الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصفات المذكورة، فكلما كثرت الأوصاف المخصصة المميزة للذات من غيرها كانت رتبة التخصيص والتقييد فيها أعلى.
وعلى كلٍّ فالإِطلاق والتقييد أمران نسبيان، فمطلق لا مطلقَ بعده مثل:(معلوم)، ومقيد لا مقيدَ بعده مثل:(زيد)، وبينهما وسائط (1).
حكم العمل بالمطلق والمقيد:
يجب حمل النَّصّ المطلق على إطلاقه والعمل به من هذا الوجه ما لم يثبت المقيد.
كما يجب حمل النَّصّ المقيد على تقييده، والعمل به من هذا الوجه، سواء كان المقيد متصلًا أَمْ منفصلًا، فلا يجوز والحالة هذه العمل بالمطلق دون حمله على المقيد، فالمقيد ها هنا مقدم على المطلق وحاكم عليه، لا فرق في ذلك بين الكتاب والسنة، والمتواتر والآحاد، والمتقدم والمتأخر (2).
شروط حمل المطلق على المقيد:
ليس كل مطلق يحمل على المقيد، بل لا يحمل عليه إلَّا إذا تحققت شروط هي:
(1) شرح مختصر الروضة 2/ 633، شرح الكوكب المنير 3/ 393، 395.
(2)
الفقيه والمتفقه 1/ 111، مجموع الفتاوى 34/ 43، القواعد والأصول الجامعة لابن سعدي 72، معالم أصول الفقه 444.
1 -
أَنْ يكون الحكم فيهما واحدًا، فإن اختلف الحكم فلا يحمل مطلق على مقيد.
مثال التقييد: اتحاد الحكم في قوله- تعالى- في كفارة الظهار: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]، وقوله - تعالى- في كفارة القتل:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، فالحكم واحد، وهو تحرير الرقبة، فيجب تقييد المطلق في كفارة الظهار بالمقيد في كفارة القتل، ويشترط الإِيمان في الرقبة في كل منهما.
ومثال ما اختلف فيه الحكم ولم يحمل أحدهما على الآخر: قوله- تعالى-: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، وقوله- تعالى- في آية الوضوء:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]، فالحكم مختلف، ففي الأولى قطع، وفي الثانية غسل، فلا تقيَّد الأولى بالثانية، بل تبقى على إطلاقها، ويكون القطع من الكوع مفصل الكف، والغسل إلى المرافق (1).
2 -
أَنْ يقوم الدليل الصَّحِيح على تقييد المطلق.
فلا يحمل مطلق على مقيد إلَّا بمقيِّد من كتاب أَوْ سنة ونحوهما من المقيِّدات (2)، قال ابن النجار (ت: 972 هـ): "وهما- أي
(1) الأصول من علم الأصول 52.
(2)
معالم أصول الفقه 444.
المطلق والمقيد- كعَامّ وخَاصّ فيما ذكر من تخصيص العموم من متفق عليه، ومختلف فيه، ومختار من الخلاف، فيجوز تقييد الكتاب بالكتاب وبالسنة، وتقييد السنة بالسنة وبالكتاب، وتقييد الكتاب والسنة بالقياس ومفهوم الموافقة والمخالفة، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وتقريره، ومذهب الصَّحَابِيّ، ونحو ذلك على الأصَحِّ في الجميع" (1).
3 -
عدم المانع من حمل المطلق على المقيد.
فإذا وجد مانع من حمل المطلق على المقيد فلا حمل، ومن الموانع ما يلي (2):
(أ) تضاد القيدين ولا مرجح لأحدهما على الآخر.
وذلك مثل تقييد صوم الظهار بالتتابع في قوله- تعالى-: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4]، وتقييد صوم التمتع بالتفريق في قوله- تعالى-:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] مع إطلاق صوم قضاء رمضان في قوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184، 185].
(ب) إذا وجدت قرينة مانعة من الحمل، كأَنْ يستلزم حملُ المطلق على المقيد تأخيرَ البيان عن وقت الحاجة، وذلك مثل
(1) شرح الكوكب المنير 3/ 395.
(2)
بدائع الفوائد 3/ 349، 250، شرح الكوكب المنير 3/ 409، مذكرة الشنقيطي 234، معالم أصول الفقه 445.
اشتراطه صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما: "قطع أسفل الخفين للمحرم الذي لم يجد النعلين"(1)، فهذا مقيد، وكان ذلك في المدينة، والمطلق: أنّه لم يشترط صلى الله عليه وسلم القطع، بل أطلق لبس الخفين كما في حديث ابن عباس- رضي الله عنه، وكان ذلك في عرفات (2)، فلا يحمل هنا المطلق على المقيد، ويصير القطع منسوخًا.
* * *
(1) أصل الحديث متفق عليه، فقد رواه البخاري (الفتح 3/ 401)، وهو برقم 1542، ومسلم 2/ 834، وهو برقم 1177.
(2)
أصل الحديث متفق عليه، فقد رواه البخاري (الفتح 10/ 272)، وهو برقم 5804، ومسلم 2/ 835، وهو برقم 1178.