الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
29 - باب ما جاء في الإسراء والمعراج
قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء: 1].
قال الزهري: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة، هكذا ذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب وهو قول عروة أيضًا، الدلائل للبيهقي (2/ 354 - 355) هذا هو الصحيح ومنهم من حدد أنه ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول قبل الهجرة. وكان الإسراء والمعراج في ليلة واحدة ومرة واحدة بالروح والجسد يقظة لا منامًا على رأي جمهور العلماء.
قال القرطبي: "عليه يدل ظاهر الكتاب، وصحيح الأخبار، ومبادرة قريش لإنكار ذلك وتكذيبه، ولو كان منامًا لما أنكروه، ولما افتتن به من افتتن، إذ كثيرًا ما يُرى في المنام أمور عجيبة وأهوال هائلة. فلا يستبعد ذلك في النوم، وإنما يستبعد في اليقظة" المفهم (1/ 385).
• عن أبي ذر كان يحدِّث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فُرِجَ سقفُ بيتي وأنا بمكة فنزل جبريلُ صلى الله عليه وسلم، فَفَرَجَ صَدْري. ثم غَسَلَهُ من ماء زمزم. ثُم جاء بِطَسْتٍ من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانًا فأفرغَها في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فَعَرَج بي إلى السّماء، فلمّا جِئْنا السّماء الدُّنيا قال جبريلُ عليه السلام لخازن السّماء الدّنيا: افتح. قال: مَنْ هذا؟ قال: هذا جبريل. قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم، قال: فأُرسل إليه؟ قال: نعم، ففتح. قال: فلما علونا السّماء الدنيا، فإذا رجل عن يمينه أَسْوِدَة وعن يساره أَسْوِدَة، قال: فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى. قال: فقال مرحبًا بالنّبي الصّالح والابن الصّالح. قال: قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا آدم عليه السلام وهذه الأَسْوِدَةُ عن يمينه وعن شماله نَسَمُ بنيه، فأهل اليمين أهل الجنّة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى. قال: ثم عرج بي جبريل حتى أتى السّماء الثانية، فقال لخازنها: افتح، قال: فقال له خازنها مثل ما قال خازن السماء الدّنيا، ففتح.
فقال أنس بن مالك: فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين، ولم يُثْبِتْ كيف منازِلُهم غير أنه ذكر أنه قد وجد آدم عليه السلام في السّماء الدّنيا وإبراهيم في السماء السّادسة. قال: فلمّا مرّ جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بإدريس صلوات الله عليه، قال: مرحبًا بالنّبيّ الصّالح، والأخ الصّالح قال: ثم مرَّ فقلت: من هذا؟ فقال: هذا إدريس. قال: ثم مررت بموسى عليه
السلام، فقال: مرحبًا بالنّبي الصّالح والأخ الصالح. قال: قلت من هذا؟ قال: هذا موسى. قال: ثم مررتُ بعيسى، فقال: مرحبًا بالنّبي الصّالح والأخ الصّالح. قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى ابن مريم. قال: ثم مررتُ بإبراهيم عليه السلام، فقال: مرحبًا بالنّبي الصّالح والابن الصّالح. قال: قلت من هذا؟ قال: هذا إبراهيم".
قال ابنُ شهاب: وأخبرني ابنُ حزم أنّ ابن عباس وأبا حَبَّة الأنصاريَّ كانا يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم عرج بي حتى ظهرْتُ لمستوًى أسمعُ فيه صريفَ الأقلام".
قال ابنُ حزم، وأنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ففرض الله على أمّتي خمسين صلاة". قال: "فرجعت بذلك حتى أمر بموسى فقال موسى عليه السلام: ماذا فرض ربُّك على أمّتك؟ قال: قلت: فرض عليهم خمسين صلاة قال لي موسى عليه السلام: فراجِعْ ربَّك فإنَّ أمَّتَك لا تطيق ذلك. قال: فراجعت ربّي، فوضع شطرها. قال: فرجعت إلى موسى عليه السلام فأخبرته، قال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك قال فراجعت ربي فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي قال: فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربَّك فقلت: قد استحييت من ربي. قال: ثم انطلق بي جبريل حتى نأتي سدرةَ المنتهى فغشيها ألوانٌ لا أدري ما هي. قال: ثم أُدخلتُ الجنّةَ فإذا فيها جَنابذُ اللؤلؤ وإذا ترابُها المسك".
متفق عليه: رواه البخاريّ في الصلاة (349)، ومسلم في الإيمان (163) كلاهما من حديث يونس، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، قال:"كان أبو ذرّ يحدّث". فذكر الحديث مثله، واللّفظ لمسلم، ولفظ البخاريّ قريب منه.
• عن مالك بن صعصعة - رجل من قومه - قال: قال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان، إذ سمعتُ قائلًا يقول: أحدُ الثّلاثة بين الرّجلين، فأُتيتُ فانطُلِقَ بي فأُتِيتُ بِطَسْتٍ من ذهب فيها من ماء زمزم، فَشُرِح صدري إلى كذا وكذا. (قال قتادة: فقلت للذي معي: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطنه) فاستخرج قلبي فغُسِل بماء زمزم، ثم أُعيد مَكانَهُ، ثم حُشِيَ إيمانًا وحكمةً، ثم أتيتُ بدابَّةٍ أبيضَ يقال له البُراقُ فوق الحمار ودون البغل، يقعُ خَطْوُهُ عند أقصى طَرْفِه، فَحُمِلْتُ عليه، ثم انطلقنا حتَّى أتينا السّماء الدُّنيا، فاسفتَحَ جبريلُ صلى الله عليه وسلم فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: ففتح لنا، وقال: مرحبًا به ولنعم المجيء جاء، قال: فأتينا على آدم عليه السلام.
وساق الحديث بقصته وذكر أنه لقي في السّماء الثّانية عيسى ويحيى عليهما السلام، وفي الثالثة يوسف، وفي الرّابعة، إدريس، وفي الخامسة هارون صلوات الله عليهم وسلّم. قال: ثم انطلقنا حتَّى انتهينا إلى السّماء السّادسة، فأتيت على موسى عليه السلام فسلّمتُ عليه، فقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنّبي الصالح، فلما جاوزته بكى فنودي ما يبكيك؟ قال ربِّ هذا غلامٌ بعثته بعدي يدخل من أمّتِه الجنّة أكثرُ مِمّا يدخل من أمّتي! قال: ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى السّماء السّابعة، فأتيت على إبراهيم.
وقال في الحديث: وحدّث نبي الله صلى الله عليه وسلم أنّه رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل ما هذه الأنهار؟ قال: أمّا النّهران الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظّاهران فالنيل والفرات، ثم رُفع لي البيتُ المعمور. فقلت: يا جبريل، ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم. ثم أتيتُ بإناءين أحدُهما خمرٌ والآخر لَبَنٌ فَعُرِضَا عليَّ فاخترتُ اللَّبنَ، فقيل: أصبتَ أصاب الله بك أمَّتَك على الفطرة، ثم فُرِضَتْ عليَّ كل يوم خمسون صلاةً ثم. ذكر قصتها إلى آخر الحديث".
متفق عليه: رواه البخاريّ في كتاب المناقب (3887)، ومسلم في الإيمان (164) كلاهما من حديث قتادة، قال: حدّثنا أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، فذكره، واللّفظ لمسلم.
وفي لفظ البخاريّ بعد قوله: "لم يعودوا فيه آخر ما عليهم". "ورفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نَبِقُها كأنّه قلال هَجَر، وورقها كأنّه آذان الفيول".
وقوله: "ثم فرضت عليّ كل يوم خمسون صلاة" ثم ذكر قصتها إلى آخر الحديث. وهو قوله صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاريّ -: "فأقبلت حتى جئتُ موسى فقال: ما صنعتَ؟ قلتُ: فُرضتْ عليَّ خمسون صلاةً. قال: أنا أعلم بالنّاس منك، عالجتُ بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، وإنَّ أمَّتك لا تطيق، فارْجِعْ إلى ربِّك فَسَلْه. فرجعتُ فسألته فجعلها أربعين، ثم مثله ثم ثلاثين، ثم مثله، فجعل عشرين، ثم مثله فجعل عشرًا، فأتيتُ موسى فقال: مثله، فجعلها خمسًا فأتيت موسى فقال: ما صنعت؟ قلت: جعلها خمسةً فقال: مثله. قلت: سلَّمت بخير فنُودي أنّي قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي الحسنة عشرا".
• عن أنس بن مالك، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُتِيتُ بالبُراق وهو دابّة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته حتَّى أتيتُ بيت المقدس. قال: فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجتُ فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من
لبن فاخترت اللّبن. فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: اخترتَ الفِطْرةَ، ثم عَرَجَ بنا إلى السّماء فاستفتح جبريلُ، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال محمّد. قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بعث إليه ففتح لنا، فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عَرجَ بنا إلى السّماء الثّانية، فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: مَنْ أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال محمّد. قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير، ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بُعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد أعطي شطر الحسن. فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السّماء الرّابعة فاستفتح جبريل عليه السلام، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قال: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس فرحّب ودعا لي بخير، قال الله عز وجل:{وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)} [مريم: 57]، ثم عرج بنا إلى السّماء الخامسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم فرحّب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل عليه السلام قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم فرحّب ودعا لي بخير، ثم عرج إلى السماء السّابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد صلى الله عليه وسلم. قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى السّدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال. قال: فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيّرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حُسنها، فأوحى الله إليَّ ما أوحى ففرض عليَّ خمسين صلاةً في كلِّ يوم وليلة، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقال: ما فرض ربُّك على أمَّتِك؟ قلت: خمسين صلاة. قال: ارجع إلى ربِّك فاسأله التّخفيف؛ فإنّ أمَّتك لا يطيقون ذلك، فإنّي قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعت إلى ربّي، فقلت: يا ربّ! خَفِّفْ على أمَّتي، فحطَّ عنّي خمسًا، فرجعت إلى موسى، فقلت حطّ عنّي
خمسًا. قال: إنّ أمّتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربِّك فاسأله التّخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال: يا محمّد إنّهنّ خمسُ صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة، ومن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبتْ له عشرًا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئًا فإن عملها كتبت سيئة واحدة، قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فقال: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه".
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (162) عن شيبان بن فروخ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، حدّثنا ثابت البنانيّ، عن أنس بن مالك، فذكره.
• عن أنس بن مالك يقول: "ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة: إنّه جاءه ثلاثةُ نفر قبل أن يُوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيّهم هو؟ فقال: أوسطهم هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك اللّيلة، فلم يَرَهم حتَّى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه - وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم - فلم يكلّموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل فشقَّ جبريلُ ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوًا إيمانًا وحكمة فحشي به صدرُه ولَغَادِيدُه - يعني عروقَ حلقه -، ثم أطبقه، ثم عرج به إلى السّماء الدنيا فضرب بابًا من أبوابها فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمّد. قال: وقد بُعث؟ قال: نعم، قالوا: فَمَرْحَبًا به وأَهلًا، فيستبشر به أهل السماء لا يعلم أهلُ السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم فوجد في السماء الدّنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك فسلِّم عليه، فسلَّم عليه. وردَّ عليه آدم، وقال: مرحبًا وأهلًا بابني، نعم الابنُ أنت. فإذا هو في السّماء الدّنيا بنهرين يَطَّرِدان، فقال ما هذان النّهران يا جبريل! قال: هذا النِّيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السّماء، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب يده، فإذا هو مسك أذفر. قال: ما هذا يا جبريل. قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربّك، ثم عرج به إلى السّماء الثّانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: وقد بعث إليه؟
قال: نعم. قالوا: مرحبًا به وأهلًا، ثم عُرِج به إلى السّماء الثّالثة، وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة فقالوا مثل ذلك، ثم عرج به إلى السّماء السّادسة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السّابعة فقالوا له مثل ذلك كلّ سماء فيها أنبياء قد سمّاهم فوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرّابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السّادسة وموسى في السّابعة بتفضيل كلام الله فقال موسى: ربّ لم أظن أن ترفع عليَّ أحدًا، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار ربّ العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمَّتِك كلّ يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال: يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إليّ خمسين صلاةً كلّ يوم وليلة. قال: إنّ أمّتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربّك وعنهم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار إليه جبريل: أنْ نعم إنْ شئتَ، فعلا به إلى الجبار، فقال: وهو مكانه يا رب! خفِّفْ عنا فإنّ أمتي لا تستطيع هذا فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه فلم يزل يردده موسى إلى ربّه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: يا محمد! والله! لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه فأمتك أضعف أجسادًا وقلوبًا وأبدانًا وأبصارًا وأسماعًا فارجع فليخفف عنك ربّك كل ذلك يلتفت النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: يا ربّ! إنّ أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنّا. فقال الجبار: يا محمد! قال: لبيك وسعديك. قال: إنّه لا يبدل القول لديّ كما فرضت عليك في أمِّ الكتاب، قال: فكلُّ حسنةٍ بعشر أمثالِها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفف عنّا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها. قال موسى: قد والله! راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه ارجع إلى ربّك فليخفف عنك أيضًا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا موسى! قد والله! استحييت من ربّي ممّا اختلفت إليه. قال: فاهبطْ باسم الله. قال: واستيقظ وهو في مسجد الحرام".
متفق عليه: رواه البخاريّ في التوحيد (7517)، ومسلم في الإيمان (162) كلاهما من حديث
سليمان بن بلال، عن شريك بن عبد الله أنه قال: سمعت ابن مالك يقول: فذكر الحديث بطوله، واللّفظ للبخاريّ.
ولفظ مسلم مختصر وقال: "وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البنانيّ. وقدّم فيه شيئًا وأخّر، وزاد ونقص". انتهى.
والذي يظهر أن مسلمًا لم يسق لفظ الحديث كاملًا لما وقع فيه من الأوهام من شريك بن عبد الله، وهو ابن أبي نمر، وإنما أحال على حديث ثابت البنانيّ، وليس في حديث ثابت البناني الأوهام التي في حديث شريك، وأما البخاريّ رحمه الله تعالى ساق حديث شريك بن عبد الله كما سمعه.
فمن الأوهام التي وقعت في حديث شريك بن عبد الله قوله: "ودنا الجبّار ربُّ العزّة فتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى".
وهذا لم يذكره ثابتٌ، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة وابن مسعود أنّ قوله تعالى:{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [سورة النجم: 8، 9] قالا: ذاك جبريل، كان يأتيه في صورة الرّجل، وإنّما أتى هذه المرة في صورته فسدَّ الأفق".
وقد جمع الحافظ ابن حجر في "الفتح"(13/ 480) المخالفات التي وقعت في حديث شريك فأجاب عن البعض واعترف عن البعض الآخر، ومن المخالفات في هذا الحديث قوله:"قبل أن يوحى إليه". فقد أنكر العلماء على شريك بن عبد الله في رواية هذه اللّفظة، لأنّ الإسراء وقع بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر شهرًا، بل قال الزهريّ كان ذلك بعد خمس سنين من مبعثه فهذه من الأوهام التي وقعت من شريك بن عبد الله، لم يوافق عليه أحد.
ولذا قال الحافظ ابن القيم في "زاد المعاد": "هذا مما عُدَّ من أغلاط شريك الثمانية".
• عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما عرج بي ربي مررتُ بقوم لهم أظفار يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ " قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم.
صحيح: رواه أبو داود (4878) وأحمد (3340) ومن طريقه الضياء في المختارة (2285) كلهم من طريق أبي المغيرة الخولاني، حدثنا صفوان السكسكي، حدثني راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير، عن أنس، فذكره. وإسناده صحيح.
• عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مررتُ ليلة أسري بي على قوم تُقرض شِفاهُهم بمقاريض من نار. قال: قلت: من هؤلاء؟ قالوا: خُطباء من أهل الدّنيا ممن كانوا يأمرون النّاس بالبرّ وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون".
صحيح: رواه أبو يعلى (4069)، والبيهقيّ في شعب الإيمان (4965) من طريق معتمر بن سليمان، وأبو نعيم في الحلية (8/ 172) من طريق ابن المبارك - كلاهما عن سليمان التّيميّ، عن
أنس. وهذا الإسناد صحيح.
ورواه الإمام أحمد (12211) من وجه آخر عن علي بن زيد، عن أنس.
وعلي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف، إلّا أنّه توبع في الإسناد الأوّل. وصحّحه ابنُ حبان (53)، ورواه من وجه آخر عن أنس بن مالك، فذكر مثله.
• عن أنس، قال:"أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم بالبراق ليلة أسري به مسرّجًا ملجّمًا يركبه، فاستصعب عليه، فقال له جبريل: ما يحملك على هذا. فوالله! ما ركبكَ أحدٌ أكرم على الله منه، فارفضّ عرقًا".
صحيح: رواه عبد الرزّاق في "تفسيره"(1533)، وعنه الإمام أحمد (12672)، والتّرمذيّ (3131) من طريق عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس، فذكر الحديث. وإسناده صحيح.
قال الترمذيّ: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من حديث عبد الرّزاق".
وقوله: "فارفضَّ" أي سال.
• عن أبي هريرة، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "حين أسري بي لقيتُ موسى عليه السلام، فإذا هو رجل (حسبته قال) مضطربٌ رَجِلُ الرّأس كأنّه من رجال شنوءة قال: ولقيتُ عيسى "فنعته النبيّ صلى الله عليه وسلم" فإذا رَبْعَة أحمر، كأنّما خرج من ديماس (يعني حمامًا) قال: ورأيتُ إبراهيم صلوات الله عليه وأنا أشبه ولده به، قال: وأُتيتُ بإناءين أحدهما لبن، والآخر فيه خمر، فقيل لي: خُذ أيَّهما شئتَ، فأخذتُ اللّبن فشربْتُه، فقيل لي: هُديتَ الفطرةَ، أو أصبتَ الفطرةَ، أما إنّك لو أخذتَ الخمر غَوَتْ أمَّتُك".
متفق عليه: رواه البخاريّ في أحاديث الأنبياء (3437)، ومسلم في الإيمان (168) كلاهما من حديث عبد الرزّاق، أخبرنا معمر، عن الزهريّ، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، فذكر الحديث.
قوله: "ربعة" يقال: رجل ربعة ومربوع - أي بين الطّويل والقصير.
وقوله: "ديماس" قال الجوهريّ في صحاحه في هذا الحديث، قوله:"خرج من ديماس" يعني في نضارته، وكثرة ماء وجهه، كأنّه خرج من كِنٍّ لأنّه قال في وصفه: كأنّ رأسه يقطر ماءً.
وفي البخاريّ (4709) من وجه آخر عن يونس، عن ابن شهاب، بإسناده وفيه: قال أبو هريرة: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بإيلياء بقدَحين من خمر ولبن، فنظر إليهما، فأخذ اللّبن. قال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوتْ أمَّتُك".
• عن ابن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ليلة أُسري بي موسى رجلًا آدم طُوالًا جعدًا، كأنّه من رجال شَنُوءة. ورأيتُ عيسى رجلًا مربوعًا مربوعَ الخلق إلى الحمرة
والبياض سبْط الرّأس، ورأيتُ مالكًا خازن النّار والدّجال، في آيات أراهنّ الله إيّاه قال تعالى:{فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: 23] ".
متفق عليه: رواه البخاريّ في بدء الخلق (3239)، ومسلم في الإيمان (165) كلاهما عن محمد بن بشّار، حدّثنا غندر (وهو محمد بن جعفر)، حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي العالية، حدّثنا ابنُ عمّ نبيّكم - يعني ابن عباس، فذكره.
واللّفظ للبخاريّ، ولفظ مسلم مختصر، ولكن رواه مسلم من وجه آخر عن قتادة بإسناده مثل لفظ البخاريّ.
قوله: "طُوالًا" أي طويل، وهما لغتان.
قوله: "جعدًا" المراد بالجعد هنا جعودة الجسم، وهو اجتماعه واكتنازه، وليس المراد جعودة الشّعر.
وقوله: "شنوءة" وهي قبيلة معروفة في اليمن، ومنه أزد شنوءة وهم حي من اليمن.
• عن ابن عباس قال: فذكروا الدّجال، فقال (أي أحد الحاضرين): إنّه مكتوب بين عينيه كافر. قال: فقال ابن عباس: لم أسمعه ولكنّه قال: "أمّا إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم. وأمّا موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخُلبة، كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبّي".
صحيح. رواه مسلم في الإيمان (166: 270) عن محمد بن المثنى، حدّثنا ابن أبي عدي، عن ابن عون، عن مجاهد، قال: كنّا عند ابن عباس، فذكره.
• عن ابن عباس، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بوادي الأزرق فقال:"أي وادٍ هذا؟ ". فقالوا: هذا وادي الأزرق، قال:"كأنّي أنظر إلى موسى عليه السلام هابطًا من الثّنية وله جؤار إلى الله بالتّلبية". ثم أتى على ثنية هَرْشى فقال: "أيّ ثنية هذه؟ ". قالوا: ثنية هرشى. قال: "كأنّي أنظر إلى يونس بن متّى عليه السلام على ناقة حمراء جعدة عليه جُبّة من صوف. خِطام ناقته خُلْبة، وهو يُلبّي".
قال ابن حنبل في حديثه: قال هشيم: يعني ليفًا "وهو يلبي". كذا في المسند.
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (166) عن أحمد بن حنبل، وسريج بن يونس، قالا: حدّثنا هُشيم، أخبرنا داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن ابن عباس، فذكره. وهو في مسند الإمام أحمد (1854).
قوله: "الجؤار" رفع الصّوت والاستغاثة.
ورواه أيضًا مسلم من وجه آخر عن داود بإسناده وفيه قال ابن عباس:
"سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة".
وفيه أيضًا: "خطام ناقته ليفٌ خُلْبة".
• عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما كان ليلةُ أُسريَ بي، وأصبحتُ بِمكّة، فَظِعْتُ بأمري، وعَرفْتُ أنَّ الناس مُكَذِّبي". فقعد معتزلًا حزينًا. قال: فمرَّ عدوُّ الله أبو جهل فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". قال ما هو؟ قال: "إنّه أُسري بي اللّيلة". قال: إلى أين؟ قال: "إلى بيت المقدس". قال: ثم أصبحتَ بين ظهرانينا؟ قال: "نعم". قال: فلم يُرِه أنّه يُكَذِّبه مَخافةَ أن يجحده الحديث إذا دعا قومه إليه. قال: أرأيتَ إنْ دعوتُ قومَك تحدِّثُهم ما حدّثْتني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". فقال: هَيَا معشرَ بني كعب بن لُؤي، حتَّى قال فانتفضت إليه المجالس وجاءوا حتَّى جلسوا إليهما. قال: حدِّثْ قومَك بِما حَدَّثْتني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنِّي أُسريَ بي اللَّيلةَ". قالوا: إلى أين؟ قال: "إلى بيت المقدس". قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: "نعم". قال: فَمِن بين مُصفِّق ومِن بين واضع يده على رأسه، متعجِّبًا للكذب زعم! ! قالوا: وهل تستطيع أنْ تنعت لنا المسجد؟ وفي القوم مَنْ قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فذهبتُ أنعتُ، فما زلت أنعت حتى التبس عليَّ بعضُ النَّعت". قال: "فجيء بالمسجد وأنا أنظرُ حتى وُضِع دونَ دارِ عِقَالٍ - أو عَقيل - فنعتُّه وأنا أنظر إليه". قال: "وكان مع هذا نَعْتٌ لم أحفظه". قال: "فقال القوم: أما النّعتُ فوالله! لقد أصاب".
صحيح: رواه الإمام أحمد (2819)، والبزّار - كشف الأستار (56) -، والطبرانيّ (12782) كلهم من طريق عوف بن أبي جميلة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن عباس، فذكره، واللّفظ لأحمد. وإسناده صحيح.
• عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما كانت الليلة التي أسري بي فيها، أتت علي رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها، قال: قلت: وما شأنها؟ قال: بينا هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم، إذ سقطت المدْرى من يدها، فقالت: بسم الله، فقالت لها ابنة فرعون: أبي؟ قالت: لا ولكن ربي ورب أبيك الله، قالت: أخبره بذلك! قالت: نعم، فأخبرته فدعاها، فقال: يا فلانة، وإن لك ربًا غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله، فأمر ببقرة من نحاس فأحميت، ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها، قالت له: إن
لي إليك حاجة، قال: وما حاجتك؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد، وتدْفنّا. قال: ذلك لك علينا من الحق، قال: فأمر بأولادها فألقوا بين يديها، واحدًا واحدًا، إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع، كأنها تقاعست من أجله، قال: يا أمه، اقتحمي، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. فاقتحمت".
قال: قال ابن عباس: تكلم أربعة صغار: عيسى ابن مريم عليه السلام، وصاحب جريج، وشاهد يوسف، وابن ماشطة ابنة فرعون.
صحيح: رواه الإمام أحمد (2821) عن أبي عمر الضرير، أخبرنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فذكره.
وإسناده صحيح، عطاء بن السائب ثقة، وثّقه الأئمة إلا أنه اختلط في آخر عمره لكن حماد بن سلمة سمع منه قبل الاختلاط. انظر تخريجه بالتفصيل في كتاب الإيمان - باب إثبات العلو لله تعالى.
وأما ما رواه ابن ماجه (4030) عن ابن عباس، عن أبي بن كعب نحوه ففيه سعيد بن بشير ضعيف.
• عن ابن عباس، قال: أُسري بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ثم جاء من ليلته، فحدّثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم، فقال ناس: قال حسن: نحن نصدّق محمّدًا بما يقول، فارتدُّوا كفّارًا، فضرب الله أعناقهم مع أبي جهل، وقال: أبو جهل: يُخوفنا محمّدٌ بشجرة الزّقوم! هاتُوا تَمرًا وزُبْدًا فتزَقَّمُوا. ورأى الدَّجال في صورته رؤيا عين ليس رؤيا منام، وعيسى، وموسى، وإبراهيم صلوات الله عليهم، فسُئل النّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الدّجّال؟ فقال:"أقمرُ هِجانٌ - قال حسنٌ: قال: رأيته فيلمانيًّا أقمر هِجانًا - إحدى عينيه قائمةٌ كأنها كوكب دُريّ، كأن شعرَ رأسه أغصانُ شجرة، ورأيت عيسى شابًا أبيض جعد الرّأس، حديد البصر، مُبَطَّن الخلق، ورأيتُ موسى أَسْحَمَ آدم، كثير الشَّعر - قال حسن: الشَّعْرة - شديدَ الخلق، ونظرت إلى إبراهيم فلا أنظر إلى إرْبٍ من آرابه إلا نظرت إليه منّي كأنّه صاحبكم، فقال جبريل عليه السلام: سلِّم على مالك فسلمتُ عليه".
حسن: رواه الإمام أحمد (3546)، وأبو يعلى (2720) كلاهما من حديث الحسن بن موسى، حدّثنا ثابت أبو زيد، عن هلال، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره واللّفظ لأحمد. وإسناده حسن من أجل هلال وهو ابن خباب مختلف فيه غير أنه حسن الحديث.
قال الهيثمي في "المجمع"(1/ 66 - 67): "رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أنّ هلال بن خباب قال يحيى القطّان: أنه تغيّر قبل موته، وقال يحيى بن معين: لم يتغير ولم يختلط، ثقة مأمون. ورواه أبو يعلى وزاد: "ورأى الدّجال في صورته رؤيا عين ليس رؤيا منام، وعيسى ابن مريم،
وإبراهيم. قال: فسُئل النّبي صلى الله عليه وسلم عن الدّجال؟ فقال: "رأيته فَيْلَمانيا أَقْمر هِجَانًا، إحدى عينيه قائمةٌ كأنّها كوكب دُرّيّ، كأنَّ شعره أغصان شجرة، ورأيت عيسى شابًا أبيضَ، جعد الرأس، حديد البصر، مُبَطَّن الخلق، ورأيت موسى أَسْحم آدم كثير الشّعر شديدَ الخلق، ورأيت إبراهيم فلا أنظر إلى إرب من آرابه إلّا نظرت إليه كأنه صاحبكم. قال: وقال لي جبريل عليه السلام: سلِّم على أبيك، وسلَّمتُ عليه".
وأخرجه ابن كثير في تفسيره من طريق أحمد وقال: "ورواه النسائيّ (أي في الكبرى (11484) من حديث أبي زيد ثابت بن يزيد، عن هلال - وهو ابن خبّاب -، به. وهو إسناد صحيح". انتهى.
وقوله: "الفَيْلماني" منسوب إلى الفَيْلم، والفَيْلم العظيم الضّخم الجثّة.
وقوله: "الأقمر" الأبيض.
وقوله: "الإرب" العضو.
• عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس. قال: قال تعالى: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء: 60] قال: هي شجرة الزقوم.
صحيح: رواه البخاري في مناقب الأنصار (3888) عن الحميدي، حدتنا سفيان، حدثنا عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره.
وقيل: هذه الرؤيا لا علاقة له بالإسراء، لأن الإسراء كان في اليقظة، ولذا فسر عكرمة الرؤيا في هذه الآية هي دخول المسجد الحرام، والفتنة الصد بالحديبية. ذكره القرطبي في المفهم (1/ 385)
• عن ابن عباس قال: ليلة أسري بنبي الله صلى الله عليه وسلم ودخل الجنة، فسمع في جانبها وجْسًا قال:"يا جبريل ما هذا؟ ". قال: هذا بلال المؤذن. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم حين جاء إلى الناس: "قد أفلح بلال، رأيت له كذا وكذا". قال: فلقيه موسى عليه السلام فرحب به، وقال: مرحبًا بالنبي الأمي، فقال:"من هذا يا جبريل؟ ". قال: هذا موسى عليه السلام قال: فمضى فلقيه عيسى، فرحب به، وقال:"من هذا يا جبريل؟ ". قال: هذا عيسى. قال: فمضى، فلقيه شيخ جليل مهيب، فرحب به وسلم عليه، وكلهم يسلم عليه، قال:"من هذا يا جبريل؟ ". قال: هذا أبوك إبراهيم، قال: فنظر في النار، فإذا قوم يأكلون الجيف، قال:"من هؤلاء يا جبريل؟ ". قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ورأى رجلًا أحمر أزرق جعدًا شعثًا إذا رأيته، قال:"من هذا يا جبريل؟ ". قال: هذا عاقر الناقة.
قال: فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى قام يصلي، ثم التفت فإذا النبيون أجمعون يصلون
معه، فلما انصرف جيء بقدحين، أحدهما عن اليمين، والآخر عن الشمال، في أحدهما لبن، وفي الآخر عسل، فأخذ اللبن فشرب منه، فقال الذي كان معه القدح: أصبت الفطرة.
حسن: رواه أحمد (2324) عن عثمان بن محمد - وسمعته أنا منه - حدثنا جرير، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس فذكره.
وإسناده حسن من أجل قابوس وهو ابن أبي ظبيان مختلف فيه غير أنه حسن الحديث إذا لم يخالف أو لم يأتي بالمناكير، ولفقرات حديثه هذا شواهد كثيرة.
وقوله: الوجس: هو صوت خفي.
• عن جابر، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"عُرض عليَّ الأنبياء، فإذا موسى ضربٌ من الرّجال، كأنّه من رجال شنُوءة. ورأيتُ عيسى ابن مريم عليه السلام. فإذا أقرب من رأيت به شبهًا عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه فإذا أقرب من رأيت به شبهًا صاحبكم (يعني نفسه)، ورأيت جبريل عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهًا دحية".
وفي رواية: "دحية بن خليفة".
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (167) من طرق عن اللّيث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر، فذكره.
• عن زِرّ بن حبيش قال: "أتيت على حذيفة بن اليمان وهو يحدِّث عن ليلة أُسريَ بمحمّد صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: "فانطلقتُ - أو انطلقنا - حتى أتينا على بيت المقدس". فلم يَدخلاه، قال: قلتُ بل دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذٍ وصلّى فيه. قال: ما اسمُك يا أصلَعُ! فإنّي أعرفُ وَجْهَكَ ولا أدري ما اسمك؟ قال: قلت: أنا زِرُّ بنُ حُبَيْش. قال: فما عِلْمُك بأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلّى فيه ليلتئذ؟ قال: قلت: القرآنُ يُخبرني بذلك. قال: من تكلَّم بالقرآن فَلَجَ، اقْرأْ. قال: فقرأت: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] قال: فلم أجدْهُ صلَّى فيه. قال: يا أصلَعُ، هل تجد صلّى فيه؟ قال: قلت: لا. قال واللهِ! ما صلّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ، لو صلّى فيه لكُتِبَ عليكم صلاةٌ فيه كما كُتِبَ عليكم صلاةٌ في البيت العتيق، واللهِ ما زَايَلا البُراقَ حتى فُتحتْ لهما أبوابُ السّماء فرأيا الجنّة والنّارَ ووَعْدَ الآخرة أَجْمعَ، ثم عادا عَوْدَهُما على بَدْئِهما. قال: ثم ضحِك حتى رأيتُ نواجذَه. قال: ويُحدِّثون أنه رَبطَه، ألِيَفِرَّ منه؟ ! وإنّما سخّره له عالِمُ الغيب والشّهادة. قال: قلت: أبا عبد الله أيُّ دابّة البُراق؟ قال: دابة أبيض طويل هكذا خطوُه مَدَّ البَصر".
حسن: رواه الترمذيّ (3147) عن ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان، عن مسعر، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيش، قال (فذكر الحديث).
ورواه الإمام أحمد (23285)، وصحّحه ابن حبان (45)، والحاكم (2/ 359) كلّهم من طرق عن عاصم بن أبي النّجود.
قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
قلت: هو حسن من أجل عاصم بن أبي النّجود فإنّه حسن الحديث.
وأمّا نفي حذيفة رضي الله عنه صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس فبناء على اجتهاد منه، وإلّا فقد ثبت في حديث ابن مسعود وأنس وأبي هريرة وغيرهم أنه صلى فيه، والمثبت مقدم على النافي.
وأمّا قوله: "لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى هناك لوجب على أمّته أن يأتوا ذلك المكان، ويُصلّوا فيه كما فعل صلى الله عليه وسلم". فإنّ ذلك مما لا حجّة لحذيفة فيه، إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مواضع ويصلي فيها، ولم يكتب علينا إتيانها ولا الصّلوات فيها. انظر للمزيد "مشكل الآثار"(12/ 544) للطّحاويّ.
• عن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما انتهينا إلى بيت المقدس قال جبريل بإصبعه فحفر به الحجر، وشدَّ به البراق".
حسن: رواه الترمذيّ (3132)، وصحّحه ابنُ حبان (47)، والحاكم (2/ 360)، كلّهم من طريق الزبير بن جُنادة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، فذكره.
وفي لفظ ابن حبان: "فخرق جبريل الصّخرة بإصبعه".
قال الترمذيّ: "حسن غريب".
قلت: وإسناده حسن من أجل الزبير بن جنادة، فقد وثّقه ابن معين كما في سؤالات ابن الجنيد (ص 279)، وروى عنه عددٌ، وذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج حديثه في صحيحه، وقال الحاكم: مروزيّ ثقة، وقال أبو حاتم: شيخ ليس بالمشهور - أي ليس له كثير الرّوايات، وذكره الذّهبيّ في "الميزان" وقال:"أخطأ من قال فيه: جهالة، ولولا أن ابن الجوزيّ ذكره، ذكرته".
قلت: فمثله يحسّن حديثه، وانظر حديث أنس الطّويل في ربط البراق بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، وليس بين الحديثين خلاف، فإنّ الحلقة لعلّها كانتْ في الصّخرة.
• عن شدّاد بن أوس قال: "قلنا يا رسول الله! كيف أُسري بك؟ قال: "صليتُ العتمة بمكة معتمًا، وأتاني جبريل عليه السلام بدابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل، فقال: اركب فاستصْعبتْ عليَّ، فدارها بأذنها، ثم حملني عليها، فانطلقتْ تهوي بنا: يقع حافرها حيث أدرك طرفها، حتى بلغنا أرضًا ذات نخل فأنزلني، فقال: صلِّ. فصليتُ، ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت
بيثرب، صليت بطيبة، فانطلقتْ تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضًا فقال: انزل، فنزلتُ، ثم قال: صلِّ فصليتُ، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم، قال: صليتَ بمدين، صليتَ عند شجرة موسى عليه السلام، ثم انطلقتْ تهوى بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضًا بدتْ لنا قصور، فقال: انزل فنزلت، فقال: صلِّ فصليتُ، ثم ركبنا، قال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت ببيت لحم، حيث وُلد عيسى عليه السلام المسيح ابن مريم، ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد فربط به دابته ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشّمس والقمر، فصليتُ من المسجد حيث شاء الله وأخذني من العطش أشدّ ما أخذني، فأتيتُ بإناءين في أحدهما لبن، وفي الآخر عسل، أُرْسِلَ إليَّ بهما جميعًا، فعدلتُ بينهما ثم هداني الله عز وجل فأخذت اللّبن فشربت، حتى قرعت به جبيني وبين يدي شيخ متكئ على مثْراةٍ له فقال: أخذ صاحبُك الفطرة أنه ليُهدى، ثم انطلق لي حتى أتينا الوادي الذي في المدينة، فإذا جهنّم تنكشف عن مثل الزَّاربيِّ، قلت: يا رسول الله! كيف وجدتها؟ قال: مثل الحمة السخنة، ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا قد أضلّوا بعيرًا لهم فجمعه فلان، فسلمت عليهم فقال: بعضهم هذا صوت محمد، ثم أتيتُ أصحابي قبل الصبح بمكة فأتاني أبو بكر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله! أين كنت اللّيلة فقد التمستُك في مكانك. فقال: علمت أني أتيتُ بيت المقدس اللّيلة، فقال: يا رسول الله! إنّه مسيرة شهر فصفه لي. قال: فَفُتِح لي صراط كأني أنظر فيه لا يسلني عن شيء إلّا أنبأته عنه، قال أبو بكر: أشهد أنّك رسول الله، فقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة يزعم أنه أَتى بيت المقدس اللّيلة، قال: فقال: إنّ من آية ما أقول لكم أنّي مررتُ بعير لكم بمكان كذا وكذا قد أضلّوا بعيرًا لهم فجمعه فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم بكذا، ويأتونكم يوم كذا وكذا يقدمُهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينتظرون حتى كان قريب من نصف النّهار حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم".
حسن: رواه البيهقيّ في "الدّلائل"(2/ 355 - 357) قال: وأخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل ببغداد، واللّفظ له، قال: أخبرنا أبو أحمد حمزة بن محمد بن العباس، قال: حدّثنا محمد بن إسماعيل أبو إسماعيل التّرمذيّ، قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن
العلاء بن الضّحاك الزّبيديّ، قال: حدّثنا عمرو بن الحارث، عن عبد الله بن سالم الأشعريّ، عن الزّبيديّ محمد بن الوليد بن عامر، قال: حدّثنا الوليد بن عبد الرحمن، أنّ جبير بن نُفير، قال: حدّثنا شدّاد بن أوس، قال: فذكر الحديث.
قال البيهقيّ: هذا إسناد صحيح، ورُوي ذلك مفرّقًا في أحاديث غيره، ونحن نذكر من ذلك إن شاء الله تعالى ما حضرنا".
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" بعد أن نقل قول البيهقيّ: "ثم ساق أحاديث كثيرة في الإسراء كالشّاهد لهذا الحديث. وقد روي هذا الحديث عن شدّاد بن أوس بطوله الامامُ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره، عن أبيه، عن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزّبيدي، به، ولا شكّ أنّ هذا الحديث - أعني الحديث المروي عن شدّاد بن أوس - مشتمل على أشياء منها ما هو صحيح كما ذكره البيهقيّ، ومنها ما هو منكر، كالصّلاة في بيت لحم، وسؤال الصّديق عن نعت بيت المقدس وغير ذلك" انتهى.
قلت: لعل بعض النكارة كان سببها إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي المعروف بابن زبريق مختلف فيه فأثنى عليه ابن معين خيرًا، وقال أبو حاتم: شيخ لا بأس به، ولكنهم يحسدونه، وضعّفه النسائي وأما قول محمد بن عوف الحمصي أنه كان يكذب فهو بعيد.
والخلاصة فيه: أنه حسن الحديث إلا في جمل يسيرة أخطأ فيها.
• عن عائشة، قالت:"لما أسري بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدّث النّاسُ بذلك، فارتدّ ناسٌ ممن آمنوا به، وصدّقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به اللّيلة إلى بيت المقدس. قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: أو تصدّقه أنه ذهب اللّيلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إنِّي لأصدّقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدِّقه بخبر السّماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبو بكر الصّديق".
حسن: رواه الحاكم (3/ 62) ومن طريقه البيهقيّ في الدّلائل (2/ 360 - 361) من طريق محمد بن كثير الصّنعانيّ، قال: حدّثنا معمر بن راشد، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، فذكرته.
قال الحاكم: صحيح الإسناد.
قلت: إسناده حسن من أجل الكلام في محمد بن كثير الصّنعانيّ. والخلاصة: أنه حسن الحديث في الشّواهد.
قال ابن شهاب: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن فذكر القصة وقال: فبها سمي أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
انظر: الدلائل للبيهقي (2/ 360).
وأمّا ما رواه البيهقيّ في الدّلائل (2/ 390 - 396) عن أبي سعيد الخدريّ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر حديث الإسراء بطوله.
رواه من طريق أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيد الخدريّ.
فأبو هارون العبديّ وهو عمارة بن جوين، قال النسائي والحاكم:"متروك". وقال الجوزجاني: "كذاب مفتر" وضعّفه غيرهم.
وساقه ابن كثير في تفسيره بطوله عن البيهقيّ وقال: "ورواه ابنُ أبي حاتم، عن أبيه، عن أحمد بن عبدة، عن أبي عبد الصّمد عبد العزيز بن عبد الصّمد، عن أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيد الخدريّ، فذكر نحوه - بسياق طويل حسن أنيق، أجود مما ساقه غيره على غرابته، وما فيه من النّكارة. ثم قال: وأبو هارون العبديّ - واسمه عمارة بن جوين، وهو مضعَّف عند الأئمّة".
وكذلك ما رواه أبو جعفر بن جرير الطّبريّ في "تفسيره" عن علي بن سهل، حدّثنا حجّاج، حدّثنا أبو جعفر الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنس، عن أبي العالية الرّياحيّ، عن أبي هريرة، أو غيره - شك أبو جعفر - في حديث طويل.
ورواه أيضًا البيهقيّ في "الدّلائل"(2/ 397 - 403) من طريق أبي جعفر - وهو عيسى بن ماهان - بإسناده.
وأورده الحافظ ابن كثير في "تفسيره" وقال: "أبو جعفر الرّازيّ قال فيه الحافظ أبو زرعة الرّازيّ: يهم في الحديث كثيرًا، وقد ضعّفه غيره أيضًا، ووثّقه بعضهم، والأظهر أنّه سيء الحفظ، ففيما تفرّد به نظر. وهذا الحديث في بعض ألفاظه غرابة ونكارة شديدة، وفيه شيء من المنام من رواية سمرة بن جندب في المنام الطّويل عند البخاريّ، ويُشبه أن يكون مجموعًا من أحاديث شتّى، أو منام أو قصّة أخرى غير الإسراء، والله أعلم" انتهى.
وكذلك ما رُوي عن عبد الرحمن بن قرط، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري إلى المسجد الأقصى كان بين المقام وزمزم، وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السّماوات السّبع، فلما رجع قال: سمعتُ تسبيحًا في السماوات العلى مع تسبيح كثير، سبحت السماوات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلو بما علا سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى".
رواه الطّبرانيّ عن علي بن عبد العزيز، ثنا سعيد بن منصور، ثنا مسكين بن ميمون مؤذن مسجد الرّملة، عن عروة بن رُويم، عن عبد الصّمد بن قرط، فذكره.
قال الطبرانيّ: لا يُروى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلّا بهذا الإسناد، تفرّد به سعيد. انظر "مجمع البحرين"(58).
وأورده الهيثميّ في "المجمع"(1/ 78) وقال: "فيه مسكين بن ميمون، ذكر له الذّهبي هذا الحديث وقال: إنّه منكر". أي في "الميزان"(4/ 101).
وكذلك ما رُوي عن ابن مسعود، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لقيتُ ليلة أُسري بي إبراهيم، وموسى،
وعيسى. قال: فتذاكروا أمرَ السّاعة، فردُّوا أمرهم إلى إبراهيم، فقال: لا علْمَ لي بها، فرَدُّوا الأمرَ إلى موسى، فقال: لا علمَ لي بها، فردُّوا الأمر إلى عيسى، فقال: أمّا وَجْبتُها، فلا يعلمُها أحدٌ إلّا الله، ذلك وفيما عهد إليَّ ربّي عز وجل أنّ الدّجال خارج، قال: ومعي قضيبين، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرَّصاص، قال: فيُهلكُه الله، حتَّى إنّ الحَجَر والشَّجر ليقولُ: يا مسلم، إنّ تحتي كافرًا، فتعالَ فاقْتُلْه، قال: فيُهلِكُهم الله، ثم يرجعُ النّاسُ إلى بلادهم وأوطانهم، قال: فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج، وهم من كلِّ حَدَب يَنْسلون، فيطؤون بلادَهم، لا يأتون على شيء إلّا أهلكوه، ولا يمُرُّون على ماءٍ إلّا شَرِبوه، ثم يرجعُ النّاسُ إليَّ فيشكونهم، فأدعو الله عليهم، فيهلكهم الله ويميتُهم، حتى تَجْوى الأرضُ من نَتْن رِيحهم، قال: فيُنزلُ الله عز وجل المطرَ، فَتَجْرُفُ أجسادهم حتى يقذفهم في البحر". قال أبي: ذهب عليَّ هاهنا شيءٌ لم أفهمه، كأديم، وقال يزيد - يعني ابن هارون -:"ثم تُنْسفُ الجبالُ، وتُمدُّ الأرضُ مدَّ الأديم". ثم رجع إلى حديث هُشيم، قال:"ففيما عهد إليَّ ربّي عز وجل: أنّ ذلك إذا كان كذلك، فإنَّ السّاعةَ كالحامِل المُتِمِّ، التي لا يَدري أهلُها متى تفجَؤُهم بولادتِها ليلًا أو نهارًا".
رواه الإمام أحمد (3556) عن هشيم، أخبرنا العوّام بن حوشب، عن جبلة بن سُحيم، عن مُؤْثِر بن عَفازة، عن ابن مسعود، فذكره.
وفيه مؤثر بن عفازة - بالعين - لم يوثّقه غير ابن حبان فهو في عداد المجهولين، كما اختلف في رفعه ووقفه.
فرواه هُشيم، عن العوّام بن حوشب هكذا مرفوعًا.
ورواه يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب موقوفًا.
ومن طريقه رواه ابن ماجه (4081)، والحاكم (4/ 488 - 489) وقال:"حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وهو تساهل منهما كما أن في متنه ما ينكر عليه، منها قوله: "فتذاكروا أمر السّاعة".
وقد رُوي عن ابن مسعود ما هو أغرب منه، وهو ما رواه الحسن بن عرفة في جزئه المشهور. (رقم 69) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وقال: "إسناد غريب ولم يخرجوه، فيه من الغرائب
…
".
وفي الباب عن أم هانئ في حديث طويل. رواه أبو يعلى في معجمه (10) عن محمد بن إسماعيل بن علي الأنصاري، حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن أبي صالح مولى أم هانئ، عن أم هانئ قالت: فذكرت الحديث. وأورده الحافظ في المطالب العالية (17/ 279).
ومحمد بن إسماعيل بن علي هو الوساوسي البصري، قال أحمد بن عمرو البزار الحافظ: كان يضع الحديث، وقال الدارقطني وغيره: ضعيف.
وقال الذهبي في الميزان (3/ 481) بعد أن نقل تضعيفه عن هؤلاء: له حديث في الإسراء سقته
في الترجمة النبوية، أي تاريخ الإسلام ص 246، وقال فيه:"هو حديث غريب، الوساوسي ضعيف تفرد به".
قلت: في متنه نكارة مثل ذكر صلاة الصبح، والصلاة لم تفرض إلا في المعراج.
وذكرها الحافظ ابن حجر في الإصابة (14/ 239) في ترجمة نبعة الحبشية جارية أم هانئ وقال: ذكرها أبو موسى في "الذيل". وذكر من طريق الكلبي، عن أبي صالح مولى أم هانئ، عن أم هانئ بنت أبي طالب في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول: ما أسري به إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة فصلى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا، فلما كان الصبح أهبّنا لنصلي الصبح فصلينا معه قال: "يا أم هانئ
…
فذكر قصة الإسراء.
ثم قال: وأخرجه أبو يعلى وروايته أصح من رواية الكلبي، فإن في روايته من المنكر أنه صلى العشاء الآخرة والصبح معهم وإنما فرضت الصلوات ليلة المعراج، وكذا نومه تلك الليلة في بيت أم هانئ وإنما نام في المسجد" انتهى.
وأما ما رُوي عن ابن عباس مرفوعًا: "وما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد" فهو ضعيف.
رواه أحمد (3316) والترمذي (2053) وابن ماجه (3477) والحاكم (4/ 210، 209) كلهم من طرق عن عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره. وعباد بن منصور ضعيف باتفاق أهل العلم وكان يُدلس. وقد دلس في هذا الحديث مع ضعف فيه.
قال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: قلت لعباد بن منصور الباجي: سمعت ما مررت بملأ من الملائكة
…
فقال: حدثني ابن أبي يحيى، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره. ذكره العقيلي في الضعفاء (3/ 36).
وابن أبي يحيى هو إبراهيم بن محمد متروك، وداود بن حصين ثقة إلا في عكرمة. وأما الحاكم فقال: صحيح الإسناد.
تنبيه: سقط عند الحاكم في الموضع الأول "عكرمة" بين عباد بن منصور وبين ابن عباس، وهو ثابت في الموضع الثاني.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مررتُ ليلة أسري بي بملأ إلا قالوا: يا محمد! مر أمتك بالحجامة".
رواه ابن ماجه (3479) عن جبارة بن المغلس، قال: حدثنا كثير بن سُليم، قال: سمعت أنس بن مالك فذكره.
وجبارة بن المغلس وشيخه كثير بن سُليم ضعيفان.
وكذلك لا يصح ما روي عن ابن مسعود قال: حدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به أنه لم يمر