الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول المراد بالاجتهاد
الاجتهاد لغة: بذل الوسع لإِدراك أمر شاق (1).
والاجتهاد في الاصطلاح: بذل الفقيه جهده في استنباط حكم شرعي من أدلته المقررة شرعًا (2).
وقد اشتمل هذا التعريف على القيود التالية (3):
1 -
أَنَّ الاجتهاد لا يكون إلَّا من فقيه مؤهل:
والمراد به من شأنه الفقه بتحقق شروط المجتهد فيه، من إحاطته بأدلة الأحكام من الكتاب، والسنة، والقياس، والاسْتِصْحَاب، وغيرها مما يدرك به الحكم، ولديه معرفة بمقاصد
(1) مختار الصحاح 114، المصباح المنير 1/ 112.
(2)
شرح الكوكب المنير 4/ 458، شرح مختصر الروضة 3/ 575، 576، معالم أصول الفقه 470.
(3)
شرح الكوكب المنير 4/ 458، المدخل لابن بدران 367، معالم أصول الفقه 470، 479، 481.
الشريعة، والناسخ والمنسوخ من الكتاب والسنة، وأسباب النزول، ومواقع الإِجماع والخلاف، وصَحِيح الحديث وضعيفه، عالمًا بالقدر اللازم لفهم الكلام من لسان العرب، عارفًا بالعام والخاص، والمطلق والمقيد، والنَّصّ والظاهر والمؤول، والمجمل والمبين، والمنطوق والمفهوم، والمحكم والمتشابه، والأمر والنهي، بالقدر الذي يتعلق بإدراك مقاصد الخطاب ودلالة الألفاظ بحيث تتكون لديه ملكة وقدرة على استنباط الأحكام من أدلتها؛ وفي الجملة لا بُدَّ أَنْ يكون عالمًا بأصول الشريعة وبصفة الاستفادة منها مرتاضًا بفروعها.
2 -
أَنْ يبذل الفقيه جهده لاستنباط الحكم:
والمراد بذل الفقيه غاية جهده، ولا يكتفي بأدنى الجهد، ولذلك ذكر الأصوليون أَنَّ الاجتهاد منه تام وناقص، وأَنَّ التام هو بذل غاية الجهد بحيث يشعر المجتهد بالعجز عن المزيد.
والناقص هو النظر المطلق في تَعَرُّف الحكم بحيث لا يبلغ به تحصيل الحكم على وجه التمام، وتختلف مراتبه بحسب الأحوال.
ومثال ذلك في العاديات: من سقط منه درهم في تراب، فقلب التراب برجله، فلم يظفر به، فتركه وذهب، وجرى ذلك لآخر، فجاء بالغربال، فغربل التراب حتى يجد الدرهم أَوْ يغلب على ظنه أَنَّه لن يجده؛ فالأول اجتهاد ناقص، والثاني تام، وهو المراد عند الإِطلاق.
والاجتهاد بهذا المفهوم أعم من القياس، فهو يشمل القياس وغيره، على أَنَّ من الأحكام ما يدرك مباشرة من الدليل، لأَنَّه مجمع عليه، كوجوب الصلوات الخمس، أَوْ لأَنَّ النَّصّ فيه صريح، كحد القاذف المدرك من قوله- تعالى-:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]، فهذا وإن لم يسم اجتهادًا لأَنَّه لا يحتاج من الفقيه مبلغ جهده إلَّا أَنّه لا يدرك الجزم به بيقين أَوْ غلبة ظن إلَّا فقيه له علم بمواقع الإِجماع، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، وصِحَّة الحديث وضعفه، وغيرها من العلوم والفنون التي يحتاجها الفقيه، ولو مع ظهور النَّصّ.
3 -
أَنْ يكون المجتهد فيه من الأحكام الشرعية:
فلا يدخل في ذلك الاجتهادُ في العقليات والمحسوسات، لأَنَّ الاجتهاد فيها لا يتطلب النظر في الأدلة، نعم قد يحتاج المجتهد إلى شيء من الاجتهاد في العقليات أَوْ الحسيات ونحوها لإِدراك دليل وقوع الحكم، ولكن ذلك يخرج عن الاجتهاد في دليل مشروعيته، وقد يحصل المجتهد ذلك عن طريق أهل الخبرة إذا استدعى ذلك بيان حكم المسألة.
* * *