الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - حكم سعد بن معاذ في بني قريظة
• عن أبي سعيد قال: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتى على حمار، فلمّا دنا من المسجد قال للأنصار:"قوموا إلى سيدكم أو خيركم" فقال: "هؤلاء نزلوا على حكمك"، فقال: تَقتل مقاتلتهم، وتَسبِي ذراريهم، قال:"قضيتَ بحكم الله، وربما قال: بحكم الملك".
متفق عليه: رواه البخاريّ في المغازي (4121) ومسلم في الجهاد والسير (64: 1768) كلاهما عن محمد بن بشار، حَدَّثَنَا غندر (هو محمد بن جعفر) حَدَّثَنَا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت أبا أمامة قال: سمعت أبا سعيد الخدريّ قال: فذكره.
وأمّا ما رواه الحاكم (2/ 123 - 124) وعنه البيهقيّ في الكبرى (9/ 63) من حديث محمد بن صالح التمار المديني، عن سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد بن أبي وقَّاص، أن سعد بن معاذ حكم على بني قريظة فذكر الحديث.
وجاء فيه: "لقد حكم اليوم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق السماوات" فهو معلول، فإن محمد بن صالح التمار خالف شعبة بن الحجاج الإمام المعروف، ولا تقبل مخالفته، أشار إليه أبو حاتم في العلل (971) والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 291) والدراقطني في العلل (573).
• عن عائشة قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش، يقال له حبَّان بن العرقة، رماه في الأكحل، فضرب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلمّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: وضعت السلاح، والله ما وضعته، اخرج إليهم. قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"فأين". فأشار إلى بني قريظة، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكمه، فرد الحكم إلى سعد، قال: فإني أحكم فيهم: أن تُقتل المقاتلة، وأن تُسبى النساء والذرية، وأن تُقسم أموالهم.
قال هشام: فأخبرني أبي، عن عائشة: أن سعدًا قال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك، من قوم كذبوا رسولك صلى الله عليه وسلم وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له، حتَّى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها، فانفجرت من لبته، فلم يرعهم، وفي المسجد خيمة من بني غفار، إِلَّا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة! ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه
دمًا، فمات رضي الله عنه.
متفق عليه: رواه البخاري في المغازي (4122) ومسلم في الجهاد والسير (65: 1769) كلاهما من طريق عبد الله بن نمير، حَدَّثَنَا هشام، عن أبيه، عن عائشة فذكرته.
وزاد مسلم قول عروة: فأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل".
وزاد مسلم أيضًا (68: 1769) من طريق آخر عن هشام بن عروة بهذا الإسناد فانفجر من ليلته فما زال يسيل حتَّى مات.
وزاد في الحديث قال: فذاك حين يقول الشاعر:
ألا يا سعد سعد بني معاذ
…
فما فعلت قريظة والنضير
لعمرك إن سعد بني معاذ
…
غداة تحملوا لهو الصبور
تركتم قِدركم لا شيء فيها
…
وقِدر القوم حامية تفور
وقد قال الكريم أبو حُباب
…
أقيموا قينُقاع ولا تسيروا
وقد كانوا ببلدتهم ثقالًا
…
كما ثقلت بميطان الصخور
وقوله: "تركتم قدركم" أراد به الأوس لقلة حلفائهم، فإن حلفاءهم قريظة وقد قتلوا.
وقوله: "قدر القوم" الخزرج لشفاعتهم في حلفائهم بني قينقاع حتَّى منّ عليهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وتركهم لعبد الله بن أبي ابن سلول. وهو أبو حباب المذكور في البيت الأخير.
وقوله: "ثقالا" هم بنو قريظة.
وقوله: "كما ثقلت بميطان الصخور" ميطان - اسم جبل من أرض الحجاز في ديار بني مزينة، إنّما قصد هذا الشاعر تحريض سعد على استبقاء بني قريظة حلفائه. ويلومه على حكمه فيهم، ويذكره بفعل عبد الله بن أبي، ويمدحه بشفاعته في حلفائهم بني قينقاع.
• عن عائشة قالت: خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس قالت: فسمعت وئيد الأرض ورائي يعني - حس الأرض - قالت: فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس، يحمل مِجَنّه قالت: فجلست إلى الأرض، فمر سعد وعليه درع من حديد، قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد قالت: وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم. قالت: فمر وهو يرتجز ويقول:
لبث قليلًا يدرك الهيجا حمل
…
ما أحسن الموت إذا حان الأجل
قالت: فقمت، فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيهم عمر بن
الخطّاب وفيهم رجل عليه تسبغة له - يعني مغفرًا - فقال عمر: ما جاء بك؟ ! لعمري والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون بلاء، أو يكون تحوز؟ قالت: فما زال يلومني حتَّى تمنيت أن الأرض انشقت لي ساعتئذ، فدخلت فيها، قالت: فرفع الرّجل التسبغة عن وجهه، فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: يا عمر! إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوز أو الفرار إِلَّا إلى الله عز وجل؟ !
قالت: ويرمي سعدًا رجل من المشركين من قريش - يقال له: ابن العرقة - بسهم له، فقال له: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله، فقطعه، فدعا الله عز وجل سعد، فقال: اللهم لا تمتني حتَّى تقر عيني من قريظة. قالت: وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهليّة.
قالت: فرقأ كلمه، وبعث الله عز وجل الريح على المشركين، فكفى الله عز وجل المؤمنين القتال، وكان الله قويًا عزيزًا، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة، فتحصنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فوضع السلاح، وأمر بقبة من أدم، فضربت على سعد في المسجد.
قالت: فجاء جبريل عليه السلام، وإن على ثناياه لنقع الغبار فقال: أقد وضعت السلاح؟ والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم، قالت: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر على بني غنم، وهم جيران المسجد حوله، فقال:"من مر بكم؟ " قالوا: مر بنا دحية الكلبي، وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنة وجهه جبريل عليه السلام.
فقالت: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسًا وعشرين ليلة، فلمّا اشتد حصرهم واشتد البلاء، قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر، فأشار إليهم أنه الذبح قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انزلوا على حكم سعد بن معاذ" فنزلوا وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ، فأتي به على حمار عليه إكاف من ليف، قد حمل عليه، وحف به قومه، فقالوا: يا أبا عمرو! حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت. قالت: لا يُرجِع إليهم شيئًا، ولا يلتفت إليهم حتَّى إذا دنا من دورهم، التفت إلى قومه، فقال: قد أنى لي أن لا أبالي في الله لومة لائم.
قال: قال أبو سعيد: فلمّا طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قوموا إلى سيدكم فأنزلوه" فقال عمر: سيدنا الله عز وجل. قال: أنزلوه، فأنزلوه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حكم فيهم" قال سعد: فإني أحكم فيهم، أن تُقتل مقاتلتهم، وتُسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم - وقال يزيد ببغداد: ويقسم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت بحكم الله عز وجل وحكم رسوله".
قالت: ثمّ دعا سعد قال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك صلى الله عليه وسلم من حرب قريش شيئًا، فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم، فاقبضني إليك. قالت: فانفجر كلمه، وكان قد برئ حتَّى ما يرى منه إِلَّا مثل الخرص، ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت عائشة: فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر. قالت: فوالذي نفس محمد بيده! إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر، وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله عز وجل:{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] قال علقمة: قلت: أي أمه! فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد، ولكنه كان إذا وجد، فإنما هو آخذ بلحيته.
حسن: رواه أحمد (25097) وابن سعد (3/ 421) وابن حبَّان (7028) كلّهم من حديث يزيد، قال: أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده علقمة بن وقَّاص، قال: أخبرتني عائشة فذكرته.
فيه عمرو بن علقمة لم يوثّقه أحد، وذكره ابن حبَّان في "الثّقات" على قاعدته ولذا قال الحافظ في التقريب:"مقبول" أي عند المتابعة، وبعض فقراته صحيح ثابت في الصحيحين وغيرهما. كما أن لبعض فقراته متابعة ذكرت في مواضعها، ولذا حسّنه الحافظ في الفتح (11/ 51).
• عن جابر قال: رُمِيَ سعدُ بن معاذ في أكحله، فحسمه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص، ثمّ وَرِمَتْ، فحسمه الثانية.
صحيح: رواه مسلم في السّلام (2208: 75) من طرق عن أبي خيثمة زهير بن حرب، حَدَّثَنَا أبو الزُّبير، عن جابر فذكره.
وتفصيله في الحديث الآتي:
• عن جابر أنه قال: رُمِيَ يومَ الأحزاب سعدُ بن معاذ فقطعوا أكحله - أو أبجله - فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار، فانتفخت يده، فتركه فنزفه الدم، فحسمه أخرى فانتفخت يده، فلمّا رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي حتَّى تقر عيني من بني قريظة، فاستمسك عرقه، فما قطر قطرة، حتَّى نزلوا على حكم سعد بن معاذ. فأرسل إليه،