الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: كنت كاهنهم في الجاهلية، قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال: بينما أنا يومًا في السوق، جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها، ويأسها من بعد إنكاسها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها. قال عمر: صدق، بينما أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ، لم أسمع صارخًا قط أشد صوتًا منه يقول: يا جليح! أمر نجيح، رجل فصيح. يقول: لا إله إلا أنت، فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح! أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، فقمت، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي.
صحيح: رواه البخاري في مناقب الأنصار (3866) عن يحيى بن سليمان قال: حدثني ابن وهب، قال: حدثني عمر، أن سالمًا حدثه عن عبد الله بن عمر، فذكره.
وعمر شيخ ابن وهب هو: عمر بن محمد بن زيد.
وقوله: مر به رجل جميل: هو سواد بن قارب السدوسي كما في رواية ابن أبي خيثمة وغيره من طريق أبي جعفر الباقر قال: دخل رجل يقال له: سواد بن قارب السدوسي على عمر فقال: يا سواد! أنشدك الله هل تحسن من كهانتك شيئًا؟ فذكر القصة. انظر" الفتح"(7/ 179).
وقال ابن إسحاق: "وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدّث أن أول العرب فزع للرمي للنجوم حين رُمي بها. وهذا الحي من ثقيف. أنهم جاؤوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بني علاج. قال: وكان أدهى العرب وأنكرها رأيًا فقالوا له: يا عمرو! ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم؟ قال: بلى، فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يُهتدى بها في البر والبحر، وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يُصلح الناس في معايشهم، هي التي يرمى بها فهو والله طي الدنيا. وهلاك هذا الخلق الذي فيها، وإن كان نجومًا غيرها، وهي ثابتة على حالها فهذا لأمر أراد الله به هذا الخلق فما هو؟ انتهى.
32 - باب إنذار يهود المدينة برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث
• عن سلمة بن سلامة بن وقش، - وسلمة من أصحاب بدر - قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، فوقف على مجلس بني عبد الأشهل، قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنًّا، عليَّ بردة مضطجعًا فيه بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، فقال: ذلك لقوم أهل شرك، أصحاب أوثان لا يرون أن بعثًا كائن بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان! ترى هذا كائنًا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار، ويجزون فيها بأعمالهم؟ ! قال: نعم، والذي يحلف به لوَدَّ أن له
بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمّونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه، وأن ينجو من تلك النار غدًا. قالوا له: ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمن، قالوا: ومتى تراه؟ قال: فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنًّا، فقال: إن يستنفذ هذا الغلام عمرَه يدركه. قال سلمة: فوالله! ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وهي حي بين أظهرنا، فآمنا به، وكفر به بغيًا وحسدًا، فقلنا: ويلك يا فلان! ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى وليس به.
حسن: رواه أحمد (15841) والطبراني في الكبير (7/ 47) والحاكم (3/ 417 - 418) والبيهقي في الدلائل (2/ 78) كلهم من طريق محمد بن إسحاق وهو في سيرة ابن هشام (1/ 212) قال: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل، عن سلمة بن سلامة بن وقش، فذكره.
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
قلت: إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق فإنه حسن الحديث إذا صرّح.
وسلمة بن سلامة بن وقش من أهل العقبة الأوى والثانية. وشهد بدرًا والمشاهد بعدها.
• عن ابن عمر قال: حاربت النضير وقريظة. فأجلى بني النضير وأقرّ قريظة ومنّ عليهم، حتى حاربت قريظة. فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين، إلا أن بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فآمنَهم وأسلموا. وأجلى يهود المدينة كلهم. بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلّام، ويهودَ بني حارثة، وكلَّ يهود المدينة.
متفق عليه: رواه البخاري في المغازي (4028) ومسلم في الجهاد (1766) كلاهما من حديث عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، فذكره.
قوله: بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فآمنهم وأسلموا: كان منهم ثعلبة بن سعْية وأسيد بن سعْية وأسد بن عبيد ونفر من بني هَدْل إخوة بني قريظة.
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال لي: هل تدري عم كان إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد، نفر من بني هدل، إخوة بني قريظة، كانوا معهم في جاهليتهم، ثم كانوا سادتهم في الإسلام. قال: قلت: لا والله! قال: فإن رجلًا من يهود من أهل الشام، يقال له: ابن الهيّبان، قدم علينا قبيل الإسلام بسنين، فحل بين أظهرنا، لا والله ما رأينا رجلًا قط لا يصلي الخمس أفضل منه، فأقام عندنا فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له: اُخرج يا ابن الهيبان! فاستسق لنا، فيقول: لا والله! حتى تُقدّموا بين يدي مخرجكم صدقة، فنقول
له: كم؟ فيقول؟ صاعًا من تمر: أو مدّين من شعير. قال: فنخرجها ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرّتنا فيستسقي الله لنا. فوالله! ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ونُسقى، قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث. قال: ثم حضرته الوفاة عندنا. فلما عرف أنه ميّت، قال: يا معشر يهود! ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قال: قلنا: إنك أعلم، قال: فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكفُّ (أي أتوقّع) خروج نبي قد أظل زمانه، وهذه البلدة مهاجَره، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه، وقد أظلّكم زمانه، فلا تسبقُن إليه يا معشر يهود! فإنه يبعث بسفك الدماء، وسبي الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعُكم ذلك منه. فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصر بني قريظة، قال هؤلاء الفتية وكانوا شَبابًا أحداثًا: يا بني قريظة! والله! إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيّبان، قالوا: ليس به، قالوا: بلى والله! إنه لهو بصفته، فنزلوا وأسلموا، وأحْرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم.
قال ابن إسحاق: فهذا ما بلغنا عن أخبار يهود.
وقال ابن إسحاق: "وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن رجال من قومه، قالوا: إن مما دعانا إلى الإسلام - مع رحمة الله تعالى وهداه لنا لما كنا نسمع من رجال يهود وكنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب، عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون، قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم فكنا كثيرًا ما نسمع ذلك منهم، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه، فآمنا به، وكفروا به، ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] ومن طريق ابن إسحاق أخرجه البيهقي في الكبرى (9/ 114). انظر سيرة ابن هشام (1/ 211 - 214).
كان من سكان يثرب قبل الإسلام، العرب من الأوس والخزرج، الذين نزحوا من اليمن في فترات مختلفة قبل مئات السنين من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما اليهود فليسوا من سكان يثرب، وإنما جاؤوا من بلاد الشام واليمن لما علموا زمن بعثة نبي آخر الزمان، - وكان ذلك قبل البعثة في حدود خمسين سنة - بحثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يكون مهجره يثرب حسب ما وجدوا في كتبهم لينضموا تحت لواء ملكه لمحاربة أعدائهم من الرومان. ومن أشهر قبائلهم بنو النضير وبنو قريظة، وأما بنو قينقاع فيختلف فيه آراء المؤرخين فمنهم من يقول: إنهم عرب تهودوا، ولكن من المعروف أن اليهود ما كانوا يقبلون انضمام غير بني إسرائيل إلى اليهودية.
وقد عرف من تاريخ بني إسرائيل أنهم كانوا يؤثرون التجارة والزراعة على السياسة فقد تمكنوا عندما كانوا في مصر أن استولوا على أخصب الأراضي الزراعية، وكذلك تمكنوا أن استولوا على أخصب الأراضي في جنوب يثرب لكثرة الأودية والسيول. فكان من أشهر مساكنهم العوالي وقباء وما حولها، وكان بين اليهود والعرب سجال مستمر حتى بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم، فتسابق كل من اليهود