الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحدة، ثم تستثنى منها ما في ملابسته مشقة شديدة، أَو مفسدة تربي على تلك المصالح، وهكذا في دفع المفاسد، وذلك جارٍ في العبادات، والمعاوضات، وسائر التصرفات، ويعبر عنه بما خالف القياس، وحقيقته الاستثناء من ذلك المخالف لمقتضٍ شرعي أكمل وأخص؛ ولذا جازت الجعالة مع جهالة العمل، وجاز السلم مع انعدام السلعة، وجازت العرايا لمن احتاج للرطب، فعلى المخرج على الأصول والقواعد والفروع مراعاة ذلك جميعه (1).
القاعدة الثانية: مراعاة الفروق عند التخريج
.
إنَّ الفرع قد يختص بفرق أَوْ عارض يوجب عدم إلحاق هذا الفرع به، فلا يدخل تحته بل تحت أصل آخر، فعلى المُخَرِّج أَنْ يلحظ ذلك، فلا يَصِحُّ تخريج فرع على فرع مع قيام الفارق بينهما، يقول القرافي (ت: 684 هـ): "لا يجوز له أَنْ يخرج على مقاصد إمامه فرعًا على فرعٍ نَصَّ عليه إمامه مع قيام الفارق بينهما"(2)، فتفارق الفرعين في بعض الأوصاف قد يوجب مفارقتهما في الحكم وإن تساويا في الظاهر.
(1) القواعد الكبرى الفقهية 3/ 208، قواعد الأحكام 2/ 161، الإِحكام للقرافي 120، المدخل لابن بدران 413، الفروق 2/ 107، وانظر أمثلة كثيرة لذلك في قواعد الأحكام [مرجع سابق].
(2)
الفروق 2/ 107.
يقول ابن السبكي (ت: 77 اهـ) نقلًا عن والده (ت: 756 هـ): "والفقيه يعلم أَنَّ الشيئين المتساويين في الحقيقة وأصلِ المعنى قد يعرض لكل منهما عوارض تفارقه عن صاحبه وإن لم تغير حقيقته الأصلية؛ فالفقيه الحاذق يحتاج إلى تيقن القاعدة الكلية في كل باب، ثم ينظر نظرًا خَاصًّا في كل مسألة، ولا يقطع شوقه عن تلك القاعدة حتَّى يعلم هل تلك المسألة يجب سحب القاعدة عليها، أَوْ تمتاز بما تثبت له تخصيص حكم من زيادة أَوْ نقص، ومن هنا تتفاوت رتب الفقهاء، فكم من واحد متمسك بالقواعد قليل الممارسة للفروع ومآخذها يَزِلُّ في أدنى المسائل، وكم من آخر مستكثر من الفروع ومداركها قد أفرغ صمام ذهنه فيها غفل عن قاعدة كلية فتخبطت عليه تلك المدارك صار حيران، ومن وفقه الله لمزيد العناية جمع بين الأمرين، فيرى الأمر رأي عين"(1).
فعلى المُخَرِّج مراعاة الفروق عند التخريج، وإذا تجاذب المسألةَ أَوْ الفرعَ أصلان فعليه إلحاق الفرع بأكثر الأصلين شبهًا به مما هو أقرب للكتاب والسنة ثم القواعد والأصول.
يقول ابن تَيْمِيَّةَ (ت: 728 هـ): "العين إذا تجاذبتها الأصول لحقت بأكثرها شبهًا"(2)، ويقول المقري (ت: 758 هـ): "إذا اختص
(1) الأشباه والنظائر 2/ 302، وانظر: الموافقات 3/ 7 - 15.
(2)
مجموع الفتاوى 21/ 547.
الفرع بأصل أُجري عليه إجماعًا، فإن دار بين أصلين فأكثر حُمِلَ على الأَوْلى منهما" (1).
وعلى القاضي والمفتي بذل غاية جهده لمعرفة الأشباه وأقرب الأصول لتلك الواقعة (2)، وتبيينُ ذلك في أسباب حكمه.
* * *
(1) قواعد المقري 2/ 497.
(2)
تخريج الفروع على الأصول لشوشان 1/ 518، 575.