الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرف أَوْ حال، فإذا تَغَيَّر عرفها أَوْ حالها قال فيها بقول آخر.
يقول ابن بدران (ت: 1346 هـ): "إنَّ الأحكام المترتبة على القرائن تدور معها كيفما دارت، وتبطل معها إذا بطلت"(1)، وذكر أمثلة، منها: تغير العادة في اللغة، ثم قال: "وأنت إذا تأملت الروايتين أَوْ الروايات عن الإِمام أحمد تجدها تميل إلى هذا الأصل، وما حافظ المتقدمون من أَصْحَابه على نقل رواياته في كتبهم إلَّا لهذا، وهذا المسلك يسمى بالمصالح المرسلة
…
وقال المالكية عن هذا المسلك: هو محض الفقه، وعليه سلك الشيخ تَقِيُّ الدِّين أبو العباس أحمد ابن تَيْميَّةَ وأَصْحَابه" (2).
3 - المصالح الطارئة:
فمن الأحكام الاجتهادية المقررة في مدونات الفقهاء ما يكون مناطه المصلحة المؤقتة، فهو دائم بدوامها، فإذا طرأ عليها ما يوجب العدول عنها وجب استئناف النظر في تقرير الحكم الكلي لها (3).
يقول الزمخشري (ت: 538 هـ): "والشرائع مصالح تختلف باختلاف الأحوال والأوقات، فلكل وقت حكم يُكْتَبُ على العباد
(1) العقود الياقوتية 194 - 195.
(2)
المرجع السابق.
(3)
الطرق الحكمية 24، الموافقات 2/ 305، البهجة 1/ 45، المدخل الفقهي للزرقاء 2/ 924، 926.
- أي يفرض عليهم - على ما يقتضيه استصلاحهم" (1).
ومن هذا القبيل مقاديرُ العقوبات التعزيرية، أَوْ أجناسها وصفاتها، فإنَّها تتنوع حسب المصلحة (2).
ومنه ما كان من الإِجماعات مؤقتًا لكونه مبنيًا على مصلحة مؤقتة تتغير وتتبدل من رْمن لآخر، فإذا استجدت مصلحة غير الأولى استؤنف النظر في تقرير حكم لها، ولم يكن الإِجماع المؤقت الأول مانعًا من تقرير حكم للمصلحة الحالّة، وليس هذا الإِجماع من قبيل الإِجماع القاطع الَّذي لا يدخله التغيير، بل هو إجماع مؤقت قابل للعدول عنه عند الاقتضاء (3).
ومن ذلك: ما كان من الأحكام الاجتهادية مقررًا لسدّ ذريعة، فزال موجب سدها، فإنَّه إذا زال الموجب وجب استئناف النظر في الحكم الفقهي لها مراعى فيه الأوصاف والوقائع المؤثرة المستجدة، وذلك بخلاف المصالح والمفاسد القارَّة وسد الذرائع إليها، فكل ذلك ثابت لا يتغير.
وهكذا الأحكام الأساس التي جاءت الشريعة لتقريرها بِنُصُوصٍ محكمة لا تتبدل ولا تتغير.
(1) الكشاف عن حقائق التنزيل، للزمخشري 2/ 363.
(2)
إغاثة اللهفان 179 - 180.
(3)
ضوابط المصلحة 61، الثبات والشمول 555.
وذلك كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والتراضي في العقود، والتزام الإِنسان بما يعاقد عليه، ووجوب منع الأذى، وقمع الإِجرام، وعدم مؤاخذة الإِنسان بذنب غيره، ومنع الربا والغش في المعاملات، والاختلاط بين الجنسين، واختلاء أحدهما بالآخر، وسفور المرأة وتبرجها، وغيرها مما جاءت به الشريعة في نُصُوص محكمة عَامَّة أَوْ خَاصَّة فكل ذلك ثابت لا يتغير مهما مَرَّ من العصور وكَرَّ من الدهور (1).
فالأحكام نوعان:
1 -
منها ما هو ثابت؛ لأَنَّه مبني على مصالح قارَّة.
2 -
ومنها ما هو متغير بحسب تغير المصلحة التي بني عليها.
يقول ابن القَيِّمِ (ت: 751 هـ): "الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم، ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.
والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانًا ومكانًا وحالًا، كمقادير التغزيرات، وأجناسها، وصفاتها؛ فإنَّ الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة" (2).
(1) إغاثة اللهفان 179 - 180، المدخل الفقهي للزرقاء 2/ 924.
(2)
إغاثة اللهفان 179 - 180.