الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي أخرى (1): صلاة الظهر -فذكرت ذلك له، فضحك فقال:"ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما". فقالا له (2): لقد علمنا إذ صنع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما صنع أَنْ سيكون ذلك.
* * *
(16) باب ما يجوز من الشروط في الإسلام، وفي الأحكام، وبيع المشركين
1305 -
عن عروة بن الزبير، عن المِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ ومروان -يُصَدِّقُ كل واحد منهما صاحبه- قالا: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، حتى إذا كانوا ببعض الطَّرِيقِ قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن خالد بن الوليد بالغَمِيمِ في خيل لقريش طليعةَ، فخذوا ذات اليمين" فواللَّه ما شعر بهم خالد خى إذا هُمْ بِقَتَرَةِ الجيش، فانطلق يَرْكُضُ نذيرًا لقريش، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثَّنِيَّةِ التي يُهْبَطُ عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حَلْ حَلْ، فَأَلَحَّتْ فقالوا: خَلأَتِ القَصْوَاءُ، خَلأت القصواء (3)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(1) خ (2/ 272)، في الكتاب والباب السابقين، من طريق ابن إسحاق، عن وَهْب، عن جابر به.
(2)
"له" ليست في "صحيح البخاري".
(3)
"خلأت القصواء" الثانية ليست في "صحيح البخاري".
_________
1305 -
خ (2/ 279 - 284)، (54) كتاب الشروط، (15) باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير به، رقم (2731، 2732).
"ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخُلُق، ولكن حبسها حابس الفيل". ثم قال: "والذي نفسي بيده لا يسألوني (1) خُطَّةً يعظِّمون فيها حرمات اللَّه إلَّا أعطيتهم إيَّاها" ثم زجرها فوثبت، قال: فَعَدَلَ عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثَمَدٍ قليل يتبَرَّضُه الناس تَبَرُّضًا، فلم يلبث (2) الناس حتى نزحوه، وشُكِيَ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهمًا من كِنَانتَهِ ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فواللَّه ما زال يَجِيشُ لهم بالرِّيِّ حتى صَدَرُوا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاء بُدَيْلُ بن وَرْقَاءَ الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة -وكانوا عَيْبَةَ نُصْحِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أهل تِهَامَةَ- فقال: إني تركت كعب بن لُؤَيّ وعامر بن لؤي نزلوا أَعْدَاد مياه الحديبية معهم العُوذُ المَطَافِيلُ وهم مقاتلوك وصادُّوك عن البيت.
في رواية (3): فقال: "أَشِيرُوا عليَّ، أترون أن أميل إلى عيالهم وذَرَارِيِّ هؤلاء الذين يريدون أن يصدُّونا عن البيت؛ فإن يأتونا كان اللَّه قد قطع عُنقًا من المشركين، وإلَّا تركناهم محروبين"، قال أَبو بكر: يا رسول اللَّه! خرجت عامدًا لهذا البيت لا تريد قتل أحدِ ولا حرب أحد، فتوجَّهْ له، فمن صدَّنا عنه قاتلناه، قال:"امضوا على اسم اللَّه".
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّا لم نَجِئَ لقتال أحدٍ، ولكنا جئنا مُعْتَمِرِينَ، وإنَّ قريشًا قد نَهَكَتْهم الحرب، وأضرَّتْ بهم. فإن شاؤوا مَادَدْتُهُمْ ويخلُّوا بيني
(1) في "صحيح البخاري": "لا يسألونني".
(2)
في "صحيح البخاري": (فلم يُلَبَثْهُ).
(3)
خ (3/ 131 رقم 4178 - 4179)، (64) كتاب المغازي، (35) باب غزوة الحديبية.
وبين الناس، فإنْ أَظْهَرْ فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلَّا فقد جَمُّوا، وإن هم أَبَوْا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سَالِفَتي، وليُنْفِذَنَّ اللَّهُ أمره".
فقال بُديل: سأبلِّغُهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشًا فقال: إنا قد جئناكم من هذا الرجل وسمعناه يقول قولًا، فإن شئتم أن نَعْرِضَهُ عليكم فَعَلْنَا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة أن تخبرنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته. قال: سمعته (1) يقول: كذا وكذا، فَحَدَّثَهُمْ بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم! ألستُم بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: ألسْتُ (2) بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني قد اسْتَنْفَرْتُ أهل عُكَاظٍ فلما بَلَّحُوا عَليَّ جِئْتُكُم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى، قال: فإنَّ هذا قد عَرَضَ (3) خطة رشدٍ اقبلوها ودعوني آتيه، فقالوا: ائته. فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال (4) النبي صلى الله عليه وسلم نحوًا من قوله لبُديل. فقال عروة عند ذلك: أي محمد! أرأيتَ إن استأصلتَ أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإني واللَّه لا أرى وجوهًا، وإني لأرى أشوابًا من الناس خليقًا أن يَفرُّوا ويَدَعوك، فقال له أَبو بكر: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ، أنحن نفرُّ عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ فقالوا: أَبو بكر، فقال: أما والذي نفسي بيده
(1)"قال: سمعته" من "صحيح البخاري".
(2)
في "صحيح البخاري": "أولست".
(3)
في "صحيح البخاري": "عرض عليكم".
(4)
في الأصل: (قال)، والمثبت من "صحيح البخاري".
لولا يدٌ كانت لك عندي لم أَجْزِكَ بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلَّما كلمه أخذ (1) بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول اللَّه (2) صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المِغْفَرُ، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال: أَخِّر يدك عن لحية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غُدَر، ألستُ أسعى في غَدْرَتِك -وكان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أمَّا الإسلام فأَقْبَلُ، وأما المالُ فلستُ منه في شيء".
ثم إنَّ عروة جعل يرمقُ أصحاب رسول اللَّه (3) صلى الله عليه وسلم بعينيه، قال: فواللَّه ما تَنَخَّم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نخامةً إلَّا وقعت في كفِّ رجلٍ منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلَّم خفضوا أصواتهم عنده، ما يُحِدُّون إليه النظر تعظيمًا له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أيْ قومِ! واللَّه لقد وَفَدْتُ على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، واللَّه إنْ رأيتُ ملكًا قط يعظِّمه أصحابه ما يعظم أصحابُ محمدٍ محمدًا، واللَّه إن تنخَّم نخامة إلَّا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيمًا، وإنه قد عرض عليكم خطة رُشْدٍ فاقبلوها. فقال رجل من بني
(1) في "صحيح البخاري": "فكلما تكلم بكلمة أخذ".
(2)
في "صحيح البخاري": "النبي".
(3)
في "صحيح البخاري": "النبي".
كنانة: دعوني آتيه، فقالوا: ائْتِهِ، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"هذا فلان، وهو من قَوْمٍ يعظمون البُدن فابعثوها له" فبُعِثَتْ له، واستقبله الناس يُلَبُّونَ، فلما رأى ذلك قال: سبحان اللَّه! ما ينبغي لهؤلاء أن يُصَدُّوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البُدْن قد قُلِّدَتْ وأُشْعِرَتْ، فما أرى أن يُصَدُّوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مِكْرَزُ ابن حفص فقال: دعوني آتيه (1)، فقال: ائتِه، فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"هذا مكرز، وهو رجل فاجر" فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو.
قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة: أنَّه لما جاء سهيل (2) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد سَهُلَ لكم من أمركم". قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتُبْ بيننا وبينك كتابًا. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب (3)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اكتب (4): بسم اللَّه الرحمن الرحيم". فقال سهيل: أما الرحمن فواللَّه ما أدري ما هو، اكتب (5): باسمك اللهم، كما كنت تكتب. فقال المسلمون: واللَّه لا نكتبها إلَّا بسم اللَّه الرحمن الرحيم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتب: باسمك اللهم"، ثم قال:"هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللَّه"، فقال سهيل: واللَّه لو نعلم (6) أنك رسول اللَّه ما صَدَدْنَاكَ
(1) في "صحيح البخاري": "دعوني آته".
(2)
في "صحيح البخاري": "سهيل بن عمرو".
(3)
في "صحيح البخاري": "الكاتب".
(4)
"اكتب" ليست في "صحيح البخاري".
(5)
في "صحيح البخاري": "ولكن اكتب".
(6)
في "صحيح البخاري": "لو كنا نعلم".
عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد اللَّه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"واللَّه إني لرسول اللَّه وإن كذَّبتموني، اكتب محمد بن عبد اللَّه".
وقال الزهري: وذلك لقوله: "لا يسألوني خطة يعظِّمون فيها حُرُمَاتِ اللَّه إلَّا أعطيتهم إياها"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"على أن تخلُّوا بيننا وبين البيت فنطوفه (1) " فقال سهيل: واللَّه لا تتحدث العرب أنا أُخذنا ضُغْطَةً، ولكن ذلك من العام المقبل. فكتب، فقال سهيل: وعلى أنَّه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلَّا رددته إلينا. فقال المسلمون: سبحان اللَّه! كيف يُرَدُّ إلى المشركين وقد جاء مسلمًا؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أَبو جندل بن سهيل بن عمرو يَوْسُفُ في قيوده قد خرج من أسفل مكة رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن تردَّه إليّ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّا لم نقض الكتابَ بعد" قال: فواللَّه إذًا لا أصالحك على شيء أبدًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فآجِزْهُ لي" فقال: ما أنا بمجيزٍ ذلك (2)؟ قال: "بلى فافعل" قال: ما أنا بفاعل، قال مِكْرَز: بل قد أجزناه لك. قال أَبو جندل: أَيْ معشر المسلمين! أُرَدُّ إلى المشركين وقد جئت مسلمًا؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عُذِّب عذابًا شديدًا في اللَّه، فقال (3) عمر بن الخطاب: فأتيتُ نبيَّ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلت: ألستَ نبي اللَّه حقًّا؟ قال: "بلى"، قال (4): ألسنا على الحق وعدوُّنا على الباطل؟ قال: "بلى"، قلت: فلمَ نُعطي الدَّنِيَّةَ في ديننا إذًا؟ قال:
(1) في "صحيح البخاري": "فنطوف به".
(2)
في "صحيح البخاري": "ما أنا بمجيزه لك".
(3)
في "صحيح البخاري": "قال فقال".
(4)
في "صحيح البخار": "قلت".
"إني رسول اللَّه، ولست أعصيه، وهو ناصري"، قلت: ألستَ (1) كنت تحدثنا أنَّا نأتي (2) البيت فنطوف به؟ قال: "بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام" قلت: لا، قال:"إنك آتيه ومطوِّفٌ به"، قال: فأتيت أبا بكر، فقلت: يا أبا بكر! أليس هذا نبي اللَّه حقًّا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدُّونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلمَ نعطي الدَّنيةَ في ديننا إذًا؟ قال: أيها الرجل! إنه رسول اللَّه، وليس يعصي ربه، وهو ناصِرُه، فاستمسِكْ بغَرْزِهِ، فواللَّه إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنَّا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، أفأَخبرك أنك تأتيه العام؟ فقلت (3): لا، قال: فإنك آتيه ومطوِّف به.
قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالًا.
قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"قوموا فانحروا ثم احلِقُوا" قال: فواللَّه ما قام منهم أحد (4) حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سَلَمَة فذكر ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا رسول اللَّه! أتحبُّ ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَكَ، وتدعو حالقك فيحلِقَكَ. فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، نحر بُدْنَهُ ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غَمًّا.
(1) في "صحيح البخاري": "أو ليس".
(2)
في "صحيح البخاري": "سنأتي".
(3)
في "صحيح البخاري": "قلت".
(4)
في "صحيح البخاري": "رجل".
ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل اللَّه عز وجل (1): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} حتى بلغ: {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، فطَلَّقَ عُمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أُمَيَّةَ.
ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجاءه أَبو بَصِير -رجل من قريش- وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهدَ الذي جعلت لنا. فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم (2)، فقال أَبو بَصير لأحد الرجلين: واللَّه إني لأرى سيفك هذا (3) جَيِّدًا، فاستله الآخر فقال: أجل واللَّه إنه لجيد، لقد جرَّبتُ به، ثم جربت به (4). فقال أَبو بَصير: أرني أنظر إليه. فأمكنه منه، فضربه حتى بَرَد، وفرّ الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يَعْدُو، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين رآه:"لقد رأى هذا ذُعْرًا" فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قُتِلَ واللَّه صاحبي، وإني لمقتول. فجاء أَبو بَصير فقال: يا نبي اللَّه! قد -واللَّه- أوفى اللَّه ذمتك، قد رَدَدْتَني إليهم ثم أنجاني اللَّه منهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرُ حربٍ لو كان له أحد" فلما سمع ذلك عرف أنَّه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سِيفَ البَحْر، قال: وينفلت منهم أَبو جَنْدَل (5)، فلحق بأبي بَصير، فجعل لا يخرج من
(1) في "صحيح البخاري": "اللَّه تعالى".
(2)
في "د": "ثمارهم"، والمثبت من "صحيح البخاري" و"ص".
(3)
في "صحيح البخاري": "سيفك هذا يا فلان".
(4)
في "صحيح البخاري": "لقد جربت به، ثم جربت به، ثم جربت".
(5)
في "صحيح البخاري": "أَبو جندل بن سهيل".
قريش أحد (1) قد أسلم إلَّا لحق بأبي بَصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فواللَّه ما يسمعون بعِيرٍ خرجت لقريش إلى الشام إلَّا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده اللَّهَ والرَّحم لَمَّا أرسل، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنزل اللَّه عز وجل (2):{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} حتى بلغ: {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 24 - 26]، وكانت حميتهم أنهم لم يُقروا أنَّه نبي اللَّه، ولم يُقروا ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، وحالوا بينه وبين البيت.
وقال عُقَيْل، عن الزُّهْريِّ قال: قال عروة: فأخبرتني عائشة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن، وبلغنا أنَّه لما أنزل اللَّه (3) أن يَرُدُّوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم، وحكم على المسلمين ألَّا يمسكوا بعِصَمِ الكوافر، أنَّ عمر طلق امرأتين -قَرِيبَة بنت أبي أمية، وابنة جَرْوَل الخزاعي، فتزوج قريبةَ معاويةُ، وتزوَّج الأخرى أَبو جهم، فلما أبي الكفار أن يُقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم أنزل اللَّه عز وجل (4):{وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: 11] والعَقِب ما يُؤَدِّي المسلمون إلى من هاجرت امرأته من الكفار، فأَمَرَ أن يُعْطَى من ذَهَبَ له زوج من المسلمين ما أنفق من صَدَاقِ نساء الكفار اللائي هاجرن، وما نعلم أحدًا من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها، ويلغنا أن أبا بَصِير بن أسد الثقفي قَدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم مُؤْمِنًا مهاجرًا في المدّة فكتب الأخنس بن شريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله
(1) في "صحيح البخاري": "رجل".
(2)
في "صحيح البخاري": "اللَّه تعالى".
(3)
في "صحيح البخاري": "اللَّه تعالى".
(4)
في "صحيح البخاري": "اللَّه تعالى".
أبا بصير، فذكر الحديث.
الغريب:
"الغَمِيم": موضع قريب من مكة، و"قَتَرَةُ الجيش": غبارهم، و"حَلْ": كلمة تزجر بها الإبل، و"خَلأَت": حَرَنَتْ وتصعبت، والخلاء في الإبل كالحِرَان في الدواب.
و"الخُطة": الخصلة الجميلة، وهي بضم الحاء، و"الثَّمَدُ": القليل من الماء النابع، و"يَتَرَّضُهُ الناس": يأخذونه قليلًا. و"البَرَضُ": شرب القليل، و"يجيش": يفور فورًا كثير، و"صدروا عنه": رجعوا رواء.
و"عيبة نصح رسول اللَّه"؛ يعني: أصحاب سره ونصحه، و"العُوذُ المَطَافِيلُ": الحديثات النَّتاج التي معها أطفالها، وهي أكرم الإبل عندهم.
"نهكتهم الحرب": أضعفتهم، و"مَادَدْتَهم": صَالَحْتَهم، و"جَمُّوا"؛ أي: تقوَّوا ونشطوا، و"السَّالِفَة": العُنُق، و"استنفرت": طلبت منهم أن ينفروا، و"بلَّحوا": تأخروا، مأخوذٌ من البَلَح الذي لا تبدو فيه نقطة الإرْطَاب، واللَّه أعلم، و"استأصلت": أهلكت، و"اجتاح" بمعناه.
و"النُّخَامة": البصاق الغليظ، و"وفدت": قَدِمت، و"ضُغْطَةً": غلبةً وقهرًا، و"يُرسُف في قيوده": يمشي فيها مشي المقيد المثقَلُ، و"قاضَى": صالح، و"أَجِزْ لي"؛ أي: اتركه لي، فلم يفعل سهيل ولا نفع إجازة مِكْرَز، و"الدَّنِيَّةُ": صفة لمحذوف؛ أي: الحالة الدنية؛ أي: الخسيسة، و"العِصَم": جمع عِصْمَة؛ ويعني بها: عصمةَ النكاح، وأصل العصمة: المنع، و"يعدو": يجري، و"الذُّعْر": الفزع.
* * *