المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زكاة الفضة والمعتبر فيها: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٣

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

-

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌مفهوم الزكاة:

- ‌فائدة الزكاة:

- ‌متى فرضت الزكاة

- ‌حكم الزكاة:

- ‌مسألة: هل تُؤخذ الزكاة قهرًا

- ‌مسألة: هل يمنع الدَّين وجوب الزكاة

- ‌زكاة بهيمة الأنعام:

- ‌أحكام مهمة في السوم:

- ‌زكاة الفضة والمعتبر فيها:

- ‌حكم الخلطة في السائمة وغيرها:

- ‌زكاة البقر ونصابها:

- ‌مشروعية بعث السُّعاة لقبض الزكاة:

- ‌لا زكاة على المسلم في عبيده وخيله:

- ‌للإمام أن يأخذ الزكاة قهرًا ويعاقب المانع:

- ‌شروط الزكاة:

- ‌حكم زكاة البقر العوامل:

- ‌فائدة فيما لا يشترط فيه الحول:

- ‌الزكاة في مال الصبي:

- ‌الدعاء لمخرج الزكاة:

- ‌حكم لتعجيل الزكاة:

- ‌زكاة الحبوب والثمار:

- ‌مسألة: اختلاف العلماء في نصاب الفضة

- ‌أنواع الحبوب التي تجب فيها الزكاة:

- ‌خرص الثمر قبل نضوجه:

- ‌حكم زكاة الحلي:

- ‌فائدة في جواز لبس الذهب المحلق:

- ‌زكاة عروض التجارة:

- ‌كيف نؤدي زكاة عروض التجارة

- ‌زكاة الركاز:

- ‌زكاة الكنز والمعادن:

- ‌1 - باب صدقة الفطر

- ‌صدقة الفطر من تجب

- ‌فائدة: الواجبات تسقط بالعجز:

- ‌الحكمة من صدقة الفطر

- ‌مقدار صدقة الفطر ومما تكون

- ‌وقت صدقة الفطر وفائدتها:

- ‌2 - باب صدقة التَّطوُّع

- ‌مفهوم صدقة التطوع وفائدتها:

- ‌استحباب إخفاء الصدقة:

- ‌فضل صدقة التطوع:

- ‌اليد العليا خير من اليد السفلى:

- ‌أفضل الصدقة جهد المقل:

- ‌فضل الصدقة على الزوجة والأولاد:

- ‌حكم صدقة المرأة من مال زوجها:

- ‌جواز تصدق المرأة على زوجها:

- ‌كراهية سؤال الناس لغير ضرورة:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌3 - باب قسم الصدقات

- ‌أقسام أهل الزكاة:

- ‌متى تحل الزكاة للغني

- ‌من اللذين تتجل لهم الصدقة:

- ‌فائدة في أقسام البيئات:

- ‌الصدقة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لآله:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌آل النبي الذين لا تحل لهم الصدقة:

- ‌حكم أخذ موالي آل الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقة

- ‌جواز الأخذ لمن أعطي بغير مسألة:

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌مفهوم الصيام وحكمه:

- ‌فوائد الصيام:

- ‌النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين:

- ‌كيف يثبت دخول رمضان

- ‌يقبل خبر الواحد في إثبات الهلال:

- ‌حكم تبييت النية في الصيام:

- ‌مسألة: ما الحكم إذا تعارض الرفع والوقف

- ‌حكم قطع الصوم

- ‌فضل تعجيل الفطر:

- ‌فضل السُّحور:

- ‌النهي عن الوصال:

- ‌حكمة مشروعية الصيام:

- ‌هل تبطل الغيبة الصيام

- ‌حكم القبلة للصائم:

- ‌حكم الحجامة للصائم

- ‌فائدة في ثبوت النسخ في الأحكام:

- ‌حكم الفصد والشرط للصائم:

- ‌حكم الاكتحال للصائم:

- ‌حكم من أكل أو شرب ناسيًا وهو صائم:

- ‌حكم من استقاء وهو صائم:

- ‌حكم الصيام في السفر:

- ‌جواز فطر الكبير والمريض:

- ‌حكم من جامع في رمضان:

- ‌مسألة: هل المرأة زوجة الرجل عليها كفارة

- ‌هل على من تعمد الفطر كفارة

- ‌حكم الصائم إذا أصبح جنبًا:

- ‌حكم من مات وعليه صوم:

- ‌1 - باب صوم التَّطوُّع وما نهي عن صومه

- ‌فضل صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء:

- ‌فائدة: حكم الاحتفال بالمولد النبوي:

- ‌فضل صيام ستة أيام من شوال:

- ‌فضل الصوم في شعبان:

- ‌حكم صوم المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌فائدة: حكم سفر المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌النهي عن صيام يوم الفطر ويوم النحر:

- ‌النهي عن صيام أيام التشريق:

- ‌فائدة في حقيقة الذكر:

- ‌حكم صيام يوم الجمعة:

- ‌حكم صيام يوم السبت والأحد تطوعًا:

- ‌حكم الصيام إذا انتصف شعبان:

- ‌النهي عن صوم يوم عرفة للحاج:

- ‌النهي عن صوم الدهر:

- ‌2 - باب الاعتكاف وقيام رمضان

- ‌مفهوم الاعتكاف وحكمه:

- ‌فضل العشر الأواخر من رمضان:

- ‌فائدة في ذكر أقسام أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌آداب الاعتكاف وأحكامه:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌ليلة القدر

- ‌فضل المساجد الثلاثة:

- ‌فائدة:

-

- ‌كتاب الحج

- ‌تعريف الحج لغةً واصطلاحًا:

- ‌متى فرض الحج

- ‌1 - باب فضله وبيان من فرض عليه

- ‌شروط الحج المبرور:

- ‌جهاد النساء: الحج والعمرة:

- ‌حكم العمرة:

- ‌حكم حج الصبي:

- ‌حكم الحج عن الغير:

- ‌حكم سفر المرأة بغير محرم للحج والخلوة:

- ‌حكم من حج عن غيره قبل الحج عن نفسه:

- ‌فرض الحج في العمر مرة واحدة:

- ‌2 - باب المواقيت

- ‌المواقيت: تعريفها وبيان أقسامها:

- ‌3 - باب وجوه الإحرام وصفته

- ‌4 - باب الإحرام وما يتعلق به

- ‌استحباب رفع الصوت بالتلبية:

- ‌جواز استعمال الطيب عند الإحرام:

- ‌النهي عن النكاح والخطبة للمحرم:

- ‌من محظورات الإحرام قتل الصيد:

- ‌ما يجوز للمحرم قتله:

- ‌فائدة: أقسام الدواب من حيث القتل وعدمه:

- ‌حكم الحجامة للمحرم:

- ‌تحريم مكة:

- ‌تحريم المدينة:

- ‌5 - باب صفة الحج ودخول مكة

- ‌صفة دخول مكة:

- ‌صفة الطواف:

- ‌وقت رمي جمرة العقبة والوقوف بعرفة والمزدلفة:

- ‌متى تقطع التلبية

- ‌صفة رمي الجمرات ووقته:

- ‌وقت الحلق أو التقصير:

- ‌صفة التحلل عند الحصر وبعض أحكامه:

- ‌التحلل الأصغر:

- ‌عدم جواز الحلق النساء:

- ‌مسألة حكم قص المرأة لشعر رأسها

- ‌استحباب الخطبة يوم النحر:

- ‌حكم طواف الوداع في الحج والعمرة:

- ‌فضل الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي:

- ‌6 - باب الفوات والإحصار

- ‌الاشتراط عن الإحرام وأحكامه:

- ‌أسئلة مهمة على الحج:

- ‌كتاب البيوع

- ‌1 - باب شروطه وما نهي عنه

- ‌أطيب الكسب:

- ‌تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام:

- ‌تحريم بيع الميتة مثل الدخان والدم:

- ‌تحريم بيع الأصنام وما يلحق بها من الكتب المضلة والمجلات الخليعة:

- ‌النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن:

- ‌جواز اشتراط منفعة المبيع للبائع:

- ‌جواز بيع المدبَّر إذا كان على صاحبه دين:

- ‌حكم أكل وبيع السمن الذي تقع فيه فأرة:

- ‌بطلان مخالفة الشرع:

- ‌حكم أمهات الأولاد:

- ‌النهي عن بيع فضل الماء وعسب الفحل:

- ‌النهى عن بيع الولاء وهبته:

- ‌النهي عن بيع الحصاة وبيع الغرر:

- ‌مسألة: هل يجوز بيع المسك في فأرته

- ‌بيع الجهالة:

- ‌النهى عن بيعتين في بيعة:

- ‌السلف والبيع:

- ‌بيع العُربان:

- ‌حكم بيع السلع حيث تُبتاع:

- ‌مسألة بيع الدَّين:

- ‌بيع النَّجش:

- ‌النهي عن المحاقلة والمزابنة وما أشبهها:

- ‌النهى عن تلقِّي الرُّكبان:

- ‌بيع الرجل على بيع أخيه المسلم:

- ‌حكم التفريق بين ذوي الرحم في البيع:

- ‌حكم التسعيرة:

- ‌ الاحتكار

- ‌بيع الإبل والغنم المصرَّاة:

- ‌تحريم الغش في البيع:

- ‌جواز التوكيل في البيع والشراء:

- ‌بيع الغرر:

- ‌بيع المضامين:

الفصل: ‌زكاة الفضة والمعتبر فيها:

ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدِّق" فالاستثناء هنا كقوله سبحانه: {فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا وأولئك هم الفاسقون} [النور: 4]. هذه ثلاثة أحكام: {فاجلدوهم} ، {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا وأولئك هم الفاسقون} ، {إلا الذين تابوا} [النور: 5]. هذه عائدة على الأخير بالاتفاق، {وأولئك هم الفاسقون} ولا تعود على الأول، وهي كقوله:{فاجلدوهم} ؛ لأن الجلد لا يسقط بالتوبة بعد القدرة، وأما الثانية:{ولا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا} ففيه خلاف، والقاعدة أن الاستثناء أو الشرط إذا تعقب جملًا فإنه يعود إلى الكل ما لم يوجد مانع، المانع هنا: أنه لا يجوز للمصدق أن يقبل ذات العوار أو الهرمة.

‌زكاة الفضة والمعتبر فيها:

قوله: "وفي الرقة في مائتي درهم ربع العشرة"، "الرِّقة" بالكسر كعدة، وأصلها: ورق أو ورق وهي: الفضة، قال الله تعالى:{فابعثوا أحدكم بورقكم هذه} [الكهف: 19]. فخذفت منها فاء الكلمة، وعوضت عنها هاء التأنيث فصارت رقة مثل عدة، لكن "في الرقة في مائتي درهم"، وهذا البدل قلنا: إنه بدل اشتمال أو بدل بعض من كل؛ لأن الرِّقة تشمل مائتي درهم وما زاد وما نقص، فقال:"في مائتي درهم ربع العشر". هذا مبتدأ مؤخر، واحد من أربعين؛ لأن العشر واحد من عشرة، والربع واحد من أربعة، إذن ربع العشر واحد من أربعين، فعلى هذا اقسم ما عندك من الفضة على أربعين والخارج بالقسمة هو الزكاة قلَّت أو كثرت.

قال: "في مائتي درهم ربع العشر" هنا علَّق النصاب بالعدد في مائتي درهم، وفي حديث أبي هريرة:"ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة" فعلَّقه بالوزن، ومن ثمَّ اختلف أهل العلم؛ فقال أكثر أهل العلم: إن المعتبر الوزن؛ لأنه هو الذي ينضبط، فإن المثاقيل لم تختلف في جاهلية ولا إسلام بخلاف الدراهم فإن الدراهم مختلفة، كانت-كما قيل- في عهد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يكون ستة دوانق، ومنها ما يكون ثمانية دوانق؛ فلما تولى عبد الملك بن مروان وحُدّها وجعلها سنًا وثمانيا، يعني: جعلها وسطا سبع دوانق، وهذا متأخر عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن العلماء من قال: إن المعتبر العدد، وأن مائتي درهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تساوي في الوزن خمس أواق. قالوا: بدليل أن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا". النِّش؛ بمعنى: النصف، نصف أوقية. الأوقية تبلغ أربعين درهمًا إذا كانت ثنتي عشرة أوقية ونصف، كم يكون المجموع؟ خمسمائة، قالوا: فهذا- أي: حديث عائشة- دليل على أن الدراهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كل أربعين درهمًا يعتبر أوقية، لأنها بيَّنت قالت:"كان ثنتي عشرة أوقية ونشًّا"، والأوقية: أربعون درهمًا فتلك خمسمائة درهمًا، فهذا دليل واضح على أن

ص: 27

الأواقي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كل واحدة تساوي أربعين درهمًا، فالمعتبر العدد، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولكن جمهور أهل العلم على أن المعتبر الوزن، ولكن ما دمنا نقول: إن العدد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم البالغ مائتي درهمًا يساوي خمس أواقٍ فإننا نعتبر الدراهم بالعدد، ونعتبر غير الدراهم بالوزن وحينئذٍ نأخذ بالدليلين جميعًا، فنقول: نصاب الفضة من الدراهم مائتا درهم قلَّ ما فيه من الفضة أو كثر، وما تعامل الناس به وسموه درهمًا فهو درهم، حتى لو كان ثقيل الوزن أو كان خفيف الوزن لا نعتبره، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأنكر على من خالف في ذلك.

والقول الثاني: وهو قول جمهور أهل العلم، حتى إن بعضهم قال إن الخلاف شاذٌّ هو أن المعتبر الوزن، وننظر آخر الحديث ربما يؤيد كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

"وفي الرقة في مائتي درهم ربع العُشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها"، "إلا تسعين ومائة" يعني: تسعين درهمًا ومائة؛ فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربُّها وإن كان مائة وخمس وتسعين؟ يقولون: إنهم يدعون الفصل فيما بين الأعشار عقد العدد يلغون الكسر، فكأنه قال: فإن لم يكن إلا تسعة وتسعون ومائة، وعليه فما دون المائتين من الدراهم ليس فيه زكاة؛ لأن حديثها هنا صريح بأن المعتبر العدد فجاء به منطوقًا وجاء مفهومًا. المنطوق:"في كل مائتي درهم ربع العُشرة"، مفهومه: أنَّ ما دون ذلك ليس فيه شيء، وجاء به لهذا المفهوم منطوقًا فقال:"فإن لم تكن إلا تسعين ومائة"، المهم إذا اعتبرنا الوزن في نصاب الفضة فهو أربعون ومائة مثقال، كل مثقال بالغرام أو بالغرام أربع غرامات وربع، وبناء على ذلك كم الريال العربي؟ يقول الصائغ: إنه إحدى عشر غرامًا وثلاثة أرباعه.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة"، متى تكون الجذعة؟ من (61) إلى (75) إذا كان (61، 62، 63، 64) إلى (75)، وليس عنده جذعة.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "وعنده حقة"، الحقة من (46) إلى (69).

يقول: "وعنده حقة" فإنها تقبل منه الحقة، من يقبله؟ المصدق، "ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهمًا"، ولكن الرسول يقول:"وليست عنده جذعة"، فيفيد الحديث بأنها إن كانت عنده جذعة فإن الحقة لا تقبل منه، ولو دفع الجبران.

ثم قال: "يُجعل معها شاتين إن استيسرتا له"، كم الفرق بين صدقة الحقة وصدقة الجذعة؛ يعني: الوقص؟ او العدد (46) آخرها (60) فيكون (15)، (15) في باب الجبران نقصت عن التقويم فيما كان عنده خمس من الإبل؛ يعني: خمس من الإبل العُشر فيها شاتان وهنا خمس عشرة كان جبرها شاتين؛ لأنه كلما زاد العدد نقصت النسبة كما تشاهدون فيما سبق.

ص: 28

فالآن لو قال قائل: لماذا كان الجبران شاتين في مقابل خمسة عشر بعيرًا؟

نقول: لأنه كلما زاد العدد نقصت النسبة بخلاف الذي عنده خمسة عشر فعليه ثلاثة شياه، وقوله:"إن استيسرتا له" يعني: إذا كانت موجودة عنده متيسرة، فإن لم تكن عنده فإنه لا يلزم بالشراء ولكن يدفع عشرين درهمًا، وهذا يدل على أنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت الشاتان تساوي عشرين درهمًا؛ يعني: الشاة بعشرة دراهم.

يقول: "ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة"، "بلغت" أي: وجبت صدقة الجذعة وهي من (61) إلى (75)، "وليست عنده جذعة وعنده حقة" الجذعة: هي التي لها أربع سنوات، "عنده حقة"، يعني لها ثلاث سنوات، "فإنها تقبل منه". "تُقبل" مبنية للمجهول، والقابل هو المصدق، وتقبل منه حقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهمًا" جبرًا لما نقص من السِّن؛ لأنه معلوم الفرق بين الحقة والجذعة سنة كاملة وهذا تتغير به القيمة، لكن الشارع هنا لم يقل: عليه الفرق بين القيمتين، وكان الذي يتبادر إلى الذهن أن يقول: فإنها تقبل منه الحقة ويدفع الفرق بين القيمتين، وإذا كان كذلك فإن هذا يختلف باختلاف الأزمان والأماكن، قد تكون سنة من السنوات الفرق بينهما خمسون درهمًا، وقد تكون في سنة الفرق مائة، وقد يكون في سنة ثلاثين لكن لم يقل ذلك، وإنما حددها بنفسه حتى لا يحصل النزاع والخصام بين المصدِّق والمصدَّق، المصدَّق هو دافع الصدقة والمصدِّق هو آخذ الصدقة؛ لأننا لو رجعنا إلى الفرق بين القيمتين لكان المصدَّق يقول: الفرق مائة، والمصدِّق يقول: الفرق مائتان يزيد، فمن أجل دفع النزاع وقطع الخصام قدَّرَهَا الشارع، نظير هذا ما جاء في "المصراة" إذا تبين له التصرية، والمصراة هي التي حُبس لبنها عند البيع من إبل، أو بقر، أو غنم، يحبس عند البيع من أجل إذا رآها المشتري يظن أنها كثيرة اللبن، فالشارع جعل له الخيار ثلاثة أيام ويُردُّ معها صاعًا من تمر عوضًا عن اللبن، ليس المحلوب بعد العقد، بل عن اللبن الموجود حين العقد؛ لأنه هو الذي نما ونشأ في ملك البائع، أما ما بعد العقد فإنه في ملك المشتري ليس له قيمة، هذا اللبن الذي هو في ضرع البهيمة عند العقد لو قدر بالقيمة يحصل نزاع هذا يقول: مد، وهذا يقول: ربع مُد؛ فالشارع قطع النزاع وجعل الواجب صاعًا من تمر حتى ينتهي الموضوع، هذا مثلها: - والله أعلم- أنه جعل شاتين أو عشرين درهمًا، يبقى عندنا "العشرون درهم" معروفة، لكن الشاتان أفلا تختلف؟ بلى، لكنها تكون على نحو الإبل جودة ورداءة، ويتبع في ذلك العدل فلا تؤخذ شاتان طيبتان والإبل من الوسط ولا العكس، وإنما تؤخذ شاتان على قدر القيمة فتكون متوسطتين، فإن لم يتيسرا لصاحب الإبل فإنه يدفع عشرين درهمًا بالعدد.

ص: 29

قال: "ومن بلغت عنده" أي: وجبت عنده "صدقة الحقة" ولها ثلاث سنوات، "وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدِّق عشرين درهمًا أو شاتين" لماذا؟ دفعًا للزائدة" لأن الآن المصدَّق الدافع دفع أكثر مما يجب عليه فيعطى عوضًا عن الزائد شاتين، أو عشرين درهمًا هنا يقول: "عشرين درهمًا أو شاتين"، و"أو" هنا للتخيير، ولم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن استيسرتا له"، وعلى هذا فيجب على المصدِّق أن ينظر الأصلح لأهل الزكاة بشرط ألَاّ يكون في ذلك ظلم على صاحب الحق، فإذا رأى أن الأفضل أن يدفع عشرين درهمًا فعل أو شاتين دفع شاتين.

قال المؤلف: "رواه البخاري"، لكن البخاري رحمه الله رواه مفرَّقًا في صحيحه كعادته في أغلب الأحيان، حيث إنه يذكر الأحاديث مفرقة إما على حسب الأسانيد أو على حسب الأبواب كما يرى رحمه الله، لكن المؤلف رحمه الله جمعه وهذا حسن.

هذا الحديث حديث عظيم وفيه فوائد كثيرة جدًّا فنبدأ بفوائده: أولًا يقول: "إن أبا بكر كتب له .... إلخ.

فيستفاد من هذا: العمل بالكتابة في الحديث، وأن أصل كتابة الحديث موجودة في عهد الخلفاء كما هو موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اكتبوا لأبي شاة"، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص من أكثر الصحابة حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يكتب الحديث، والعمل بالكتابة في نقل الحديث وروايته أمر مجمع عليه مع دلالة النصِّ عليه وإشارة القرآن إلى ذلك، فإن الله تعالى جعل الكتابة من الطرق التي تتوثق بها الحقوق:{يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمى فاكتبوه} [البقرة: 282].

وفيه أيضًا: جواز الإشارة إلى ما ليس بموجود بل متصور في الذهن لقوله: "هذه فريضة الصدقة"، وهو قبل أن يكتبها.

ومنها: أن الصدقة بجميع أحوالها وأوصافها وأنواعها ومقاديرها فريضة حتى في صرفها فريضة ليست راجعة إلى اختياري أنا الذي وجبت علي، بل هي فريضة من الله حتى في صرفها لما ذكر الله عز وجل أهل الزكاة قال:{فريضةً من الله} [التوبة: 60]. فلا يجوز لنا أن نتعدى ما فرض الله فيها، كما لا يجوز لنا أن نتعدى ما فرض الله في الصلاة، فلا يجوز لنا أن نتعدى ما فرض الله في الزكاة.

ومنها أيضًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم يضاف إليه الفرض لقوله: "التي فرض"، إذن هو يفرض كما أنه يوجب ويأمر؛ فهو يوجب كما في قوله صلى الله عليه وسلم: غسل الجمعة واجب على كل محتلم"، وهو

ص: 30

يأمر كما في أحاديث كثيرة لا تحصى، وهو أيضًا يفرض كما في هذا الحديث وكما في قول عبد الله بن عمر:"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعيره".

فإن قلت: هل يستقل الرسول صلى الله عليه وسلم بالحكم وبحكم من عنده؟

فالجواب: أن هذا على قسمين: قسم يكون بالوحي، وقسم آخر يكون من عنده، لكن إقرار الله له يجعله في حكم الحكم، كما قلنا: إن الصحابي إذا فعل فعلًا وأقره النبي صلى الله عليه وسلم يكون في حكم السُّنة، كأن الرسول هو الذي قاله أو فعله، كذلك أيضًا ما حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم وأقره الله عليه فإنه يضاف إلى الله تعالى وحيًا على سبيل الإقرار.

ومنها: أن هذا الفرض الذي فرضه الرسول صلى الله عليه وسلم فرض على المسلمين، فهل يؤخذ منه أن الكافر لا يخاطب بفروع الشريعة؟ ظاهره كذلك، وهو كذلك أيضًا بالنسية للمخاطبة في الدنيا، فإننا لا نخاطب الكافر بالزكاة وهو لم يستلم أبدًا، وفي حديث معاذ الذي قبل هذا الحديث أمرهم أن يدعوهم أولًا إلى التوحيد، ثم إلى الصلاة، ثم إلى الزكاة، ومن الجهل جدًّا أن تقول لكافر يقابلك- سيشرب الدُّخان- يا رجل هذا الدخان حرام، هل هذا يصلح؟ لا يصلح، فلأن تأمره الأول بالإسلام أهم من شرب الدخان.

إذن هم لا يخاطبون بفروع الإسلام في الدنيا، لكن في الآخرة يعاقبون عليها، وهنا ثلاثة أمور بالنسبة لشرائع الإسلام في حق الكافر:

أولاً: لا يخاطب بها في الدنيا فيلزم بها، بل نقول له: أسلم.

ثانيًا: إذا أسلم لا نأمره بإعادتها أو لا نأمره بقضائها؛ لأن الله يقول: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38]. ولهذا لا نضمنهم لو كانوا قاتلين لآبائنا وإخواننا وأبنائنا؛ لأن الإسلام يهدم ما قبله.

ثالثًا: بالنسبة للخطاب في الآخرة يعاقبون عليها؛ بدليل قوله تعالى: {يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين} [المدثر: 40 - 46]. فذكروا ثلاثة أشياء.

لعل قائلًا يقول: إن كونهم يكذبون بيوم الدِّين هو الذي أوجب لهم الدخول في النار؛ لأنه كفر فلا نسلم أن يكونوا مخاطبين بالفروع، فما الجواب؟ .

الجواب أن نقول: لولا أن لتركهم ذلك أثرا في دخولهم النار ما ذكر؛ لأن ذكره عبث لا فائدة منه، فهم يخاطبون بها في الآخرة، بل إنهم يعذَّبون على الأمور المباحة للمسلم من الأكل والشُّرب واللباس، هم يعاقبون عليها وهو مباح للمسلم، ما الدليل؟ قوله تعالى: "ليس

ص: 31

على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناحٌ فيما طعموا

} [المائدة: 93]. مفهومه: غير المؤمنين عليهم الجناح وهذا المفهوم هو منطوق، في آية أخرى:{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين ءامنوا في الحيوة الدنيا خالصة يوم القيامة} [الأعراف: 32]. هي لهم في الدنيا مباحة حلال خالصة يوم القيامة ليس فيها شائبة ولا يلحقهم فيها تبعة، وهذا دليل على أن غيرهم بالعكس، فإذن الكافر مخاطب بفروع الشريعة، بل وبما أحلَّ الله للمسلم في الآخرة، هنا قال:"والتي أمر الله بها رسوله" الواو قلنا إنها من باب عطف الصفات، التي أمر الله بها رسوله، في هذا دليل على أن هذه الفريضة التي بلَّغها الرسول صلى الله عليه وسلم كانت بأمر الله عز وجل.

ومن فوائد هذا الحديث: حكمة الشارع في الإيجاب في الصنف وفي الوصف وفي القدر؛ لأن الإبل ما دون ((25)) الزكاة واجبة من غير صنفها واجبة من الغنم؛ لأنها لا تتحمل أن تجب الزكاة فيها من جنسها، فلهذا جواز الزكاة الواجبة من غير جنسها، في الوصف الذي هو السن كما ترون في (25) بنت مخاضي، وفي (? 6) بنت لبون، وفي (46) حقة، وفي (6? ) جذعة، اختلفت الأوصاف باختلاف المال؛ لأن كل مال يناسبه ما أوجبه الشارع فيه، أما في القدر ففي (76) بنتا لبون زاد قدر الواجب ثم هناك حكمة أخرى، وهي: أن الأثمان المعيَّنة وهي أربعة الأول والأخير لا يتكرر والوسط هو الذي يتكرر أيضًا إذا استقرت الفريضة فإن الأول والأخير لا يدخلان أصلًا فهذان فائدتان، السن الأول أدنى السنين والسن الأخير أعلاها فلا يتكرر.

ثانيًا: السن الأول والأخير لا يكون فيما إذا استقرت الفريضة؛ لأنها إذا استقرت في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة.

ومن فوائد هذا الحديث: ثبوت الوقص في زكاة السائمة، والوقص ما بين الفرضين وهو معفو عنه، فهل هذا الوقص يثبت في غير السائمة؟ الصحيح أنه لا يثبت، فمثلًا رجل ملك ((200)) درهم فيه الزكاة كم؟ ربع العشر، يعني: فيها خمسة، ملك (210) فيها خمسة وربع، في (? ? ? ) فيها (سبعة ونصف)، في (4? ? ) فيها (? ? ) لا نقول إننا من (? ? ? ) إلي (4? ? ) لا نزيد لأنه كان هناك وقص كنا نقول ما نزيل إلا إذا وجد نصاب جديد، ولكنه لا وقص لو زاد درهم واحد وجبت زكاته بخلاف السائمة وهذا مما تختص به السائمة.

ومن فوائد هذا الحديث: إثبات الخلطة والتفريق في الماشية، بمعنى: أنه إذا كان مال الرجل متفرقًا وفي كل ناحية ما هو أقلُّ من النصاب وليس ذلك حيلة فلا زكاة عليه، كما لو كان له عشرون شاة في بلد وعشرون شاة في بلد آخر فلا زكاة عليه، ولو كان عنده مائة درهم في بلد ومائة درهم في آخر وجبت عليه الزكاة.

ص: 32