الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
الفرق بين أدلة شرعية الأحكام وأدلة وقوعها
سبق أَنْ ذكرنا المراد بأدلة شرعية الأحكام، وبأدلة وقوعها، وأَنَّ أدلة وقوع الأحكام، منها عامّةٌ ومنها قضائية، وهي الحجاج، وسوف نتناول في هذا العنوان الفرق بين أدلة شرعية الأحكام، والأدلة العامة لوقوع الأحكام، والأدلة القضائية لوقوع الأحكام، وهي الحجاج، وحاصل ذلك نقرره في ثلاثة عناوين متتالية فيما يلي:
الفرق بين أدلة شرعية الأحكام والأدلة العامة لوقوعها:
هناك فروق بين أدلة شرعية الأحكام والأدلة العامة لوقوعها، وحاصل الفرق بينهما فيما يلي (1):
(أ) أَنَّ أدلة شرعية الأحكام تتوقف على نَصْب من الشرع؛ فبها يعرف سببية السبب، وشرطية الشرط، ومانعية المانع، والأثر
(1) الفروق وتهذيبه 1/ 128، 129، قواعد الأحكام 2/ 48، شرح تنقيح الفصول 454، الذخيرة 1/ 149، 10/ 86.
المترتب عليها من الحكم التكليفي؛ حرمة، أَوْ وجوبًا، أَوْ كراهة، أَوْ استحبابًا، أَوْ إباحةً، أَوْ صِحَّةً، أَوْ بطلانًا، فلا سببية للسبب، ولا شرطية للشرط، ولا مانعية للمانع إلَّا إذا جعله الشرع كذلك، ولا وجوب، ولا حرمة، ولا استحباب، ولا كراهة، ولا إباحة، ولا صِحَّة، ولا بطلان إلَّا ما جعله الشرع كذلك بالكتاب والسنة والِإجماع وغيرها من أدلة الشرع المقررة.
أَمَّا الأدلة العامة لوقوع الأحكام فلا تتوقف على نَصْب من الشرع، بل يعرف ذلك بالعقل، والحس، والعادة، ونحوها مما سوف يأتي ذكره من طرق العلم بوقوع الأحكام، فيُسْتَدَلُّ على سببية الوصف بالشرع، وعلى حدوثه وثبوته بالعقل والحس ونحوه.
فمثلًا: دليل الإِسكار في الشُّكْر (أي: دليل وجود السُّكْر في الشراب) هو أدلة وقوع الحكم، ودليل تحريم المسكر هو أدلة شرعية الحكم.
فيُسْتَدَلُّ على وقوع الإِسكار بالحس ونحوه من التحاليل المخبرية وغيرها، ويُسْتَدَلُّ على تأثير السبب وهو الإِسكار، وحكمه التكليفي وهو الحرمة، ووجوب الحد على شرب السكر بأدلة الشرعية.
كما يُسْتَدَلُّ على شرب المكلف المعين للمسكر عند إقامة الحد عليه بالإِقرار، ونحو ذلك من الأدلة الدالة على قيام المعين بشرب
المسكر، وهذه الأدلة القضائية هي من أدلة وقوع الأحكام.
(ب) أَنَّ أدلة شرعية الأحكام معلومة محصورة؛ فهي الكتاب، والسنة، وما تفرع عنهما من أدلة التشريع المقررة.
أَمَّا الأدلة العامة لوقوع الأحكام من العقل، والحس، والخبرة، وغيرها فهي غير محصورة، بل بكل طريق جارٍ على المسالك الشرعية يُعْلَم به وقوع السبب أَوْ الشرط أَوْ المانع اعتددنا به من غير حصر، ومهما استجد من طرق الخبرات والتجارب دَالًّا على وقوع الأحكام أخذنا به ما لم يخالف أصلًا شرعيًّا.
(ج) أنَّ أدلة شرعية الأحكام تشمل مُعرِّفَات الحُكْم، كما تشمل الحكم التكليفي.
فسببية السبب وشرطية الشرط ومانعية المانع تعرف بأدلة الشرعية، كما يعلم الحكم التكليفي من الوجوب والحرمة ونحوها بأدلة الشرعية.
أَمَّا الأدلة العامة لوقوع الأحكام من الحس والعقل ونحوها فهي خاصة بمُعَرِّفَاتِ الحُكْم من السبب، والشرط، وعدم المانع، لا تتعدى ذلك إلى الحكم التكليفي الذي لا يعلم إلَّا بالشرع.
(د) أَنَّ أدلة شرعية الأحكام يعتمد عليها الفقهاء في استفادة الأحكام واستنباطها، سواء في سببية السبب ونحوه، أَمْ في الحكم التكليفي من الوجوب والحرمة وغيرهما.
أَمَّا الأدلة العامة لوقوع الأحكام فيعتمد عليها سائر المكلفين في العلم بوقوع مُعَرِّفَات الأحكام، فمتى زالت الشمس وجب على المكلف صلاة الظهر، كما يعتمد عليها المفتون والشهود في تقرير العلم بوقوع مُعَرِّفَات الأحكام.
الفرق بين الأدلة العامة لوقوع الأحكام وأدلة الإِثبات القضائية (الحِجَاج):
بين الدليلين المذكورين علاقة قوية؛ فكلاهما دليل لوقوع الأحكام.
لكن الأدلة العامة لوقوع الأحكام أعمُّ؛ إذ يعتمد عليها المفتون وسائر المكلفين، فمتى عرف المكلف زوال الشمس بأي طريق صلى الظهر، وهكذا المفتي يفتي المستفتي مُنَزِّلًا قوله على الصِّحَّة؛ لما يعرفه من الأدلة العامة لوقوع الأحكام من غير طلب إثبات وقوعها بطرق الحكم والإِثبات، وهكذا الفقيه عندما يريد تقرير الحكم في مسألة يتعرف على عناصرها المكونة للسبب والشرط والمانع بوساطة أدلة وقوع الأحكام، وأَمَّا سببية السبب ونحوه فذلك يعرف بوساطة أدلة الشرعية.
أَمَّا أدلة الإِثبات القضائية فيعتمد القضاة عليها في ثبوت الوقائع القضائية المتنازع فيها التي هي في حقيقتها مُعَرِّفَات للأحكام؛ إذ التقاضي محل التجاذب والتشاحن والتنازع، فلا يثبت حق أَوْ يسلب