الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جموع ما جاء في الأحداث التي بين غزوة أحد والأحزاب
1 - غزوة الرجيع في سنة ثلاث
قال محمد بن إسحاق: حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا: يا رسول الله! إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الإسلام، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم نفرًا ستة من أصحابه وهم: مرثد بن أبي مرثد الغنوي، حليف حمزة بن عبد المطلب - قال ابن إسحاق: وهو أمير القوم - وخالد بن البكير الليثي، حليف بني عدي، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، أخو بني عمرو بن عوف، وخبيب بن عدي أخو بني جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف، وزيد بن الدثنة، أخو بني بياضة بن عامر، وعبد الله بن طارق، حليف بني ظفر، رضي الله عنهم. هكذا قال ابن إسحاق أنهم كانوا ستة، وكذا ذكر موسى بن عقبة، وسماهم كما قال ابن إسحاق. وعند البخاري أنهم كانوا عشرة، وعنده أن أميرهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، فالله أعلم.
قال ابن إسحاق: فخرجوا مع القوم حتى إذا كانوا على الرجيع - ماء لهذيل بناحية الحجاز، من صدور الهدأة - غدروا بهم، فاستصرخوا عليهم هذيلا، فلم يرع القوم - وهم في رحالهم - إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا القوم، فقالوا لهم: إنا والله ما نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئًا من أهل مكة، ولكن عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم، فأما مرثد وخالد بن البكير وعاصم بن ثابت فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدًا ولا عقدًا أبدًا. وقال عاصم بن ثابت:
ما علتي وأنا جلد نابل
…
والقوس فيها وتر عنابل
تزل عن صفحتها المعابل
…
الموت حق والحياة باطل
وكل ما حمّ الإله نازل
…
بالمرء والمرء إليه آيل
إن لم أقاتلكم فأمي هابل
وقال عاصم أيضًا:
أبو سليمان وريش المقعد
…
وضالة مثل الجحيم الموقد
إذا النواحي افترشت لم أرعد .. ومجنأ من جلد ثور أجرد
ومؤمن بما علي محمد
وقال أيضًا:
أبو سليمان ومثلي رامى
…
وكان قومي معشرًا كرامًا
قال: ثم قاتل حتى قتل، وقتل صاحباه، فلما قتل عاصم، أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد، لئن قدرت على رأس عاصم، لتشربن في قحفه الخمر، فمنعته الدبر، فلما حالت بينهم وبينه قالوا: دعوه حتى يمسي فتذهب عنه فنأخذه، فبعث الله الوادي، فاحتمل عاصمًا فذهب به، وقد كان عاصم قد أعطى الله عهدًا أن لا يمسّه مشرك، ولا يمسّ مشركًا أبدًا، تنجّسًا، فكان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه أن الدبر منعته: يحفظ الله العبد المؤمن، كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك، ولا يمس مشركًا أبدًا في حياته، فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته.
قال ابن إسحاق: وأما خبيب وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق فلانوا ورقوا ورغبوا في الحياة، وأعطوا بأيديهم فأسروهم، ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها، حتى إذا كانوا بالظهران، انتزع عبد الله بن طارق يده من القران، ثم أخذ سيفه، واستأخر عنه القوم، فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره بالظهران، وأما خبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة. قال ابن هشام: فباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة.
قلت: الدبر هو ذكور النحل، وقيل: الزنابير.
والقِحف: بكسر القاف: أعلى الدماغ.
قال ابن إسحاق: فابتاع خبيبًا حجير بن أبي إهاب التميمي، حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل، وكان أبو إهاب أخا الحارث بن عامر لأمه، ليقتله بأبيه، قال: وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية، ليقتله بأبيه، فبعثه مع مولى له يقال له: نسطاس، إلى التنعيم، وأخرجه من الحرم ليقتله، واجتمع رهط قريش، فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قدّم ليقتل: أنشدك الله يا زيد! أتحب أن محمدًا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي. قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا. قال: ثم قتله نسطاس، قال: وأما خبيب بن عدي فحدثني عبد الله بن أبي نجيح، أنه حدث عن ماويّة مولاة حجير بن أبي إهاب، وكانت قد أسلمت، قالت: كان خبيب عندي، حبس في بيتي، فلقد اطلعت عليه يومًا، وإن في يده لقطفًا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه، وما أعلم في أرض الله عنبًا يؤكل.
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي نجيح أنهما قالا: قالت:
قال لي حين حضره القتل: ابعثي إلي بحديدة أتطهر بها للقتل، قالت: فأعطيت غلامًا من الحي الموسى، فقلت له: ادخل بها على هذا الرجل البيت، قالت: فو الله! إن هو إلا أن ولى الغلام بها إليه، فقلت: ماذا صنعت؟ أصاب والله الرجل ثأره بقتل هذا الغلام، فيكون رجلًا برجل. فلما ناوله الحديدة أخذها من يده، ثم قال: لعمرك ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي، ثم خلّى سبيله.
قال ابن إسحاق: قال عاصم: ثم خرجوا بخبيب، حتى جاؤوا به إلى التنعيم ليصلبوه، قال لهم: إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا. قالوا: دونك فاركع، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم فقال: أما والله! لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعًا من القتل، لاستكثرت من الصلاة، قال: فكان خبيب أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين.
قال: ثم رفعوه على خشبة، فلما أوثقوه قال: اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة ما يصنع بنا، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا، ثم قتلوه، وكان معاوية بن أبي سفيان يقول: حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان، فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فرقًا من دعوة خبيب، وكانوا يقولون: إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه، زلت عنه.
سيرة ابن هشام (2/ 169 - 173) ونقل عنه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (5/ 498 - 507) وأطال في ذكره، إلا أن محمد بن إسحاق وإن كان إمامًا في المغازي كما قال الشافعي:"من أراد المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق" إلا أنه لم يسند جميع ما ذكره كعادته في كتابه المغازي عمومًا، ولذا قد يقع خلاف بينه وبين من أسنده وإليكم ما أسنده الامام البخاري ومسلم في صحيحيهما من أخبار غزوة الرجيع.
• عن أبي هريرة قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عينًا، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت، وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا حتى إذا كان بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلًا نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزوّدوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد، وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلًا، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم حتى قتلوا عاصمًا في سبعة نفر بالنبل، وبقي خبيب وزيد ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلّوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث الذي معهما: هذا أول الغدر، فأبى أن