الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منتعل بنعلين يَغْلي منهما دماغُه".
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (212) عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن عباس، فذكره.
28 - خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف للدعوة في السنة العاشرة من البعثة وما لقي من أهلها من الأذى
• عن عروة أن عائشة حَدَّثَتْهُ، أنَّها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشدَّ من يوم أحد؟ فقال "لقد لقيت من قومك. وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة. إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال. فلم يجبني إلى ما أردت. فانطلقت وأنا مهموم على وجهي. فلم أستفق إلا بقرن الثعالب. فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني. فنظرت فإذا فيها جبريل. فناداني. فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك. وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم: قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي. ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك لك. وأنا ملك الجبال. وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك. فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين". فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئًا".
متفق عليه: رواه البخاري في بدء الخلق (3231)، ومسلم في الجهاد (1795) كلاهما من حديث ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، حدثني عروة بن الزبير، أن عائشة حدثته فذكر الحديث. واللفظ لمسلم، ولفظ البخاري نحوه.
قوله: "الأخشبين " هما جبلان بمكة أبو قبيس والذي يقابله، والمراد بإطباقهما أن يلتقيا على أهل مكة، وبه قال ابن القيم وابن حجر. انظر: زاد المعاد (3/ 32)، وفتح الباري (6/ 316).
وابن عبد ياليل من أكابر أهل الطائف من ثقيف.
وكان ذلك في شهر شوال سنة عشر من المبعث بعد موت أبي طالب وخديجة.
وذكر موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم لما مات أبو طالب توجه إلى الطائف رجاء أن يؤووه. فعمد إلى ثلاثة نفر من ثقيف وهم سادتهم وهم إخوة: عبد ياليل وحبيب ومسعود بنو عمرو، فعرض عليهم نفسه، وشكى إليهم ما انتهك منه قومه فردوا عليه أقبح رد "الفتح"(6/ 315).
بل أغروا به سفهائهم، فجعلوه يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه صلى الله عليه وسلم وكان معه زيد بن حارثة مولاه يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه.
وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم، ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤووه ويمنعوه ويقول:"لا أكره أحدًا منكم على شيء، من رضي منكم بالذي أدعوه إليه فذلك، ومن كره لم أكرهه، إنما أريد أن تحرزوني مما يراد بي من القتل حتى أبلغ رسالات ربي وحتى يقضي الله عز وجل لي ولمن صحبني بما شاء الله" فلم يقبله أحد منهم، ولم يأت أحد من تلك القبائل إلا قال: قوم الرجل أعلم به أترون أن رجلًا يصلحنا وقد فسدَ قومه ولفظوه، فكان ذلك مما ذخر الله عز وجل للأنصار وأكرمهم به.
فلما توفي أبو طالب ارتدَّ البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد ما كان، فعمد لثقيف بالطائف رجاء أن يؤووه، فوجد ثلاثة نفر منهم سادة ثقيف يومئذ وهم إخوة: عبد يا ليل بن عمرو، وحبيب بن عمرو، ومسعود بن عمرو، فعرض عليهم نفسه، وشكا إليهم البلاء وما انتهك منه قومه.
فقال أحدهم: أنا أمرق أستار الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط.
وقال الآخر: أعجز الله أن يرسل غيرك.
وقال الآخر: والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا أبدًا، والله لئن كنت رسول الله لأنت أعظم شرفًا وحقًا من أن أكلمك، ولئن كنت تكذب على الله لأنت أشر من أن أكلمك. وتهزأوا به وأفشوا في قومهم الذي راجعوه به وقعدوا له صفين على طريقه، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صفيهم جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة، وكان أعدوها حتى أدموا رجليه.
فخلص منهم وهما يسيلان الدماء، فعمد إلى حائط من حوائطهم، واستظل في ظل حبلة منه، وهو مكروب موجع تسيل رجلاه دمًا فإذا في الحائط: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما الله ورسوله، فلما رأيا أرسلا إليه غلاما لهما يدعى عداسًا وهو نصراني من أهل نينوى معه عنب، فلما جاءه عداس، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أي أرض أنت يا عداس! " قال له عداس: أنا من نينوى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى" فقال له عداس: وما يدريك من يونس بن متى؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يحقر أحدًا أن يبلغه رسالة ربه - "أنا رسول الله، والله تعالى أخبرني خبر يونس بن متى". فلما أخبره بما أوحى الله عز وجل من شأن يونس بن متى، خر عداس ساجدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء.
فلما أبصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكنا، فلما أتاهما، قالا: ما شأنك سجدت لمحمد، وقبّلت قدميه، ولم نرك فعلته بأحد منا؟ قال: هذا رجل صالح، أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى: يونس بن متى، فضحكا به، وقالا: لا يفتنك عن نصرانيتك، فإنه رجل خداع فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة.
أخرجه البيهقي في الدلائل (2/ 414 - 316) من طريقه عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب مرسلا.
وذكر ابن إسحاق نحوه بدون إسناد. انظر سيرة ابن هشام (1/ 421) ورواه أبو نعيم في الدلائل (1/ 389 - 392) بإسناد آخر عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، فذكره.
وهو مرسل أيضًا كما أن فيه ابن لهيعة وفيه كلام معروف.
فانصرف راجعًا من الطائف بعد أن أقام عندهم عشرة أيام وكان صلى الله عليه وسلم غلبه الحزن. وفي مرجعه ذلك دعا بالدعاء المشهور دعاء الطائف يشكو إلى الله عز وجل من ضعف حاله:
• عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: لما توفي أبو طالب خرج النبي صلى الله عليه وسلم ماشيًا على قدميه إلى الطائف، ودعاهم إلى الله، فلم يجيبوه، فأتى ظل شجرة، فصلى ركعتين، ثم قال:"اللهم! إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهو اني على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني؟ أو إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي. غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقتْ له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل عليّ غضبك، أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك".
حسن: رواه الطبراني في الكبير (14/ 139 - 140) وفي الدعاء (2/ 1280) وعنه الضياء في المختارة (2/ 1280) وابن عدي في الكامل (6/ 2124)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 275) كلهم من طريق وهب بن جرير بن حازم قال: ثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: فذكره.
وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق وهو وإن لم يصرّح، فإن الأئمة قبلوه في المغازي والسير ما لم يقبلوا منه في الأحكام.
ولذا تلقى أهل العلم هذا الدعاء المسمى بدعاء الطائف بدون إنكار على ابن إسحاق فقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في عدة مواضع في مجموع فتاواه مستدلا به بأن الشكوى إلى الخالق لا تُنافي الصبر الجميل. انظر (10/ 184 - 666) وقال تلميذه الحافظ ابن القيم في زاده (3/ 31): "فانصرف راجعا من الطائف إلى مكة محزونا. وفي مرجعه ذلك دعا بالدعاء المشهور دعاء الطائف" ثم ذكر الدعاء بدون أن يعلق عليه بشيء. فأرسل ملك الجبال وقال: وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت كما جاء في حديث عائشة في أول الباب.
وتصرف ابن هشام فذكره في سيرته (1/ 420) معلقًا بدون الإسناد.