابن عباس، عن أبيه عباس بن عبد المطلب، فذكره.
وقوله: "مسرورًا": يعني مقطوع السرة.
ورواه أبو نعيم في الدلائل (1/ 192) والبيهقي في الدلائل (1/ 114) كلاهما من حديث يونس بن عطاء المكي بإسناده.
قلت: يونس بن عطاء المكي ضعيف جدًّا يروي الموضوعات ولا يجوز الاحتجاج بخبره. "الميزان"(4/ 428).
قال ابن حبان في المجروحين (1243): "يروي العجائب، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد".
وفي الباب ما روي عن أنس بن مالك مرفوعا: "من كرامتي أني ولدت مختونًا، ولم ير أحد سوأتي".
رواه الطبراني في المعجم الصغير والأوسط (مجمع البحرين 3484)، والخطيب في التاريخ (1/ 329) ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (264) كلهما من حديث سفيان بن محمد الفزاري المصيصي، قال: ثنا هشيم، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن مالك، فذكره.
قال الطبراني: "لم يروه عن يونس إلا هشيم، تفرد به سفيان الفزاري".
قال الهيثمي في "المجمع"(8/ 224): وفيه سفيان بن محمد الفزاري متهم".
قلت: وهو كما قال، فإنه ضعيف جدًّا.
قال ابن عدي: يسرق الأحاديث، ويسوي الأسانيد، وفي حديثه موضوعات.
وفيه الحسن، وهو الإمام المشهور مدلس وقد عنعن.
ورواه أبو نعيم في الحلية (3/ 24) والدلائل (1/ 191 - 192) من وجه آخر عن نوح بن محمد الأيلي قال: ثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا هشيم بن بشير، بإسناده مثله. قال أبو نعيم: "غريب من
حديث يونس، عن الحسن، لم نكتبه إلا من هذا الوجه".
قلت: وفيه نوح بن محمد الأيلي قال الذهبي في "الميزان"روى عن الحسن بن عرفة حديثًا شبه موضوع".
وقال الحافظ في "اللسان": كلهم ثقات إلا نوحًا فلم أر من وثّقه، وقد روى هذا الحديث الحافظ ضياء الدين في "المختارة" من هذا الوجه، ومقتضاه على طريقته أنه حديث حسن".
وفي الباب أحاديث أخرى أشد ضعفًا من هذا.
فقول الحاكم في المستدرك (2/ 602): "وقد تواترت الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد مختونًا مسرورًا" فيه نظر.
ولذا تعقبه الذهبي فقال: "ما أعلم صحة ذلك، فكيف متواترًا".
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 265): "وقد ادعى بعضهم صحته لما ورد له من الطرق حتى زعم بعضهم أنه متواتر وفي كله نظر".
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام - السيرة النبوية - ص 27 بعد أن ذكر حديث الوليد بن مسلم أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه .. "وهذا أصح مما رواه ابن سعد .. أنه ولد مختونًا مسرورًا".
وقد رأيت في كل من هذه الأخبار في صحتها النظر، فالذي يرجح أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه حريًّا لعادة العرب وهذا لا يحتاج إلى دليل.
وقال الحافظ ابن القيم في "تحفة المودود" ص 345: وقد جاء في بعض الروايات أن جده عبد المطلب ختنه في اليوم السابع.
قال: وهو على ما فيه: أشبه بالصواب، وأقرب للواقع.
وقال في "زاده"(1/ 81): وقد اختلف في ختانه صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ولد مختونًا مسرورًا.
ورُوي في ذلك حديث لا يصح. ذكره أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات. وليس فيه حديث ثابت. وليس هذا من خواصه، فإن كثيرًا من الناس يولد مختونًا.
والقول الثاني: أنه خُتن صلى الله عليه وسلم يوم شق قلبه الملائكة عند ظئره حليمة.
والقول الثالث: أن جده عبد المطلب ختنه يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدًا. ثم قال رحمه الله: "وقد وقعت هذه المسألة بين رجلين فاضلين صنف أحدهما مصنفًا في أنه ولد مختونًا، وأجلب فيه من الأحاديث التي لا خِطام لها ولا زِمام، وهو كمال الدين بن طلحة، فنقضه عليه كمال الدين بن العديم، وبين فيه أنه صلى الله عليه وسلم خُتِنَ على عادة العرب، وكان عموم هذه السُّنَّة للعرب قاطبة مغنيًا عن نقل معين فيها، والله أعلم".