الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي بذلك فالصوم صحيح.
وزيادة أبي داود: "غير رمضان"، هل يمكن أن يقول قائل: المراد: غير رمضان أداءً لا قضاء؟ ممكن، مثل أن يكون مسافرًا أو قادمًا من سفر، أو يكون مريضًا أو مضطرًا لإنقاذ غريق من غرق، وفيه أيضًا لو صامت عن نَذر هل يحلُّ لها أن تصوم وزوجها شاهد؟ نقول: إذا كان قد أذن لها في النذر وصامت فلا بأس، يعني مثلًا: قالت: عليَّ ثلاثة أيام صوم نذر، قال: موافق فصامت من الغد من غير أن تقول: أني سأصوم غدًا، هل يصح؟ يصح؛ لأنه أذن لها فيه.
في الكفارة هل لها أن تصوم وزوجها شاهد بدون إذنه؟ إذا كان هو السبب فلا بأس، وإن كان ليس السبب كما لو كان كفارة يمين- وهي على الفور- فالظاهر: أنه في هذه الحالة لها أن تفعل، لأن هذا الحق واجب لله فلها أن تفعل.
النهي عن صيام يوم الفطر ويوم النحر:
652 -
وَعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيَّ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن صِيَامِ يَومَينِ: يَومِ الفِطرِ، وَيَومِ النَّحرِ". مُتَّفَقٌ عَلِيهِ.
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى"، "النهي" أنه طلب الكفَّ على وجه الاستعلاء: يعني: على وجه يعتقد الناهي أنه أعلى رتبة من المنهى، وكل النواهي التي ترد في الكتاب والسُّنة فهي على هذا الوصف، فإن الناهي إما الله عز وجل وإما النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "عن صيام يومين: يوم الفطر" بالكسر على أنه بدل بعض من كل، و"يوم الفطر" وهو أول يوم من شوال؛ لأن الناس يفطرون فيه من رمضان، "ويوم النحر" هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة؛ لأن الناس ينحرون فيه الضحايا، وسُمَّي يوم النحر تغليبًا لما هو أكبر وأفضل وهي: الإبل، وإلا فإن نحرًا وفيه ذبحًا.
في هذا الحديث يقول: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كذا"، وإذا قال الصحابي ذلك فالصواب بلا شك: أنه بمنزلة قوله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصوموا، يعني: كالنهي الصريح، لأن هناك فرقًا بين نهي و"لا تصوموا"؛ لأن الثاني صريح، والصواب أيضًا: أن الأول صريح، وأما قول من قال: إنه ليس بصريح لاحتمال أن يكون الصحابي فهم أنه نهى وليس بنهي؛ فهذا بعي ولا يرد، وذلك لأن الصحابي عالم باللغة العربية ومدلولاتها، ولا سيما كلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يزل يسمعه منه كثيرًا، فالصواب: أن قوله: "أمر"، وأن قوله:"نهى" أن الأول بمنزلة افعل، والثاني بمنزلة لا تفعل ولا فرق.
وقوله: "نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النحر"، إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامهما؛
لأنهما اليومان اللذان يحصل بهما الأكل والشرب إظهارًا لنعمة الله- سبحانه وتعالى في أيام النحر، وإظهارًا للفطر في يوم الفطر؛ لأن الناس لو صاموا لم يكن هناك فرق بين أول يوم من شوال وآخر يوم من رمضان، واختلطت الأيام التي يجب صيامها بالأيام التي لا يجب، والشارع له نظر في التفريق، ولهذا سبق لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يتقدم الإنسان رمضان بصوم يوم أو يومين خوفًا من أن يختلط الواجب بغيره، ولأن العبادة المحدودة إذا لم يكن هناك تمييز بين طرفيها فإنها تبدو وكأنها غير مؤقتة فمن أجل هذه الحكم نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُصام يوم عيد الفطر.
وأما قول بعض أهل العلم: إنه نهى عن صيامهما؛ لأن الخَلق في ضيافة الله ففيه نظر ظاهر؛ لأن الخَلق دائمًا في ضيافة الله، لكن الحكمة هو هذا، أما يوم النحر فالحكمة فيه؛ لأن الناس لو صاموا لكان هذا عُزوفًا عن تمتعهم بالأكل عن هداياهم وضحاياهم، وقد أمر الله تعالى بالأكل منها، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحكمة بقوله:"أيام التشريق أيام أكل وشُرب وذكر لله عز وجل"، فلما كان الصوم يحول بين الإنسان وبين أكله من هذه الشعيرة العظيمة وهي النُّسك نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: نهى عن صيامهما عامٌّ يشمل صيامهما على أنه فريضة أو أنه نافلة، ويشمل صيامهما مضمومين إلى ما بعدهما أو منفردين، بمعنى: أنه لا يجوز أن تصوم يوم الفطر ولو صمت اليوم الثاني، ولا اليوم العاشر ولو صمت اليوم التاسع، أو الحادي عشر فالنهي عن صيامهما مطلقًا.
فمن فوائد الحديث أولًا: تحريم صوم هذين اليومين.
ثانيًا: بيان حكمة الله عز وجل من الشريعة، وأنه- سبحانه وتعالى أراد منا أن نجعل الشريعة متميزة ظاهرة يتميز فيها كل شيء عن شيء.
ثالثًا: مشروعية الحفاظ على الأكل من الأضاحي وكذلك الهدايا؛ لأن الله أمر بها، والصوم يحول بيننا وبين الأكل إلا في الليل.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان لو نذر أن يصوم هذين اليومين فإن نذره لا يصح ولا يجوز الوفاء به، لماذا؟ لأنه معصية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من نذر أن يعصي الله فلا يعصه"، ولكن هل يلزمه أن يكفر كفارة يمين؟ هذا محل خلاف، والصحيح: أنه يلزمه أن يكفر كفارة يمين؛ لأنه ورد حديث في هذا، وثانيًا: لأن حقيقة الأمر أن النذر متضمن معنى اليمين، والمقصود باليمين: الإيجاب التأكيد على الفعل إن حلفت على فعل، أو على الترك إن حلفت على ترك.
ظاهر الحديث أيضًا: أنه لا يُصام يوم النحر ولا عن دم المُتعة والقِرآن مع أنه واجب؛