الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني أقسام التخريج
ينقسم التخريج ثلاثة أقسام، هي:
1 -
التخريج على الأصول والقواعد العَامَّة للشريعة.
2 -
التخريج على الأصول والقواعد المذهبية.
3 -
تخريج الفروع من الفروع المذهبية.
وبيان ذلك فيما يلي:
القسم الأول: التخريج على الأصول والقواعد العَامَّة في الشريعة
.
والمراد به: استخراج حكم من الأحكام الشرعية العملية من أصل من أصول الشرعية وقواعدها الكلية (1).
فإذا حدث ما لا قول فيه للفقهاء اجتهد القاضي فيه ورده إلى
(1) شرح مختصر الروضة 3/ 645.
أصول الشريعة وقواعدها الكلية، وذلك كتحريم عقد التأمين التجاري؛ بناءً على أَنَّ الأصل في عقود الغرر التحريم (1).
وقد حثَّ الفقهاء على الاهتمام بهذه الأصول والرد إليها عند الاقتضاء، يقول الزنجاني (ت: 656 هـ): "فإنَّ المسائل الفرعية على اتساعها وبعد غاياتها لها أصول معلومة، وأوضاع منظومة، ومن لم يعرف أصولها لم يحط بها علمًا"(2)، ويقول ابن تَيْمِيَّةَ (ت: 728 هـ): "لا بُدَّ أَنْ يكون مع الإِنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات؛ ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلَّا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد منه فساد عظيم"(3).
والحَق أَنَّ التخريج على الأصول والقواعد العَامَّة في الشريعة عمل اجتهادي؛ لأَنَّ هذا هو عمل المستنبطين من لدن عصر الصَّحَابة ومن جاء بعدهم حتى يومنا هذا (4)، وقد يفعله الفقيه والقاضي، فلا
(1) انظر هذا المثال في القرار الخامس والخمسين الصادر من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، والقرار الخامس لمجمع الفقه بمكة، والقرار التاسع لمجمع الفقه بجدة، وانظر تفصيلًا لأحكام التأمين في كتاب: التامين وأحكامه للشيخ سليمان الثنيان.
(2)
تخريج الفروع على الأصول 34.
(3)
منهاج السنة 5/ 83.
(4)
الغياثي 266، أصول الحنفية للكرخي 173، التخريج للباحسين 65، حاشية رقم (2)، الثبات والشمول 268.
ينسب عمله هذا إلى مذهب معين؛ لأَنَّه استنباط فرع من قاعدة مؤصلة لا تنسب إلى مذهب معين (1).
فعلى سبيل المثال: ما يستجد في عصرنا من عقود يمكن تأصيله حسب الآتي:
1 -
إذا كان يندرج في عقد من العقود المسماة في الشريعة ألحق به، وأعطي حكمه إذا قطع بعدم الفارق.
2 -
إذا لم يندرج وأمكن تركيبه من عقدين من العقود المسماة لا يحصل باجتماعها أمر محرم ساغ ذلك وأعطي حكمهما مع الإِمكان.
3 -
إذا لم يتحقق ذلك خُرِّج العقد المستجد على أصل صِحَّة العقود، فيكون عقدًا مستقلًا برأسه (2)، ويجوز حسب الضوابط الآتية (3):
(أ) استيفاؤه لشروط العقد في الشريعة.
(ب) خلوه من الربا.
(ج) خلوه من الغرر.
(1) المدخل المفصل 1/ 49.
(2)
القواعد النورانية 112 - 113، مجموع الفتاوى 28/ 386، الفروسية 75، 78، رفع الحرج لابن حميد 112، النظرية الاقتصادية لفكري نعمان 294.
(3)
القبس 2/ 787، إعلام الموقعين 2/ 7، الإِرشاد لابن سعدي 95، 100، 106، طريق الوصول 166، المختارات الجلية 73، بلغة الساغب لفخر الدين ابن تيمية 175.
وحَدُّه: ما خفيت عاقبته وكان كثيرًا أصليًا في عقد معاوضة لم تدع إليه حاجة.
(د) خلوه من الظلم وسائر وجوه أكل أموال الناس بالباطل.
وحَدُّه: أَنْ يدخلا في العقد على عوض، فيكون فيه ما لا يقابله عوض.
(هـ) خلوه من الضرر العَامّ على المسلمين.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاحتكار فقال: "لا يحتكر إلَّا خاطئ"(1)، فدَلَّ بعمومه على النهي عن كل ما فيه مضرة للمسلمين؛ ولذا منع العلماء من بيع السلاح في الفتنة أَوْ لأهل الحرب، أَوْ لقطاع الطريق؛ لما في ذلك من ضرر على عموم المسلمين، وهكذا بيع الحاضر للبادي منهي عنه؛ للضرر على عموم الناس.
(و) خلوه من الضرر الخاص الواقع على شخص معين كالنهي عن تلقي الركبان، وبيع الإِنسان على بيع أخيه بعد التواجب.
فإذا تحققت فيه هذه الشروط فهو عقد صَحِيح، مستقل بنفسه، قائم برأسه، غير داخل في عقد معين، له أحكام يتميز بها عن سائر العقود المسماة، فلا يدخل فيها، ولا تؤخذ أحكامه منها، بل تُنْصَب له الشروط والضوابط اللازمة لصحته، الرافعة عنه موجبات فساد العقود وبطلانها، وما داخله من شروط جَعْلية اشترطها المتعاقدان
(1) رواه مسلم عن معمر بن عبد الله 3/ 1227 - 1228، وهو برقم 1605.