الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد مرَّ استعمال الفقهاء له بالمعنى السالف ذكره فى توْصِيف الأَقْضِيَة (1).
ثانيًا: تنزيل الأحكام الكلية على الوقائع القضائية:
التنزيل لغة: مصدر من الرباعي (نَزَّل)، ونزَّل الشيء أنزله، والشيء رتبه ووضعه منزله (2).
وقد استعمله الفقهاء مرادًا به تَوْصِيف الأَقْضِيَة؛ من ذلك ما ذكره ابن نجيم (ت: 970 هـ) فقد قال في تعريف علم القضاء بأَنَّه: "الفقه بالأحكام الكلية مع العلم بكيفية تنزيلها على النوازل الواقعة"(3).
ثالثًا: تحقيق المناط بتعيين محل الحكم الشرعي الكلي:
التحقيق لغة: مصدر من الرباعي حَقَّقَ؛ فيقال: تحقَّق الأمر والشيء عَرَفَ حقيقته وصار منه على يقين (4)، وتحقق الأمرُ: صَحَّ ووقع (5).
(1) انظر ذلك في الموضوع الأول من هذا التمهيد، الموافقات 4/ 90.
(2)
مختار الصحاح ص 655، المصباح المنير 2/ 601، الوسيط لمجمع اللغة 2/ 915.
(3)
الأشباه والنظائر ص 388، وانظر في المعنى نفسه: الموافقات 4/ 246.
(4)
مختار الصحاح ص 147، المصباح المنير 1/ 144، الوسيط لمجمع اللغة 1/ 188.
(5)
الوسيط لمجمع اللغة 1/ 188.
والمناط لغة: اسم لموضع التعليق، وناط الشيء علقه (1).
والمراد بـ (تحقيق المناط) هنا: تطبيق الحكم الكلي على الواقعة القضائية.
وقد أطَلَقَ تحقيقَ المناط على تنزيل الأحكام الكلية على الوقائع في القضاء والفتوى- وهو التَّوْصِيف- عددٌ من الأصوليين، منهم الشاطبي (ت: 790 هـ)، فقد قسم الاجتهاد قسمين:
أحدهما: لا ينقطع إلَّا عند فناء الدنيا يوم قيام الساعة؛ لزوال التكليف.
والثاني: يمكن أَنْ ينقطع قبل فناء الدنيا (2).
والمراد بالقسم الثاني: بيان وجود العلة المَنْصُوص عليها في الفرع، وهو القياس (3).
وأَمَّا القسم الأول فالمراد به: تنزيل الأحكام الكلية على الوقائع، وقد قال عنه الشاطبي:"ومعناه أَنْ يثبت الحكم بمدركه الشرعي- أيْ: بدليله- لكن يبقى النظر في تعيين محله"(4).
(1) المصباح المنير 2/ 630، مختار الصحاح ص 685.
(2)
الموافقات 4/ 89.
(3)
الموافقات 4/ 95، شرح مختصر الروضة 3/ 235.
(4)
الموافقات 4/ 90.
وقال عنه- أيضًا- (1): "فكأَنَّه- يعني: الذي ينزل الأحكام على الوقائع- يخص عموم المكلفين والتكاليف بهذا التحقيق، لكن مما ثبت عمومه في التحقيق الأول العام (2)، ويقيد به ما ثبت إطلاقه في الأول، أَوْ يضم قيدًا أَوْ قيودًا لما ثبت له في الأول بعض القيود، هذا معنى تحقيق المناط هنا". فالنظر في محل الحكم بتحليته بالأوصاف الشرعية المقررة في الحكم الكلي هو التَّوْصِيف الذي سلف ذكره.
وقال عنه الطوفي (ت: 716 هـ): "أَنْ يكون هناك قاعدة شرعية متفق عليها أَوْ مَنْصُوص عليها وهي الأصل، فيبين المجتهد وجودها في الفرع"(3)، ومثَّل لذلك: بأَنَّ نفقة الزوجة والأقارب واجبة بقدر الكفاية، ثُمَّ قال:"فوجوب قدر الكفاية متفق عليه، أَمَّا كون الكفاية رطلًا أَوْ رطلين فيعلم بالاجتهاد"(4).
وقال أيضًا: "ومن هذا الباب من أتلف شيئًا فعليه ضمانه بمثله أَوْ قيمته فهذا متفق عليه، لكن كون هذا مثلًا له أَوْ هذا المقدار قيمته
(1) الموافقات 4/ 98 - 99.
(2)
يعني به: تحقيق المناط بتقرير وتصوير النُّصُوص على الوقائع في الذهن مستمدًا من النُّصُوص الشرعية، وهو عمل الفقيه، مثل تعيين المثل في جزاء الصيد [الموافقات 4/ 97].
(3)
شرح مختصر الروضة 3/ 233.
(4)
المرجع السابق 3/ 234.
فهو اجتهادي" (1).
وقال: "إنَّ هذا ليس بقياس"(2).
فالاجتهاد بتعيين قدر الكفاية عند النزاع أَوْ تعيين الضمان بالمثل أَوْ القيمة هو التَّوْصِيف المطلوب تحلية الواقعة المتنازع فيها به.
وقال الشنقيطي (ت: 1393 هـ): "المناط هنا ليس بمعناه الاصطلاحي؛ لأَنَّه ليس المراد به العلة، وإنَّما المراد به النَّصّ العام، وتطبيق النَّصّ في أفراده هو هذا النوع من تحقيق المناط"(3).
وقال الشاطبي (ت: 790 هـ) - وهو يتحدث عن المفتي وعمله في تَوْصِيف الواقعة بإنزال الحكم عليها-: "لا بُدَّ من نظره فيه- أيْ: فيما يبلغه عن ربه- من جهة فهم المعاني من الألفاظ الشرعية، ومن جهة تحقيق مناطها وتنزيلها على الأحكام
…
وعلى الجملة فالمفتي مخبر عن الله كالنبي، ومُوَقِّع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره" (4).
فتبين أَنَّه لا بُدَّ من تَوْصِيف الواقعة من قبل المفتي أَوْ القاضي،
(1) المرجع السابق نفسه 3/ 234.
(2)
المرجع السابق 3/ 236.
(3)
مذكرة أصول الفقه ص 244.
(4)
الموافقات 4/ 246.