الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسحاق، قال. حدثتني فاطمة بنت محمد امرأة عبد الله بن أبي بكر. قال ابن إسحاق: وأدخلني عليها قال: حتى تسمعه منها، عن عمرة، عن عائشة، قالت: فذكرته.
والمساحي: جمع مسحاة، وهي مجرفة من حديد. يُسَوَّى بها التراب.
ورواه أيضا محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ودفن ليلة الأربعاء.
رواه أحمد (24790) عن أسود بن عامر، قال: أخبرنا هريم، قال: حدثني محمد بن إسحاق بإسناده.
وهو موافق لما قبله وإن كان محمد بن إسحاق لم يصرح هنا بالسماع.
وهذا هو الصحيح بأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار، ودفن ليلة الأربعاء، وعلى هذا جمهور أهل السير والتاريخ، وما قيل خلاف ذلك فهو شاذ.
24 - باب دفن النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة
• عن عائشة قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتعذر في مرضه: "أين أنا اليوم، أين أنا غدا؟ " استبطاء ليوم عائشة، فلما كان يومي قبضه الله بين سَحْري ونحري ودفن في بيتي.
متفق عليه: رواه البخاري في الجنائز (1389) ومسلم في فضائل الصحابة (2443: 84) كلاهما من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته، واللفظ للبخاري. ولفظ مسلم:"ليتفقد".
وقولها: ""سَحْري": هي الرئة وما يتعلق بها، تريد أنه مات وهو مستند لصدرها ما بين جوفها وعنقها.
• عن عروة، عن عائشة قالت لعبد الله بن الزبير: ادفني مع صواحبي، ولا تدفني مع النبي صلى الله عليه وسلم في البيت، فإني أكره أن أزكى.
وقال عروة: إن عمر أرسل إلى عائشة: ائذني لي أن أدفن مع صاحبي. فقالت: إي والله.
قال: وكان الرجل إذا أرسل إليها من الصحابة قالت: لا والله، لا أوثرهم بأحد أبدا.
صحيح: رواه البخاري في الاعتصام (7327) عن عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، فذكر وصية عائشة فقط.
ثم قال البخاري عقبه (7328): وعن هشام، عن أبيه أن عمر أرسل فذكره.
وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم ينقل عن أحد من السلف أنه دفن في غير مقبرة المسلمين.
وقد استنبط أهل العلم من حديث أبي هريرة عند مسلم (780): "لا تجعلوا بيوتكم مقابر" أن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقا.
وبذلك ظهرت خصوصية دفن النبي صلى الله عليه وسلم في بيته لحكمة أرادها الله تعالى.
قال مالك رحمه الله تعالى: إنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء،
وصلى الناس عليه أفذاذا، لا يؤمّهم أحدٌ، فقال ناس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه"، فحُفِرَ له فيه، فلما كان عند غسله، أرادوا نزعَ قميصه، فسمعوا صوتا يقول: لا تنزعوا القميص، فلم ينزع القميص، وغسل وهو عليه صلى الله عليه وسلم. انتهى.
هذه رواية يحيى عن مالك، وفي رواية أبي مصعب الزهري (الجنائز 971) عن مالك قال: إنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء، وصلى الناس عليه أفذاذا، لا يؤمّهم أحدٌ، فقال ناس: يُدفن عند المنبر وقال آخرون: يُدفن بالبقيع، فجاء أبو بكر الصديق فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه"، فحفر له فيه، ثم ذكر بقية الحديث مثله.
قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (24/ 394) بعد أن ذكر الحديث بهذا اللفظ: "هذا الحديث لا أعلمه يُروى على هذا النسق بوجهٍ من الوجوه غير بلاغ مالك هذا، ولكنه صحيح من وجوه مختلفة، وأحاديث شتى جمعها مالك.
قلت: هذا هو الصحيح، فقد رُويَ هذا الحديث من أوجه كثيرة تفيد الصحة منها:
• عن عائشة قالت: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته قال: "ما قبضَ الله نبيًا إلا في الموضع الذي يُحب أن يدفن فيه".
حسن: رواه الترمذي في سننه (1018) وفي الشمائل (372) والبزار في مسنده (60)، وأبو يعلى (1/ 46) كلهم من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر، عن ابن أبي مُليكة، عن عائشة، فذكرته.
قال الترمذي: "هذا حديث غريب، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي يُضعف من قِبل حفظه، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه، فرواه ابنُ عباس عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: ابن أبي مليكة مختلف في توثيقه، وخلاصته أنه يُحسّن حديثه إذا يوجد ما يؤيّده، وهذا منه.
فقد روي أيضا عن ابن عباس كما قال الترمذي أنه قال: "لقد اختلف المسلمون في المكان الذي يحفر له، فقال قائلون: يدفن في مسجده، وقال قائلون يدفن مع أصحابه، فقال أبو بكر: إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما قبض نبيّ إلا دُفنَ حيث يُقبض".
رواه ابنُ ما جه (1628)، والبزار (18)، وأحمد (260) والبيهقي في دلائل النبوة (7/ 260) كلهم من طريق محمد بن إسحاق، عن حسين بن عبد الله الهاشمي، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره.
وفيه حسين بن عبد الله الهاشمي ضعيف. وبه أعله الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 529) فقال: "حسين بن عبد الله الهاشمي ضعيف"، وقال:"وله طريق أخرى مرسلة، ذكرها البيهقي في الدلائل".
وفيه أيضا محمد بن إسحاق، وهو مدلس إلا أنه صرح بالتحديث عند ابن ماجه وغيره.
ومنه ما رواه عبد العزيز بن عبد الله الماجشون قال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدروا أين
يقبرون النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو بكر الصديق: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لن يقبر نبي إلا حيث يموت". فأخروا فراشه، وحفروا له تحت فراشه.
رواه الإمام أحمد (27) من حديث عبد الرزاق، وهو في مصنفه (6534) قال: أخبرني ابنُ جريج قال: أخبرني أبي فذكره. ورواه إسحاق بن راهويه (1348) عن عيسى بن يونس، نا ابن جريج بإسناده نحوه.
وابن جريج هو عبد الملك، وأبوه عبد العزيز بن عبد الله الماجشون، وعبد العزيز الماجشون لم يُدرك أبا بكر الصديق.
وكذا أعلّه أيضا ابن كثير في البداية والنهاية (8/ 136).
ومنه: ما رواه أبو بكر بن عمر بن حفص عن أبي بكر قال: سمعت خليلي يقول: "ما مات نبيٌّ قط في مكان إلا دفن فيه".
رواه ابن سعد (2/ 923) عن الفضل بن دكين قال: أخبرنا عمر بن ذر قال: قال أبو بكر فذكره. وأبو بكر بن عمر بن حفص لم يلق أبا بكر الصديق.
ومنه: ما رواه القاسم بن محمد قال: كان الناس اختلفوا في دفن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من نبي يموت إلا يدفن حيث يُقبض، فخُطّوا حول فراش النبي صلى الله عليه وسلم، تم أدفنوه حيث قُبِضَ.
رواه إسحاق، أخبرنا بشر بن عمر الزهراني قال: سمعت سليمان بن بلال يحدث قال: سمعت يحيى بن سعيد، يحدّث عن القاسم بن محمد قال: فذكره. وهو مرسل.
قال ابن حجر في المطالب (17/ 544): "رواه أحمد متصل ضعيف في أثناء حديث، وأخرجه أيضا بسند معضل، وهذه الطريق المرسلة أصحّ مخرجا، وهي تعضد ذلك المتصل، وتُشعر بأن له أصلا".
قلت: وهو كما قال؛ فإن هذه الطرق باختلاف مخارجها يُقوّي بعضُها بعضًا، وقد رُويَ أيضا موقوفا، وهو ما رواه سالم بن عبيد وكان من أصحاب الصفة -، عن أبي بكر في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم، ووفاته، والصلاة عليه، وفيه قالوا: يا صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، هل يدفن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قالوا: وأين يدفن؟ قال: في المكان الذي قبَض الله فيه روحَه؛ فإن الله لم يقبضْ روحَه إلا في مكانٍ طيبٍ.
رواه الترمذي في الشمائل (379)، والنسائي في الكبرى (1/ 395)، والبيهقي في دلائل النبوة (7/ 259) كلهم من حديث سلمة بن نبيط، عن أبيه نبيط بن شريط الأشجعي، عن سالم بن عبيد فذكره.
قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح لكنه موقوف.
قلت: وهو كما قال، ولكن له حكم الرفع.
قلت: وكذلك رواه عروة وغيره، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهذه الأسانيد كلها صحيحة، ولم
يخالف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول أبي بكر، فصار كالإجماع، ويعد هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه دُفِنَ في البيت الذي مات فيه، ولا يجوز لأحد أن ينكر وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ليس في الأرض قبر نبي معلوم بالتواتر والإجماع إلا قبر نبينا صلى الله عليه وسلم. مجموع الفتاوى (27/ 254).
وفيه صيانة لقبره صلى الله عليه وسلم من أن يتخذ مسجدًا، كما ورد التحذير في حديث عائشة عند البخاري في صحيحه (1390) ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خُشي أن يتخذ مسجدا. أي لو دُفِنَ في مقابر المسلمين العامة.
قوله: "خُشِيَ أو خَشِي" - بالضم - أي أن الصحابة هم الذين خافوا أن يقع ذلك من بعض الناس، - وبالفتح - أي أن النبي صلى الله عليه وسلم خاف أن يتخذ قبره مسجدًا.
وبهذا تحقق دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء عن أبي هريرة "اللَّهم لا تجعلْ قبري وثنًا، لعنَ الله قومًا اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ" رواه الإمام أحمد (7358) وابنُ سعد (2/ 241، 242) وغيرهما من حديث سفيان عن حمزة بن المغيرة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، فذكره.
وإسناده حسن من أجل حمزة بن المغيرة فإنه حسن الحديث.
ورَوى الحاكم في المستدرك (3/ 60) من حديث الحميدي، ثنا سفيان قال: سمعتُ يحيى بن سعيد يحدث عن سعيد بن المسيب قال: قالت عائشة: رأيتُ كأنّ ثلاثة أقمار سقطت في حُجْرتي فسألتُ أبا بكر فقال: يا عائشة إن تصدُقْ رؤياك يُدفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة، فلما قبض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ودُفن، قال لي أبو بكر: يا عائشة هذا خير أقمارك، وهو أحدها.
وأخرجه أيضًا البيهقي في الدلائل (7/ 262) من وجه آخر عن سفيان. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ثم قال الحاكم: وقد كتبناه من حديث أنس بن مالك مسندًا، ثم أخرجه من طريق موسى بن عبد الله السلمي، عن عمر بن حماد بن سعيد الأبَحّ، عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعجبه الرؤيا .. " فذكرتْ عائشةُ رؤياها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل قول أبي بكر.
ولكن قال الذهبي: عمر بن سعيد بن حماد الأبَحّ أحد الضعفاء، تمرّد به عنه موسى بن عبد الله السلمي، لا أدري مَن هو؟ .
ورَوى الإمام أحمد (25660) ومن طريقه الحاكم وصحّحه، فقال: ثنا حماد بن أسامة، أنبأنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كنتُ أدخلُ بيتي الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني واضعٌ ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دُفن عمر معهم، فوالله ما دخلتُ إلا وأنا مشدودةٌ عليّ ثيابي، حياءً من عمر" أي أن عائشة رضي الله عنها بعد دفن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم تكن تدخل حجرتها إلا في حجابها، حتى أقامتْ جدارا بينها وبين القبور كما سيأتي في أخبارها، ثم بعد