الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُعَرِّفَات الحُكْم من السبب، والشرط، والمانع (1).
5 - العرف:
والمراد به: ما اعتاده أكثر الناس من قول أَوْ فعل أَوْ ترك أَوْ تصرف، وساروا عليه في جميع البلدان، أَوْ في بعضها، سواء أكان ذلك في جميع العصور أَمْ في عصر معين مما كان قائمًا عند التصرف ولم يخالف الشرع، ولم يصرح المتعاقدان بخلافه (2).
فكل ما استقر من الأعراف في الأقوال والفِعال والتصرفات فهو داخل في ذلك ومشمول له، وذلك كمعرفة مقدار أجرة الدلال، والحلاق ونحوهم إذا لم تسمَّ فإنَّها حسب العرف؛ فمعرفة ما يجب لكل واحد من المتعاقدين في العقد المطلق يرجع إلى العرف، والشرط العرفي كاللفظي، وما شهد له العرف من الشروط بين التجار أخذنا به ما لم يصرح المتعاقدان بخلافه، ولذا كان العرف دليلًا من الأدلة العامة لوقوع الأحكام، فبه يعرف وقوع السبب، أَوْ الشرط، أَوْ المانع (3)، وذلك إذا تحققت شروط العمل به.
(1) بدائع الفوائد 4/ 12، 15، الفروق 4/ 55، نزهة الخاطر مع الروضة 1/ 81، تنبيه الحكام 74، تبصرة الحكام 1/ 244، جامع بيان العلم وفصله 2/ 788.
(2)
قرار المجمع الفقهي بجدة رقم 9 في 1 - 5/ 6/ 1409 هـ، والمنشور على ص 97 ضمن قرارات مجمع الفقه الِإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الِإسلامي للأعوام 1406 هـ -1409 هـ، العرف للمباركي 35.
(3)
بدائع الفوائد 4/ 12، 15، قواعد الأحكام 2/ 186، فتح الباري 4/ 406، المنهاج القرآني في التشريع 301.
ويدل على كون العرف دليلًا لوقوع الأحكام: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "حجم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أبو طيبة، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاعٍ من تمر، وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه"(1)، فأبو طيبة حجم النبي صلى الله عليه وسلم من غير مشارطة على أجرته؛ اعتمادًا على العرف في مثله، فدلَّ على الاعتداد بالعرف في وقوع الحكم (2).
شروط اعتبار العرف دليلًا لوقوع الحكم:
لا يعتد بالعرف دليلًا لوقوع الحكم إلَّا إذا تحققت شروط، هي:
(أ) أَنْ يكون العمل به في دليل وقوع الحكم:
العرف دليل من أدلة وقوع الأحكام، والنَّصّ دليل شرعيتها، فلا يصح أَنْ يأتي العرف بتقرير أمر يكون مخالفًا لدليل شرعي، لأَنَّه بذلك يكون قد تعدى حده الذي يعمل فيه، فلا يعتد به، فالعرف لا يُسْتَدَلُّ به على شرعية الحكم الكلي، ولا على شرعية مُعَرِّفَاته، بل يُسْتَدَلُّ به على وقوع مُعَرِّفَات الحُكْم، ولذا فإنَّ العرف لا ينسخ النَّصّ، ولا يخصص عامه، ولا يقيد مطلقه، بل يستعان به على تحقيق مناط الحكم الكلي، وتنزيله على الوقائع، وتفسير الوقائع ببيان مجملها، وتخصيص عامها، وتقييد مطلقها (3)، إلَّا ما كان من أعراف العرب حال التنزيل
(1) رواه البخاري [الفتح 4/ 405]، وهو برقم 2210، ومسلم 3/ 1204، وهو برقم 62/ 1577.
(2)
فتح الباري 4/ 407، العرف لمباركي 120.
(3)
الفروق 1/ 128، القواعد والأصول الجامعة 38، أصول مذهب الِإمام أحمد =
فهو طريق من طرق فهم النصّ وتفسيره.
(ب) أَنْ يكون العرف محترمًا:
والمراد به: أَلَّا يكون العرف محرَّمًا في الشرع، فإذا كان العرف الذي يُسْتَدَلُّ به على وقوع الحكم محرَّمًا فإنَّه يُهدر ولا يُعتد به دليلًا على وقوع الحكم.
مثاله: لو تعارف الناس على الاستدلال لوقوع الحكم بالكهانة أَوْ العرافة، أَوْ الرمل، أَوْ التنجيم (1) لكان ذلك باطلا مهدرًا؛ لثبوت النهي عن إتيان هذه الأمور (2).
مثال آخر: شرب الخمر محرم، ويحد شاربه قليلًا كان أَوْ كثيرًا كما دَلَّت عليه السنة، فلو تعارف الناس على شرب القليل من المسكر لأَنَّه في زعمهم لا يسكر ولا يضر فلا يكون ذلك دَالًّا على أَنَّ التحريم لا يقع إلَّا على الكثير ولا يقع على القليل.
وفرق بين ما ذكرنا وما جاء من الاعتداد بالحرز في السرقة بالعرف؛ لأَنَّ الشرع لما أطلق اشتراط الحرز في القطع بالسرقة ولم يحدّه بحدٍّ صرنا إلى الاعتداد به عند تحقيق مناطه بما يُعَدُّ حرزًا في العرف، وذلك لا يشتمل على أمر منهي عنه.
= 670، المنهاج التشريعي 300، العرف لقوته 1/ 270.
(1)
الكاهن والعَرَّاف والرَّمَّال والمُنَجِّم هو: من يدعي علم الغيب أَوْ الكشف مما لا يحيط به إلا الله [تيسير العزيز الحميد 360].
(2)
تيسير العزيز الحميد 355، 360.
أَمَّا تحريم الخمر فيشمل قليله وكثيره، فلا مجال للعرف هنا عند تطبيق الحكم على الواقعة.
(د) أَنْ يكون العرف مطردًا أَوْ غالبًا:
فلا يعتد بالعرف إلَّا إذا كان مطردًا مستفيضَّا في جميع الأحوال والحوادث غالبًا فيها لا يتخلف إلَّا قليلًا، سواء كان قديمًا مستمرًّا، أَمْ ما تجدد من ذلك.
والتخلف في العرف بترك العمل به في بعض الأحوال والحوادث القليلة لا يقدح في اعتباره، لأَنَّه لا يزال غالبًا (1).
(د) أَنْ يكون العرف قائمًا عند إنشاء التصرف:
العرف المعتد به ما كان قائمًا عند إنشاء التصرف، سواء كان التصرف قوليًّا أَمْ فعليًّا، فلا يعتد بعرف طرأ بعد التصرف، أَوْ كان سابقًا على التصرف وتغير وقت إنشاء التصرف (2).
(هـ) أَلَّا يصرح المتعاقدان بخلاف العرف:
العمل بالعرف في دلالته على وقوع الأحكام في تصرفات المكلفين إنَّما يكون إذا لم يصرح المتعاقدان بخلافه، فإذا صرحا
(1) أشباه ابن نجيم 94، 95، مجلة الأحكام العدلية (م 41، 42)، الموافقات 2/ 288، أشباه السيوطي 90، 92، المدخل للزرقاء 2/ 874.
(2)
أشباه ابن نجيم 101، أشباه السيوطي 96، قواعد الحصني 1/ 387، الموافقات 2/ 297، شرح تنقيح الفصول 211، المدخل للزرقاء 2/ 876.