الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني أهمية تفسير نُصُوص الأحكام الكلية للقاضي عند توصيف الواقعة القضائية
سبق أن مَرَّ معنا طريقة تقرير القاضي للحكم الكلي الملاقي للواقعة (1)، لكن لا يكفي في تَوْصِيف الواقعة والفصل فيها وجودُ الحكم وتأثيره، بل لا بُدَّ من فهمه وتفسيره؛ إذ إنَّ القاضي لا يتمكن من الفصل في النزاع إلَّا بعد العلم بالواقعة وحكمها الكلي، فهو يعلم بما يقع ثم يحكم بما يجب، ولا يتمكن من تطبيق أحدهما على الآخر إلَّا بعد تفسيرهما وفهمهما (2)، يقول ابن القَيِّمِ (ت: 751 هـ): "لا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلَّا بنوعين من الفهم:
(1) انظرها في الفصل الرابع من الباب الأول.
(2)
إعلام الموقعين 1/ 87، 105، 4/ 204، الطرق الحكمية 4 - 5، بدائع الفوائد 3/ 117، البحر المحيط 6/ 228، القواعد والأصول الجامعة لابن سعدي 38، المناهج الأصولية 71، 85.
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علمًا.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أَوْ على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر" (1).
ويقول الشاطبي (ت: 790 هـ): "لا بُدَّ من نظره- يعني المفتي- فيه- أي فيما يبلغه عن ربه- من جهة فهم المعاني من الألفاظ الشرعية
…
" (2).
فتفسير الحكم الكلي أحد العناصر الرئيسة في توصيفه، يقول ابن القَيِّمِ (ت: 751 هـ) - مبينًا أهمية تفسير الحكم الكلي-: "ومعلوم أَنَّ الله- سبحانه- حدَّ لعباده حدود الحلال والحرام بكلامه، وذم من لم يعلم حدود ما أنزل الله على رسوله، والذي أنزله هو كلامه، فحدود ما أنزل الله هو الوقوف عند حدّ الاسم الذي علق عليه الحِلّ، أَوْ الحرمة، فإنَّه هو المنزل على رسوله وحده بما وضع له لغة أَوْ شرعًا بحيث لا يدخل فيه غير موضوعه، ولا يخرج منه شيء من موضوعه"(3).
(1) إعلام الموقعين 1/ 87.
(2)
الموافقات 4/ 246.
(3)
إعلام الموقعين 1/ 266.
فالقاضي إذا توصل لتفسير الحكم الكلي تفسيرًا صَحِيحًا استطاع تَوْصِيف الواقعة توصيفًا مطابقًا لذلك الحكم الكلي بعد تفسيرها وتقريرها، وإن أخطأ في تفسير الحكم فإنَّه يخطئ في تَوْصِيف الواقعة، وسوف يكون تقريره لحكمه القضائي مجانبًا للصواب غير ملاق للحكم الكلي، وهكذا في تفسير الواقعة.
يقول ابن القَيِّمِ- مبينًا عاقبة الغلط في فهم حدود كلام الله ورسوله-: "فإنَّه يتضمن محذورين:
أحدهما: أَنْ يُخْرَج من كلامه ما قصد دخوله فيه.
والثاني: أَنْ يُشْرَع لذلك النوع الذي أُخْرِج حكمٌ غير حكمه، فيكون تغييرًا لألفاظ الشارع ومعانيه، فإنَّه إذا سَمَّى ذلك النوع بغير الاسم الذي سماه به الشارع أزال عنه حكم ذلك المسمى، وأعطاه حكمًا آخر" (1).
* * *
(1) زاد المعاد 5/ 747 - 748.