الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإقشعريرة، فأقبلتُ نحوه، وخشيتُ أن يكون بيني وبينه محاولةٌ تشغلُني عن الصلاة، فصليتُ وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي الركوع والسجود، فلمَّا انتهيتُ إليه، قال: من الرجل؟ قلتُ: رجلٌ من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل، فجاءك لهذا. قال: أجل أنا في ذلك. قال: فمشيتُ معه شيئًا، حتَّى إذا أمكَنَني حَمَلْتُ عليه السيف حتَّى قتلتُه، ثم خرجتُ، وتركت ظعائنَه مُكِبّاتٍ عليه، فلمَّا قدِمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني، فقال:"أَفْلَحَ الوَجْهُ"، قال: قلتُ: قتلتُه يا رسول الله. قال: "صدَقْتَ" قال: ثم قام معي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فدخل بي بيته، فأعطاني عصًا، فقال:"أمْسِكْ هذِهِ عِنْدَكَ، يا عبد الله بن أُنَيْس"، قال: فخرجتُ بها على الناس، فقالوا: ما هذا العصا؟ قال: قلتُ: أعطانيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأمرني أن أمسكها، قالوا: أوَ لا ترجِعُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسألَه عن ذلك؟ قال: فرجعتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ الله، لم أعطَيْتَني هذه العصا؟ قال:"آيَة بيني وبَيْنِكَ يومَ القِيَامَةِ، إنَّ أقَلَّ النَّاس المُتَخَصِّرُونَ يومئذٍ" قال: فقَرَنها عبد الله بسيفه، فلم تزل معه حتى إذا مات أمر بها فصُبَّتْ معه في كفنه، ثم دُفنا جمعًا.
حسن: رواه أحمد (16047)، وأبو يعلى (905)، وصحّحه ابن خزيمة (983)، وابن حبان (7160) كلهم من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه فذكره.
ابن عبد الله بن أنيس اسمه: عبد الله بن عبد الله بن أنيس ترجم له البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في ثقاته، وهو لم ينفرد به في أصل القصة فقد تابعه غير واحد.
وقد حسّن إسناده أيضًا ابن حجر في الفتح (2/ 437).
وقد ذكرناه في كتاب الصلاة، باب صلاة الطالب والمطلوب.
وقد رُوي هذا الخبر عن عبادة بن الصامت ولا يصح.
4 - باب استشهاد القراء في بئر معونة في صفر سنة أربع
قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد.
قال ابن إسحاق: حدثني أبي إسحاق بن يسار، عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيره من أهل العلم قالوا: قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنّة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، ودعاه إليه، فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام وقال: يا محمد! لو بعثت رجالا من
أصحابك إلى أهل نجد، فدعوهم إلى أمرك، رجوت أن يستجيبوا لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني أخشى عليهم أهل نجد" قال أبو براء: أنا لهم جار، فابعثهم فليدعو الناس إلى أمرك.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين.
سيرة ابن هشام (2/ 183 - 184) وهو مرسل.
رواه أيضًا عبد الرزاق (9741) عن معمر، عن الزهري، قال: أخبرني ابن كعب بن مالك فذكر نحوه وهو مرسل أيضًا.
قول ابن إسحاق: أربعين رجلا وهم، والصحيح سبعين رجلا كما في الصحيحين. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو منهم: الحارث بن الصمة، وحرام بن ملحان خال أنس بن مالك، وعامر بن فهيرة مولى الصديق فساروا حتى نزلوا بئر معونة، فبعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في الكتاب، وأوعز إلى رجل فأنفذه بالرمح من خلفه فقال حرام: فزت ورب الكعبة.
ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه، وقالوا: لن نخفر أبا براء، وقد عقد لهم عقدًا وجوارًا، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم - عصية ورعل وذكوان فأجابوه إلى ذلك، فخرجوا حتى غشوا القوم، فأحاطوا بهم في رحالهم. فلما رأوهم أخذوا سيوفهم، ثم قاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق، فارتثّ من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدًا.
إلا عمرو بن أمية الضمري، والمنذر بن محمد بن عقبة، فقد كانا في سرح القوم فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم حول العسكر، فقالا: والله إن لهذا الطير لشأنا، فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتها وأقفة، فقال المنذر لعمرو: ما ترى؟ فقال: أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر، فقال المنذر بن محمد: لكني لا أرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لأخبر عنه الرجال.
وقاتل القوم حتى قتل رضي الله عنه شهيد البطولة والوفاء، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرًا، فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل بعد أن جزّ ناصيته، وأعتقه عن رقبة كانت عن أمة فيما زعم، فخرج عمرو قاصدًا المدينة، فلقي رجلين من بني عامر، وكان معهما عهد من الرسول وهو لا يعلم، فأمهلهما حتى ناما فقتلهما، وهو يرى أنه أصاب بهذا ثأرًا من بني عامر، فلما قدم عمرو وأخبر الرسول بقصتهما قال:"لقد قتلتَ قتيلين لأدينهما".
ثم قال: "هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارهًا متخوفًا" فبلغ ذلك أبا براء، فشق عليه إخفار ابن أخيه عامر إياه، فذهب ابنه ربيعة إلى عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح انتقامًا منه على فِعلته النكراء، فجرح ولكنه لم يمت، ثم وفد على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قاصدًا الغدر به فمنعه الله منه، وقد دعا
عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم اكفني عامرًا" فأصابه الله بغدة في بيت امرأة من بني سلول، فكان يقول: غدة كغدة البعير في بيت امرأة سلولية، ثم ركب فرسه، فمات على ظهره بالعراء، تطعم منه الطيور والسباع.
وكان وصول خبر سرية الرجيع وبئر معونة في يوم واحد، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون حزنًا شديدًا لم يخفف منه إلا أنهم شهداء عند ربهم يرزقون، ولقد بلغ حزن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مكث شهرًا يدعو في صلاة الصبح على رعل وذكوان وعصية الذين غدروا بالقراء.
هذه خلاصة ما ذكر في يوم بئر معونة، وإليكم تفصيل ما جاء في الصحيحين وغيرهما:
• عن أنس بن مالك قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا لحاجة يقال لهم: القراء. فعرض لهم حيّان من بني سليم - رعل وذكوان - عند بئر يقال له: بئر معونة، فقال القوم: والله ما إياكم أردنا إنما نحن مجتازون في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم فقتلوهم. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم شهرًا في صلاة الغداة وذلك بدء القنوت، وما كنا نقنت.
متفق عليه: رواه البخاري في المغازي (4088) عن أبي معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز، عن أنس فذكره.
وقوله: لحاجة - وهي التعليم كما جاء التصريح به في رواية مسلم في كتاب الإمارة (147: 677) رواه عن محمد بن حاتم حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا ثابت عن أنس بن مالك قال: جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة. فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم: القراء، فيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن، ويتدارسون بالليل يتعلمون. وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا: اللهم بلّغ عنا نبينا أن قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا.
قال: وأتى رجل حرامًا خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا".
• عن أنس بن مالك أن رعلًا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو، فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار، ويصلون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقنت شهرًا يدعو في الصبح على أحياء العرب: على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، قال أنس: فقرأنا عليهم قرآنا، ثم إن ذلك رفع: بلّغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا
فرضي عنا وأرضانا.
وعن قتادة عن أنس بن مالك حدثه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا في صلاة الصبح يدعو على أحياء العرب: على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان.
صحيح: رواه البخاري في المغازي (4090) عن عبد الأعلى بن حماد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك فذكره.
وقوله: استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو: يظهر منه أنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم طلبا للنجدة على عدوهم، وهو يخالف السياق السابق. فيمكن الجمع بين السياقين أنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه الأمرين، التعليم ثم النجدة فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم سبعين قراء للتعليم والنجدة معًا.
• عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله - أخًا لأم سليم - في سبعين راكبًا، وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل، خير بين ثلاث خصال: فقال: يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، أو أكون خليفتك، أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف؟ فطعن عامر في بيت أم فلان، فقال: غدة كغدة البكر، في بيت امرأة من آل فلان، ائتوني بفرسي، فمات على ظهر فرسه، فانطلق حرام أخو أم سليم، وهو رجل أعرج، ورجل من بني فلان، قال: كونا قريبًا حتى آتيهم فإن آمنوني كنتم، وإن قتلوني أتيتم أصحابكم، فقال: أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يحدثهم، وأومؤوا إلى رجل، فأتاه من خلفه فطعنه، - قال همام أحسبه - حتى أنفذه بالرمح، قال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة، فلحق الرجل، فقتلوا كلهم غير الأعرج، كان في رأس جبل، فأنزل الله علينا، ثم كان من المنسوخ: إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ثلاثين صباحًا، على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية. الذين عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
صحيح: رواه البخاري (4091) عن موسى بن إسماعيل، حدثنا همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: حدثني أنس فذكره.
وقوله: فانطلق حرام أخو أم سليم - وهو رجل أعرج فصار الأعرج صفة لحرام وهو ليس بصحيح، بل الأعرج رجل غيره. فالذي يظهر كما يقول ابن حجر: أن الواو في قوله وهو قدمت سهوًا من الكاتب والصواب تأخيرها فيكون الكلام الصحيح: فانطلق هو، ورجل أعرج. واسمه كعب بن زيد بن دينار بن النجار.
واسم حرام هو ابن ملحان.
• عن أنس بن مالك يقول: لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله يوم بئر معونة قال
بالدم هكذا. فنضحه على وجهه ورأسه ثم قال: فزت ورب الكعبة.
متفق عليه: رواه البخاري في المغازي (4092) عن حبان، حدثنا عبد الله، أخبرني معمر، حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس، أنه سمع أنس بن مالك فذكره.
• عن عائشة قالت: استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر في الخروج حين اشتد عليه الأذى، فقال له:"أقم" قال: يا رسول الله! أتطمع أن يؤذن لك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إني لأرجو ذلك" قالت: فانتظره أبو بكر، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ظهرًا، فناداه فقال:"أخرج من عندك" فقال أبو بكر: إنما هما ابنتاي فقال: "أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج" فقال: يا رسول الله! الصحبة! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصحبة" قال: يا رسول الله! عندي ناقتان، قد كنمت أعددتهما للخروج، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم إحداهما - وهي الجدعاء - فركبا، فانطلقا حتى أتيا الغار - وهو بثور - فتواريا فيه، فكان عامر بن فهيرة غلامًا لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها، وكانت لأبي بكر منحة، فكان يروح بها ويغدو عليهم ويصبح، فيدلج إليهما ثم يسرح، فلا يفطن به أحد من الرعاء، فلما خرج خرج معهما يعقبانه حتى قدما المدينة، فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة.
وعن أبي أسامة قال: قال هشام بن عروة: فأخبرني أبي قال: لما قتل الذين ببئر معونة، وأسر عمرو بن أمية الضمري، قال له عامر بن الطفيل: من هذا؟ فأشار إلى قتيل، فقال له عمرو بن أمية: هذا عامر بن فهيرة، فقال: لقد رأيته بعدما قتل رفع إلى السماء، حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض، ثم وضع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم فنعاهم، فقال:"إن أصحابكم قد أصيبوا، وإنهم قد سألوا ربهم، فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك ورضيت عنا، فأخبرهم عنهم" وأصيب يومئذ فيهم عروة بن أسماء بن الصلت فسمي عروة به، ومنذر بن عمرو سمي به منذرًا.
صحيح: رواه البخاري (4093) عن عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة فذكرته.
وقوله: وعن أبي أسامة قال: قال هشام بن عروة، فأخبرني أبي قال
…
هكذا ذكره مرسلًا عن عروة بن الزبير ولكن إدراج هذا المرسل في قصة الهجرة الموصولة عن عائشة يشير إلى أنها موصولة أيضًا بذكر عائشة.
• عن أنس بن مالك قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا - يعني أصحابه - ببئر معونة ثلاثين صباحًا، حين يدعو على رعل ولحيان:"وعصية عصت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم"