الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محدودة (1)، ثم حكموا في كل وأقعة عنَّتْ، ولم يجاوزوا وضع الشرع ولا تعدوا حدوده، فعلمونا أَنَّ أحكام الله - تعالى - لا تتناهى في الوقائع، وهي مع انتفاء النهاية عنها صادرة عن قواعد مضبوطة" (2).
2 - الأعراف المتغيرة:
يوجد في مدونات الفقهاء وكتبهم أحكامٌ فقهية مبنية على أعراف قد تغيرت؛ فهذه الأحكام قد مضت على ما لاقت من وقائع، ولكنَّ ما يستأنف من الحوادث فإنَّه يقابل باستنباط وتقرير حكمه مراعىً فيه العرف المتغير، سواء كان ذلك في العقود، أَمْ العيوب، أَمْ المنافع، أَمْ الألفاظ، أَمْ غيرها.
ومن هنا تبرز أهمية معرفة الأعراف الجارية وقت تقرير الحكم زمن الفقيه الَّذي قرره، فهي تُعَرِّفُك على أصول تقريره، وأصول تغييره (3).
(1) يعني الجزئيات المنصوص عليها، لا الأصول والضوابط والأدلة العَامَّة، فإنها مستوفية لجميع شؤون الحياة، قادرة على استيعاب جميع المستجدات.
(2)
الغياثي 226.
(3)
البهجة 1/ 45، المدخل الفقهي للزرقاء 2/ 923، أثر العرف في التشريع الإِسلامي 555، المقاصد العامة 176، حاشية الشرواني 4/ 357، رسم المفتي 45، مقاصد الشريعة 141، تغيير الفتوى للغطيمل، بحث منشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة 7، 55، عدد 35، وانظر في تغير عوائد الأمم وأحوالهم: مقدمة ابن خلدون 1/ 320.
يقول القرافي (ت: 684 هـ): "إنَّ إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلافُ الإِجماع، وجهالةٌ في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغيير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة، وليس تجديدًا للاجتهاد من المقلدين"(1).
والمراد أنّه يستنبط من الأحكام، ويقرر ما يواجه الوقائع والأعراف المتغيرة والمتجددة، أَمَّا ما مضى منها فعلى حكمها قبل تغيرها، وقد وقع موقعه فيها؛ يقول القرافي - أيضًا -: "الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت، وتبطل معها إذا بطلت، كالنقود في المعاملات، والعيوب في الأعراض في البياعات، ونحو ذلك
…
وكذلك إذا كان الشيء عيبًا في الثياب في عادة رَدَدْنَا به المبيع، فإذا تغيرت العادة وصار ذلك المكروه محبوبًا موجبًا لزيادة الثمن لم تُرَدَّ به.
وبهذا القانون نعتبر جميع الأحكام المترتبة على العوائد، وهو تحقيق مجمع عليه بين العلماء لا خلاف فيه
…
وعلى هذا القانون تراعى الفتاوى على طول الأيام مهما تجدد في العرف فاعتبره، ومهما سقط فأسقطه، ولا تَجْمُدْ على المسطور في الكتب طول عمرك، بل
(1) الإِحكام 111 (ط: المكتب الثقافي في القاهرة وقارن ذلك بطبعة مكتب المطبوعات الإِسلامية حلب من سوريا 231 - 232 تحقيق عبد الفتاح أبو غدة)، وفي المعنى نفسه انظر: الفروق 1/ 44 - 46.
إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تُجْرِهِ على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأَجْرِهِ عليه، وأَفْتِهِ به دون عرف بلدك والمقررِ في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمودُ على المنقولات أبدًا ضلالٌ في الدين، وجهلٌ بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين، وعلى هذه القاعدة تتخرج أيمان الطلإق، والعتق، وصيغ الصرائح والكنايات؛ فقد يصير الصريح كناية يفتقر إلى النية، وقد تصير الكناية صريحًا مستغنية عن النية
…
" (1).
وقد نقل ابن القَيِّمِ (ت: 751 هـ) معنى ذلك عن المالكية، ثم عقب عليه بقوله:"وهذا محض الفقه، ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضلَّ وأضلَّ، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبَّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضرُّ ما على أديان الناس وأبدانهم"(2)، وهذا ظاهر، وهو من أسباب اختلاف أقوال الأئمة في المسألة الواحدة، كأَنْ يقول فيها بقول وهي على
(1) الفروق 1/ 176، 177، وانظر في المعنى نفسه: الفروق 3/ 29، 162، الإحكام 117، شرح الزرقاني على خليل 3/ 129، إعلام الموقعين 3/ 78، العقود الياقوتية 194، الخيار لعبد الستار أبو غدة 2/ 391.
(2)
إعلام الموقعين 3/ 78.