الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعث بن قيس، في وفد كندة، فحدثني الزهري بن شهاب: أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانين راكبا من كندة، فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده وقد رجَّلوا جُمَمَهم وتكحلوا، وعليهم جبب الحبرة وقد كففوها بالحرير، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألم تسلموا؟ " قالوا: بلى، قال:"فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟ "؛ قال: فشقوه منها، فألقوه. سيرة ابن هشام (2/ 585).
14 - وفد بني فزارة، وكان سنة تسع
قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر الجمحي، عن أبي وجزة السعدي قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، وكانت سنة تسع، قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلًا، فيهم؛ خارجة بن حصن، والحارث بن قيس بن حصن، وهو أصغرهم، على ركاب عجاف، فجاءوا مقرين بالإسلام، وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم، فقال أحدهم: يا رسول الله أسنتتْ بلادُنا، وهلكت مواشينا، وأجدب جنابُنا، وغرث عيالُنا، فادع الله لنا، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ودعا فقال:"اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا طبقًا واسعًا عاجلًا غير آجلٍ، نافعًا غير ضارٍ، اللهم اسقنا سقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا هدم ولا غرق ولا محق، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء" فمطرت فما رأوا السماء سبتًا، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فدعا فقال:"اللهم حوالينا ولا علينا، على الآكام والظراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر"، قال: فانجابت السماء عن المدينة انجياب الثوب.
أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 297) عن الواقدي، وفيه مع الواقدي إرسال، فإن أبا وجزة وهو يزيد بن عبيد من صغار التابعين إلا أن هذا الدعاء ثابت بأسانيد متصلة، انظر: كتاب الأدعية.
15 - باب وفد بني حنيفة ومعهم مسيلمة الكذاب، وكان ذلك بعد سنة تسع
• عن ابن عباس قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فقال:"لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني" ثم انصرف عنه.
قال ابن عباس: فسألت عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك أرى الذي أريت فيه ما أريت" فأخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم رأيت في يَدَيَّ سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام: أنِ انفخهما، فنفختهما فطارا،
فأولتهما كذابين يخرجان بعدي" أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة.
متفق عليه: رواه البخاري في المغازي (4373) ومسلم في الرؤيا (2273 - 2274: 21) كلاهما من طريق شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين، حدثنا نافع بن جبير، عن ابن عباس، قال: فذكره.
• عن أبي هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم، أتيت بخزائن الأرض، فوُضِع في كفِّي سواران من ذهب، فكَبُرَا عليَّ، فأوحى الله إلي أن انفخهما، فنفختهما، فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة".
متفق عليه: رواه البخاري في المغازي (4375) ومسلم في الفضائل (2274: 22) كلاهما من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، أنه سمع أبا هريرة، فذكره.
• عن ابن عبيدة بن نشيط -وكان في موضع آخر اسمه عبد الله- أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث، وكان تحته بنت الحارث بن كريز، وهي أم عبد الله بن عامر، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وهو الذي يقال له خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيب، فوقف عليه فكلمه، فقال له مسيلمة: إن شئت خليت بيننا وبين الأمر ثم جعلته لنا بعدك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه، وإني لأراك الذي أريت فيه ما أريت، وهذا ثابت بن قيس، وسيجيبك عني"، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم.
صحيح: رواه البخاري في المغازي (4378) عن سعيد بن محمد الجرمي، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن عبيدة بن نشيط، فذكره.
قال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال: حدثني الضحاك بن عثمان، عن يزيد ابن رومان.
وقال: محمد بن سعد: وأخبرنا علي بن محمد القرشي، عن من سَمَّى من رجاله قالوا: قدم وفد بني حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلًا، فيهم رحَّال بن عُنفوة، وسلمى بن حنظلة السحيمي، وطلق بن علي بن قيس، وحمران بن جابر من بني شمر، وعلي بن سنان، والأقعس بن مسلمة، وزيد بن عبد عمرو، ومسيلمة بن حبيب، وعلى الوفد سلمى بن حنظلة، فأنزلوا دار رملة بنت الحارث، وأجريت عليهم ضيافة، فكانوا يؤتون بغداء وعشاء، مرة خبزًا ولحمًا، ومرة خبرًا ولبنًا، ومرة خبزًا وسمنًا، ومرة تمرًا نثر لهم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسلموا عليه، وشهدوا شهادة الحق، وخلَّفوا مسيلمة في رحلهم، وأقاموا أيامًا يختلفون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رحَّال بن عُنفوة يتعلم القرآن من أبي بن كعب، فلما أرادوا الرجوع إلى بلادهم أمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوائزهم خمس أواق لكل رجل، فقالوا: يا رسول الله، إنا خلفنا صاحبًا لنا في رحالنا
يُبصرها لنا، وفي ركابنا يحفظها علينا، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به لأصحابه، وقال:"ليس بشركم مكانًا لحفظه ركابكم ورحالكم"، فقيل ذلك لمسيلمة، فقال: عرف أن الأمر إلي من بعده، ورجعوا إلى اليمامة وأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إداوةً من ماء فيها فضل طهور، فقال:"إذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم، وأنضحوا مكانها بهذا الماء، واتخذوا مكانها مسجدًا" ففعلوا، وصارت الإداوة عند الأقعس بن مسلمة، وصار المؤذن طلق بن علي، فأذن فسمعه راهب البيعة، فقال: كلمة حق، ودعوة حق! وهرب، فكان آخر العهد به، وادعى مسيلمة -لعنه الله- النبوة، وشهد له الرحَّال بن عُنفوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشركه في الأمر فافتتن الناس به.
أخرجه في طبقاته (1/ 306 - 317) ومحمد بن عمر هو الواقدي، وفي الإسناد الثاني رجال لم يسموا.
ويستفاد منه أن عددهم بضعة عشر رجلا.
قال ابن إسحاق: وكان منزلهم في دار بنت الحارث امرأة من الأنصار، ثم من بني النجار، فحدثني بعض علمائنا من أهل المدينة: أن بني حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه. معه عسيب من سعف النخل في رأسه خوصات، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلمه وسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه".
قال ابن إسحاق: وقد حدثني شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا.
زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلَّفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا مكانه، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وفي ركابنا يحفظها لنا، قال: فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به للقوم، وقال:"أما إنه ليس بشركم مكانا"؛ أي لحفظه ضيعة أصحابه، وذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءوه بما أعطاه، فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم، وقال: إني قد أشركت في الأمر معه. وقال لوفده الذين كانوا معه: ألم يقل لكم حين ذكرتموني له: "أما إنه ليس بشركم مكانا"؛ ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت في الأمر معه، ثم جعل يسجع لهم السجعات، ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن:"لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشا"، وأحل لهم الخمر والزنا، ووضع عنهم الصلاة وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نبي، فأصفقت معه حنيفة على ذلك، فالله أعلم أي ذلك كان. سيرة ابن هشام (2/ 576 - 577).
وقد دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين مسيلمة الكذاب الكتاب التالي:
• عن نعيم بن مسعود الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للرسولين حين قرآ كتاب مسيلمة الكذاب: "فما تقولان أنتما؟ " قالا: نقول كما قال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما".
حسن: رواه أبو داود (2761) وأحمد (15989) والترمذي في العلل الكبير (2/ 953) والحاكم (3/ 52 - 53 و 2/ 142 - 143) كلهم من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني سعد بن طارق الأشجعي، عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي، عن أبيه، فذكره.
وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق، فإنه حسن الحديث إذا صرّح.
وقال الترمذي: "سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: قد رواه ابن أبي زائدة أيضا عن سعد ابن طارق، ورآه حديثا حسنا".
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
وذكر ابن إسحاق أيضا أن مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب، بعثه مع رسولين، هذا نصه:"من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله: سلام عليك؛ أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا قوم يعتدون". فقدم عليه رسولان له بهذا الكتاب.
قال ابن إسحاق: فحدثني شيخ من أشجع، عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي، عن أبيه نعيم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما حين قرأ كتابه: "فما تقولان أنتما؟ " قالا: نقول كما قال، فقال:"أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربتُ أعناقكما".
ثم كتب إلى مسيلمة: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب: السلام على من اتبع الهدى. أما بعد! فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين". وذلك في آخر سنة عشر.
ذكره ابن هشام في سيرته (2/ 600 - 601)
وأما إيراد البخاري قصة ثمامة بن أثال من حديث أبي هريرة (4372) في وفد بني حنيفة ففيه وهم؛ فإنه لم يكن في وفد بني حنيفة، ولو كان في الوفد لما قدم به في الوثاق، ولما ربط في سواري المسجد، بل إنه قد أسلم في سنة ست، قبل وفد بني حنيفة الذي جاء إلى المدينة بعد الفتح وقبل السنة العاشرة، وقد تقدم ذكر إسلامه في سرية محمد بن مسلمة قبل نجد سنة ست.
وأصاب الحافظ البيهقي فذكر قصته في سرية نجد -الدلائل (4/ 78) - التي كانت في السنة السادسة، وأورد فيه حديث أبي هريرة المشار إليه، ولم يذكر في وفد بني حنيفة ثمامة بن أثال. الدلائل (5/ 330).
وأما كونه جاء رسولا لمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي في حديث ضعيف عن عبد الله بن مسعود قال: قد جاء ابن الفوَّاحة، وابن أثال رسولين لمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتشهدان أني رسول الله؟ " فقالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آمنت بالله ورسله، لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما".