الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - الفتح بعد الهزيمة
• عن عباس بن عبد المطلب قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلمّا التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أي عباس! ناد أصحاب السمرة". فقال عباس: وكان رجلًا صيتًا فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فو الله لكأن عطفتهم، حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها. فقالوا يا لبيك يا لبيك - قال: - فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار، يقولون: يا معشر الأنصار! يا معشر الأنصار! قال: ثمّ قصرت الدعوة علي بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! . فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا حين حمي الوطيس". قال: ثمّ أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثمّ قال: "انهزموا ورب محمد" قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، - قال: - فوالله! ما هو إِلَّا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرًا.
صحيح: رواه مسلم في الجهاد والسير (76: 1775) عن أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: حَدَّثَنِي كثير بن عباس بن عبد المطلب قال: قال عباس فذكره.
وقوله: أصحاب السمرة، هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان.
وقال مسلم: وحدثناه إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد جميعًا عن عبد الرزّاق، أخبرنا معمر، عن الزهري بهذا الإسناد نحوه غير أنه قال: فروة بن نعامة الجذامي، وقال: انهزموا ورب الكعبة، انهزموا ورب الكعبة، وزاد في الحديث: حتَّى هزمهم الله قال: وكأني أنظر إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته.
قوله: على بغلة له بيضاء وفي رواية: على بغلته الشهباء، وهي واحدة.
قال العلماء: لا يعرف له بغلة سواها وهي التي يقال لها: دلدل.
قوله: "فما زلت أرى حدهم كليلًا" أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة.
قوله: "أهداها له فروة بن نفاثة" وفي رواية: "فروة بن نعامة" قال النوويّ: الصَّحيح المعروف الأوّل.
وقوله: "أصحاب السمرة" هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان.
• عن كثير بن عباس قال: كان عباس وأبو سفيان معه - يعني النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: خطبهم وقال: "الآن حمي الوطيس" وقال: "ناد: يا أصحاب سورة البقرة".
صحيح: رواه أحمد (1772) عن سفيان قال: سمعت الزهري مرة أو مرتين - فلم أحفظه عن كثير بن عباس فذكره.
وصورته إرسال، فإن كثير بن عباس لم يحضر المشهد ولكن رواه مسلم عن ابن أبي عمر، حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة، عن الزّهري، قال: أخبرني كثير بن عباس، عن أبيه قال: كنت مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يوم حنين قال مسلم: وساق الحديث غير أن حديث يونس وحديث معمر أكثر منه وأتم.
• عن سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا، فلمّا واجهنا العدو تقدمت، فأعلو ثنية. فاستقبلني رجل من العدو، فأرميه بسهم فتوارى عني، فما دريت ما صنع ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وصحابة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فولى صحابة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأرجع منهزما وعليّ بردتان، متزرا بإحداهما، مرتديا بالأخرى، فاستطلق إزاري، فجمعتهما جميعًا ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما، وهو على بغلته الشهباء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد رأى ابن الأكوع فزعا". فلمّا غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثمّ قبض قبضة من تراب من الأرض، ثمّ استقبل به وجوههم، فقال:"شاهت الوجوه". فما خلق الله منهم إنسانًا إِلَّا ملأ عينيه ترابًا، بتلك القبضة. فولوا مدبرين فهزمهم الله عز وجل وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين.
صحيح: رواه مسلم في الجهاد والسير (81: 1777) عن زهير بن حرب، حَدَّثَنَا عمر بن يونس الحنفي، حَدَّثَنَا عكرمة بن عمار، حَدَّثَنِي إياس بن سلمة، حَدَّثَنِي أبي، قال: فذكره.
قوله: "ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزمًا": هذا حال من ابن الأكوع. كما صرّح أولًا بانهزامه، ولم يرد أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم انهزم. ولم ينقل أحد من الصّحابة قطّ أنه انهزم النَّبِي صلى الله عليه وسلم في موطن من المواطن، وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد انهزامه، ولا يجوز ذلك عليه.
• عن ابن شهاب قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح، فتح مكة، ثمّ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحنين، فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم، ثمّ مائة، ثمّ مائة.
قال ابن شهاب: حَدَّثَنِي سعيد بن المسيب؛ أن صفوان قال: والله! لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم -
ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتَّى إنه لأحب الناس إلي.
صحيح: رواه مسلم في الفضائل (59: 2313) عن أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح، أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: فذكره.
والجزء الأوّل من الحديث مرسل لكن آخره مسند من حديث صفوان بن أمية رضي الله عنه.
• عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم حنين انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا العباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن ينادي: يا أصحاب سورة البقرة! يا معشر الأنصار! ثمّ استحث النداء في بني الحارث بن الخزرج، فلمّا سمعوا النداء أقبلوا، فوالله ما شبهتهم إِلَّا الإبل تحن إلى أولادها، فلمّا التقوا التحم القتال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الآن حمي الوطيس" وأخذ صلى الله عليه وسلم كفا من حصى أبيض، فرمى بها، وقال:"هُزموا ورب الكعبة" وكان عليّ بن أبي طالب يومئذ أشد الناس قتالا بين يديه.
حسن: رواه أبو يعلى (3606) عن محمد بن أبي بكر، حَدَّثَنَا عمرو بن عاصم، حَدَّثَنَا أبو العوّام، عن معمر، عن الزّهري، عن أنس قال: فذكره.
وإسناده حسن من أجل أبي العوّام - واسمه عمران بن داور - بفتح الواو وبعدها راء - مختلف فيه غير أنه حسن الحديث إذا لم يخالف.
• عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: "جزوهم جزًّا" وأومأ بيده إلى الحلق.
حسن: رواه البزّار - كشف الأستار (1830) عن الوليد بن عمر بن سكين - ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى، عن أبيه، عن ثمامة، عن أنس فذكره.
وإسناده حسن من أجل الكلام في عبد الله بن المثنى والد محمد - وهو عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري مختلف فيه غير أنه حسن الحديث.
وقال الهيثميّ في "المجمع"(6/ 181): ورجاله ثقات.
وفي الباب ما رُوي عن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِهْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ حُنينٍ، فَسِرْنَا فِي يَوْمٍ قَائِظٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَنَزَلْنَا تَحْتَ ظِلالِ الشَّجَرِ، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ لَبِسْتُ لأْمَتِي، وَرَكِبْتُ فَرَسِي، فَانْطَلَقْتُ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي فُسْطَاطِهِ، فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَانَ الرَّوَاحُ؟ فَقَالَ:"أجل" فقَالَ: "يَا بِلالُ" فَثَارَ مِنْ تَحْتِ سَمُرَةٍ كَأَنَّ ظِلَّهُ ظِلُّ طَائِرٍ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَأَنَا فِدَاؤُكَ، فقَالَ:"أَسْرِجْ لِي فَرَسِي"، فأخْرَجَ سَرْجًا دَفَّتَاهُ مِنْ لِيفٍ لَيْسَ فِيهَا أَشَرٌّ وَلا بَطَرٌ، قَالَ: فَأَسْرَجَ. قال: فرَكِبَ وَرَكِبْنا فَصَاففناهُمْ عَشِيّتنَا وَلَيْلَتَنَا فَتَشَامَّتِ الْخَيْلانِ، فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا عِبَادَ اللَّهِ! أَنَا عَبْدُ
اللَّهِ وَرَسُولُهُ"، ثُمَّ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ! أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"، ثمّ قَالَ: ثُمَّ اقْتَحَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسِهِ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ، فَأَخْبَرَنِي الَّذِي كَانَ أَدْنَى إِلَيْهِ مِنِّي: ضَرَبَ به وُجُوهَهُمْ وَقَالَ: "شَاهَتِ الْوجُوهُ"، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ.
قَالَ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ: فَحَدَّثني أَبْناؤُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمْ يَبْقَ مِنَّا أَحَدٌ إِلا امْتَلأَتْ عَيْنَاهُ وَفَمُهُ تُرَابًا وَسَمِعْنَا صَلْصَلَةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ كَإِمْرَارِ الْحَدِيدِ عَلَى الطَّسْتِ الْحَدِيدِ.
رواه أحمد (22468، 22467) واللّفظ له، وأبو داود (5233) والدارمي (4252) مختصرًا - كلّهم من حديث حمّاد بن سلمة، أخبرنا يعلى بن عطاء، عن أبي همّام عبد الله بن يسار، عن أبي عبد الرحمن الفهري قال: فذكره.
قال أبو داود: أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إِلَّا هذا الحديث، وهو حديث نبيل جاء به حمّاد بن سلمة.
قلت: ولكن في إسناده أبو همام عبد الله بن يسار، قال فيه عليّ بن المديني: هو شيخ مجهول، وكذا قال أبو جعفر الطبريّ.
وأمّا ابن حبَّان فذكره في الثّقات.
كما أن في متنه نكارة، وهي ذكر الفرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الأحاديث الصحيحة كان على بغلة بيضاء يركض قبل الكفار، وكان عباس آخذ بلجام البغلة، إِلَّا أن يقصد بالفرس البغلة لأن البغلة من نسل الفرس والحمار.
وفي الباب ما رُوي عن يزيد بن عامر السوائي، وكان شهد حنينا مع المشركين، ثمّ أسلم، فنحن نسأل عن الرعب الذي ألقى الله عز وجل في قلوب المشركين يوم حنين كيف كان؟ قال: كان يأخذ لنا الحصاة فيرمي بها الطشت، فيظن قال: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا.
وفي لفظ قال: عند انكشافة انكشفها المسلمون يوم حنين، فتبعهم الكفار، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من الأرض، ثمّ أقبل بها على المشركين، فرمى بها في وجوههم فقال:"ارجعوا شاهت الوجوه" قال: فما من أحد يلقى أخاه إِلَّا وهو يشكو القذى، أو يمسح عينيه.
رواه عبد بن حميد (440، 439) والطَّبرانيّ في الكبير (22/ 237) والبيهقي في الدلائل (5/ 114) كلّهم من حديث سعيد بن السائب الطائفي، حدثني أبي: السائب بن يسار، قال: سمعت يزيد بن عامر السوائي، وكان شهد حنينًا، فذكره وفيه السائب بن يسار ذكره البخاريّ في التاريخ الكبير ولم يقل فيه شيئًا. وذكره ابن حبَّان في تقاته وقال: يُروي عن يزيد المراسيل، ولم أقف على توثيق أحد، وأمّا قول الهيثميّ في "المجمع" (6/ 183):"رجاله ثقات" فهو اعتمادًا على توثيق ابن حبَّان.
وقد رُوي عن أنس بن مالك قال: التقى يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة، واشتد القتال، فولوا مدبرين فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فقال:"يا معشر المسلمين أنا رسول الله" فقالوا: إليك، والله