الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - أحوال الناس المتغيرة:
قد يقرر حكم جزئي كلي بنَصٍّ شرعي يدخل فيه من تحقق وصفه فيه من الأشخاص، ثم يرتفع ذلك الوصف عنهم، فينتفي الحكم عنهم؛ لخروجهم عن مناط هذا الحكم إلى مناط آخر.
وقد منع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشخاصًا من نصيب المؤلفة قلوبهم في الزكاة كان قد فرضه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأَنَّ الله أعز الإِسلام، واستغنى المسلمون عن تأليفهم (1)، فهؤلاء قد انتقلوا من حال التأليف إلى حال آخر، وقد كان إعطاؤهم معلقًا على وصف وهو التأليف، وقد زال، والحكم إذا كان معلقًا على وصف فإنَّه يثبت بثبوته، ويرتفع عن الأشخاص المعينين بارتفاعه، ولا يكون ذلك نسخًا له، ولا تغييرًا؛ لأَنَّ الحكم باقٍ على عمومه - إلى أَنْ يرث الله الأرض ومن عليها - يدخل فيه من تحقق وصف التأليف فيه (2).
وقد يقرر حكم اجتهادي من الفقيه، والناسُ على هيئة أَوْ حال، لكن تلك الهيئة أَوْ الحال قد تغيرت فاستدعت حكمًا آخر انتقالًا من الحظر إلى الإِباحة، أَوْ من الإِباحة إلى الحظر؛ لأَنَّ تحقيق مناطه اقتضى ذلك؛ لتخلف وصف من أوصافه أَوْ زيادته، اقتضى إضافة قيد أَوْ حذفه، يقول عمر بن عبد العزيز (ت: 101 هـ)
(1) رواه البيهقي 7/ 20.
(2)
قواعد الأحكام 2/ 5، مجموع الفتاوى 33/ 93، 94، الثبات والشمول 461، 482، المقاصد العامة 182.
- رحمه الله: "يحدث للناس من الأقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور"(1)، ومن هذا القبيل: ما يقرره الفقهاء من أحكام استدعاها حال الناس؛ تطبيقًا لمبدأ سد الذرائع، أَوْ مراعاة للحاجات، والضرورات، أَوْ عموم البلوى الموجب للتيسير، ونحو ذلك.
فللشيء حكم قبل طروء العوارض عليه، وحكم آخر بعد طروء العوارض عليه (2).
يقول ابن عابدين (ت: 1252 هـ): "إنَّ كثيرًا من الأحكام بَيَّنَها المجتهد على ما كان في زمانه، فتختلف باختلاف الزمان
…
لحدوث ضرورة أَوْ لفساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه للزم منه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف، والتيسير، ورفع الضرر، والفساد؛ لأجل بقاء النظام على أحسن إحكام" (3).
ولا ينال هذا التغيير المصالحَ والأحوالَ القارَّة من حرمة المحرمات، ووجوب قمع الظلم والإِجرام، ونحوها مما سبقت الإِشارة إليه (4).
* * *
(1) ذكره القرافي في الفروق 4/ 179.
(2)
الموافقات 3/ 78، 4/ 99، مغني ذوي الأفهام 245، المدخل الفقهي للزرقاء 2/ 923، 924.
(3)
نشر العرف 123.
(4)
انظر ذلك في الفقرة الثالثة من هذا المطلب.