الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ب) أَنَّ المكلف وافق دليلًا في الجملة.
(ج) أَنَّ دليل المرجوح أقوى في مراعاة الحالة التي استدعته.
وأذكر بعض أقوال العلماء من أَصْحَاب القول الثالث فيما يلي:
أولًا: المذهب الحنفي:
يقول ابن عابدين (ت: 1252 هـ): "إنَّه إذا اتفق أبو حنيفة وصاحباه على جواب لم يجز العدول عنه إلَّا لضرورة"(1).
وقال -أيضًا بعد إيراد الخلاف في الحكم على الغائب-: "فالظاهر عندي أَنْ يتأمل في الوقائع، ويحتاط، ويلاحظ الحرج والضرورات، فيفتى بحسبها جوازًا أَوْ فسادًا
…
[وأورد مثالًا ثم عقب عليه بقوله: ] فينبغي أَنْ يحكم عليه وله، وكذا للمفتي أَنْ يفتي بجوازه دفعًا للحرج والضرورات، وصيانة للحقوق عن الضياع
…
" (2).
ثانيًا: المذهب المالكي:
(أ) يقول العلمي (كان حيًّا عام 1012 هـ) - في تقرير التحريم المؤبد على من هرب بامرأة؛ لما في ذلك من المفسدة-: "ولم يزل أهل الفتوى والقضاء يختارون الفتوى بقول شاذ ويحكمون
(1) شرح رسم المفتي 26، وفي المعنى نفسه 28 من المرجع المذكور.
(2)
حاشية ابن عابدين 4/ 339.
به لدليل ظهر لهم في ترجيحه - حتى قال: - فمن بابٍ أولى وأحرى أَنْ يفتى في قطع مادة هذه المفسدة بقول شاذ خارج المذهب، فكيف وهو موجود في المذهب
…
وما ذلك منهم إلَّا مراعاة للقاعدة الجارية في سدِّ الذرائع، وحسمِ مادة الفساد، وهي من أصول المذهب المالكي" (1).
(ب) يقول ابن عاشور (ت: 1393 هـ): "وقد يقع الإِغضاء عن خلل يسير ترجيحًا لمصلحة تقرير العقود، كالبيوع الفاسدة إذا طرأ عليها بعض المُفَوِّتَات المقررة في الفقه، وقد كان الأستاذ أبو سعيد بن لب مفتي حضرة غرناطة في القرن الثامن يفتي بتقرير المعاملات التي جرى فيها عرف الناس على وجه غير صَحِيح في مذهب مالك إذا كان لها وجه ولو ضعيفًا من أقوال العلماء"(2). وهذا فيه اعتبار مصلحة استقرار العقود والمعاملات.
(ج) ويقول ابن سلمون (ت: 767 هـ) - بعد تقريره أَنَّ اليمين لا يشترط لتوجيهها على المدعى عليه الخلطة-: "
…
إلَّا أَنه قد يلوح للحاكم في النازلة وجه الصواب مما يتضح عنده من دلالته وأحكامه وأسبابه وبراءة المطلوب لخيره، وبعده عن المطلب الذي طلبه به مع عذر الشبهة والخلطة، فإذا كان كذلك عمل بحسبه
(1) النوازل 91، 92.
(2)
مقاصد الشريعة 183.
في إسقاط اليمين من غير هوى يكون له فيها أَوْ حيف يعلمه الله منه فلا حرج عليه" (1).
(د) الإِمام الشاطبي (ت: 790 هـ) من المالكية لم يطرد قوله بالمنع في كل الصور -كما في قوله الأول-، بل قال بمراعاة الخلاف في صور لو وقعت وكان في إزالتها ضرر أعظم من الاستمرار عليها، ومثَّل لذلك بالنكاح بدون ولي، فهو يرى أَنّه باطل، لكن إذا عثر عليه بعد الدخول فقد يراعى فيه الخلاف، فلا تقع فيه الفرقة؛ لأَنَّ نقضه وإبطاله يؤول إلى مفسدة توازي مفسدة النهى أَوْ تزيد.
فهو يقول في الأخذ بالرأي المرجوح في بعض الصور: "فمن وَاقَعَ منهيًا عنه فقد يكون فيما يترتب عليه من الأحكام زائدًا على ما ينبغي بحكم التبعية لا بحكم الأصالة، أَوْ مؤديًا إلى أمر أشد عليه من مقتضى النهى، فيترك وما فعل من ذلك، أَوْ نجيز ما وقع من الفساد على وجه يليق بالعدل نظرًا إلى أَنَّ ذلك الواقع وَاقَعَ المكلف فيه دليلًا على الجملة، وإن كان مرجوحًا فهو راجح بالنسبة إلى إبقاء الحالة على ما وقعت عليه؛ لأَنَّ ذلك أولى من إزالتها مع دخول ضرر على الفاعل أشد من مقتضى النهى، فيرجع الأمر إلى أَنَّ النهي كان دليله أقوى قبل الوقوع، ودليل الجواز أقوى بعد الوقوع؛ لما اقترن من القرائن المرجحة
…
فالنكاح المختلف فيه قد يراعى فيه الخلاف،
(1) العقد المنظم للحكام 2/ 216.