الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث إمكان الاجتهاد في كل عصر
إنَّ الاجتهاد ممكن في كل عصر، فلم يقفل بابه، وقد تيسرت أسبابه وموجباته في هذا الزمن مما لم يكن في الزمن الأول؛ فبينت آيات الأحكام ومواضعها وفُسِّرت، وجُمعت السنة وشُرحت، وتيسر معرفة الحكم على الأحاديث وطرق الشواهد والاعتبار، وَدُوِّنَ الفقه وأصول الفقه والعربية، وقُرِّبت هذه العلوم إلى الفهوم، وتيسرت وسائل طباعة الكتاب وانتشاره، وحفظ المعلومات واسترجاعها، ولم يبق إلَّا التشمير لبلوغ هذا المنصب من قبل فريق من الأمة؛ استعدادًا لمواجهة النوازل، وذلك فرض لا يجوز تركه حتى لا يخلو عصر من قائم بالحجة؛ يقول ابن حمدان (ت: 695 هـ) - في إمكان وجود المجتهد المطلق-: "ومنذ زمن طويل عُدِم المجتهد المطلق، مع أَنَّه الآن أيسر منه في الزمن الأول؛ لأَنَّ الحديث والفقه قد دُوِّنا، وكذا ما يتعلق بالاجتهاد من الآيات والآثار وأصول الفقه والعربية وغير ذلك، لكن الهمم قاصرة، والرغبات فاترة، ونار الجد
والحذر خامدة، اكتفاءً بالتقليد، واستغناءً من التعب الوكيد، وهربًا من الإِثقال، وأربًا في تمشية الحال وبلوغ الآمال ولو بأقل الأعمال، وهو فرض كفاية قد أهملوه وملوه، ولم يعقلوه ليفعلوه" (1).
فعلى أهل العلم وحملته يقع عبء التأهيل والاستعداد لهذا المنصب العظيم، وقد اشتدت الحاجة إليه لمواجهة النوازل الجديدة بالأحكام الكلية الفقيهة.
ولا يخلو عصرنا- بحمد الله- من قائم بهذه الفريضة- أعني مواجهة النوازل بالأحكام- بخاصة الاجتهاد الجماعي الذي تيسرت أسبابه ووسائله عن ذي قبل عن طريق المجامع الفقهية، ولا شك أَنّه بالمشاركة في الدراسة والمباحثة والتأمل للنوازل تذلل الصعاب، وتتلاقح الفهوم، ويكمل بعضها بعضًا، وينضج الاجتهاد ويقارب السداد.
ولا يعني ذلك الحجر على القادرين عليه من الآحاد، بل كلٌّ على ثغرة يقوم بما أوجب الله عليه من أمره.
* * *
(1) صفة الفتوى 17، وفي المعنى نفسه: انظر المدخل لابن بدران 386، العقود الياقوتية 123.