الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموضوع الخامس الفرق بين تَوْصِيف الأَقْضِيَة وأقسام التَّوْصِيف بعامة
ونتناول هنا أقسام التَّوْصِيف بعامة، ثم الفرق بينها وبين تَوْصِيف الأَقْضِيَة فيما يلي:
أولًا: أقسام التوصيف بعامة:
ينقسم التَّوْصِيف من حيث هو أربعة أقسام: تشريعي، وفقهي، وفتوي، وقضائي، وبيانها فيما يلي:
1 - التوصيف التشريعي:
الأصل في الأحكام الشرعية أَنْ تكون كلية منزَّلة على الأوصاف لا على الأشخاص والوقائع المعينة، وهذا هو الكثير الغالب فيها، فإذا وقعت بعد ذلك واقعة اجتهد القاضي والمفتي في تنزيلها على تلك الأحكام الكلية (1).
(1) مجموع الفتاوى 29/ 153، الموافقات 3/ 366.
غير أَنَّه قد عرضت وقائع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نزل بشأنها آيات من الله- عز وجل، أَوْ ورد بشأنها أحاديث من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يمكن أَنْ نطلق عليه التَّوْصِيف التشريعي.
والمراد به: ما جاء من الأحكام منزَّلًا على وقائع بأعيانها مباشرة بنَصٍّ الكتاب أَوْ السنة؛ إفتاءً، أَوْ قضاءً.
فإذا وقعت نازلة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، واستدعت حكمًا، فنزل بخصوصها آية من كتاب الله، أَوْ قضى النبي صلى الله عليه وسلم فيها أَوْ أفتى، فيكون ذلك توصيفًا لخصوص تلك النازلة، وهذا يشمل جميع الآيات التي نزلت على سبب معين أَوْ مقصودًا بها واقعة معينة، وكلَّ ما قضى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بين متخاصمين، أَوْ أفتى فيه بناءً على سبب معين بخصوص تلك الواقعة بأشخاصها وأحوالها ابتداء.
وأذكر بعض الأمثلة فيما يلي:
(أ) مثال ما تم توصيفه بالقرآن تشريعًا: أَنَّ أوس بن الصامت رضي الله عنه لما ظاهر امرأته خولة بنت ثعلبة- رضي الله عنها جاءت خولة للنبي صلى الله عليه وسلم شاكية حالها، عارضة ما حصل من زوجها فأنزل الله فيهما (1) قوله- تعالى-: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
(1) تفسير ابن كثير 4/ 340.
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)} [المجادلة: 1 - 4].
فعن عائشة- رضي الله عنها أَنَّها قالت: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادِلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله- عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} الآية"(1)، فقد بين الله- عز وجل ما وقع من أوس بن الصامت على زوجته، وأَنَّه ظهار، وهذا هو التَّوْصِيف التشريعي عينُه.
(ب) مثال ما تمَّ توصيفه بالسُّنَّة تشريعًا: قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة:
فعن عروة بن الزبير أَنَّه حَدَّث: "أَنَّ رجلًا من الأَنْصَارِ خاصم
(1) رواه أحمد (الفتح الرباني 18/ 298)، وهو برقم 458، والبخاري معلقًا بصيغة الجزم (الفتح 13/ 372) في كتاب التوحيد، باب "وكان الله سميعًا بصيرًا"، والنسائي (6/ 168)، وهو برقم 3460، وابن ماجه (1/ 381)، وهو برقم 2073، والحاكم (2/ 523)، وهو برقم 3792/ 929 وصححه، وأقره الذهبي في التلخيص.