المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم بيع السلع حيث تبتاع: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٣

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

-

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌مفهوم الزكاة:

- ‌فائدة الزكاة:

- ‌متى فرضت الزكاة

- ‌حكم الزكاة:

- ‌مسألة: هل تُؤخذ الزكاة قهرًا

- ‌مسألة: هل يمنع الدَّين وجوب الزكاة

- ‌زكاة بهيمة الأنعام:

- ‌أحكام مهمة في السوم:

- ‌زكاة الفضة والمعتبر فيها:

- ‌حكم الخلطة في السائمة وغيرها:

- ‌زكاة البقر ونصابها:

- ‌مشروعية بعث السُّعاة لقبض الزكاة:

- ‌لا زكاة على المسلم في عبيده وخيله:

- ‌للإمام أن يأخذ الزكاة قهرًا ويعاقب المانع:

- ‌شروط الزكاة:

- ‌حكم زكاة البقر العوامل:

- ‌فائدة فيما لا يشترط فيه الحول:

- ‌الزكاة في مال الصبي:

- ‌الدعاء لمخرج الزكاة:

- ‌حكم لتعجيل الزكاة:

- ‌زكاة الحبوب والثمار:

- ‌مسألة: اختلاف العلماء في نصاب الفضة

- ‌أنواع الحبوب التي تجب فيها الزكاة:

- ‌خرص الثمر قبل نضوجه:

- ‌حكم زكاة الحلي:

- ‌فائدة في جواز لبس الذهب المحلق:

- ‌زكاة عروض التجارة:

- ‌كيف نؤدي زكاة عروض التجارة

- ‌زكاة الركاز:

- ‌زكاة الكنز والمعادن:

- ‌1 - باب صدقة الفطر

- ‌صدقة الفطر من تجب

- ‌فائدة: الواجبات تسقط بالعجز:

- ‌الحكمة من صدقة الفطر

- ‌مقدار صدقة الفطر ومما تكون

- ‌وقت صدقة الفطر وفائدتها:

- ‌2 - باب صدقة التَّطوُّع

- ‌مفهوم صدقة التطوع وفائدتها:

- ‌استحباب إخفاء الصدقة:

- ‌فضل صدقة التطوع:

- ‌اليد العليا خير من اليد السفلى:

- ‌أفضل الصدقة جهد المقل:

- ‌فضل الصدقة على الزوجة والأولاد:

- ‌حكم صدقة المرأة من مال زوجها:

- ‌جواز تصدق المرأة على زوجها:

- ‌كراهية سؤال الناس لغير ضرورة:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌3 - باب قسم الصدقات

- ‌أقسام أهل الزكاة:

- ‌متى تحل الزكاة للغني

- ‌من اللذين تتجل لهم الصدقة:

- ‌فائدة في أقسام البيئات:

- ‌الصدقة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لآله:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌آل النبي الذين لا تحل لهم الصدقة:

- ‌حكم أخذ موالي آل الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقة

- ‌جواز الأخذ لمن أعطي بغير مسألة:

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌مفهوم الصيام وحكمه:

- ‌فوائد الصيام:

- ‌النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين:

- ‌كيف يثبت دخول رمضان

- ‌يقبل خبر الواحد في إثبات الهلال:

- ‌حكم تبييت النية في الصيام:

- ‌مسألة: ما الحكم إذا تعارض الرفع والوقف

- ‌حكم قطع الصوم

- ‌فضل تعجيل الفطر:

- ‌فضل السُّحور:

- ‌النهي عن الوصال:

- ‌حكمة مشروعية الصيام:

- ‌هل تبطل الغيبة الصيام

- ‌حكم القبلة للصائم:

- ‌حكم الحجامة للصائم

- ‌فائدة في ثبوت النسخ في الأحكام:

- ‌حكم الفصد والشرط للصائم:

- ‌حكم الاكتحال للصائم:

- ‌حكم من أكل أو شرب ناسيًا وهو صائم:

- ‌حكم من استقاء وهو صائم:

- ‌حكم الصيام في السفر:

- ‌جواز فطر الكبير والمريض:

- ‌حكم من جامع في رمضان:

- ‌مسألة: هل المرأة زوجة الرجل عليها كفارة

- ‌هل على من تعمد الفطر كفارة

- ‌حكم الصائم إذا أصبح جنبًا:

- ‌حكم من مات وعليه صوم:

- ‌1 - باب صوم التَّطوُّع وما نهي عن صومه

- ‌فضل صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء:

- ‌فائدة: حكم الاحتفال بالمولد النبوي:

- ‌فضل صيام ستة أيام من شوال:

- ‌فضل الصوم في شعبان:

- ‌حكم صوم المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌فائدة: حكم سفر المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌النهي عن صيام يوم الفطر ويوم النحر:

- ‌النهي عن صيام أيام التشريق:

- ‌فائدة في حقيقة الذكر:

- ‌حكم صيام يوم الجمعة:

- ‌حكم صيام يوم السبت والأحد تطوعًا:

- ‌حكم الصيام إذا انتصف شعبان:

- ‌النهي عن صوم يوم عرفة للحاج:

- ‌النهي عن صوم الدهر:

- ‌2 - باب الاعتكاف وقيام رمضان

- ‌مفهوم الاعتكاف وحكمه:

- ‌فضل العشر الأواخر من رمضان:

- ‌فائدة في ذكر أقسام أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌آداب الاعتكاف وأحكامه:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌ليلة القدر

- ‌فضل المساجد الثلاثة:

- ‌فائدة:

-

- ‌كتاب الحج

- ‌تعريف الحج لغةً واصطلاحًا:

- ‌متى فرض الحج

- ‌1 - باب فضله وبيان من فرض عليه

- ‌شروط الحج المبرور:

- ‌جهاد النساء: الحج والعمرة:

- ‌حكم العمرة:

- ‌حكم حج الصبي:

- ‌حكم الحج عن الغير:

- ‌حكم سفر المرأة بغير محرم للحج والخلوة:

- ‌حكم من حج عن غيره قبل الحج عن نفسه:

- ‌فرض الحج في العمر مرة واحدة:

- ‌2 - باب المواقيت

- ‌المواقيت: تعريفها وبيان أقسامها:

- ‌3 - باب وجوه الإحرام وصفته

- ‌4 - باب الإحرام وما يتعلق به

- ‌استحباب رفع الصوت بالتلبية:

- ‌جواز استعمال الطيب عند الإحرام:

- ‌النهي عن النكاح والخطبة للمحرم:

- ‌من محظورات الإحرام قتل الصيد:

- ‌ما يجوز للمحرم قتله:

- ‌فائدة: أقسام الدواب من حيث القتل وعدمه:

- ‌حكم الحجامة للمحرم:

- ‌تحريم مكة:

- ‌تحريم المدينة:

- ‌5 - باب صفة الحج ودخول مكة

- ‌صفة دخول مكة:

- ‌صفة الطواف:

- ‌وقت رمي جمرة العقبة والوقوف بعرفة والمزدلفة:

- ‌متى تقطع التلبية

- ‌صفة رمي الجمرات ووقته:

- ‌وقت الحلق أو التقصير:

- ‌صفة التحلل عند الحصر وبعض أحكامه:

- ‌التحلل الأصغر:

- ‌عدم جواز الحلق النساء:

- ‌مسألة حكم قص المرأة لشعر رأسها

- ‌استحباب الخطبة يوم النحر:

- ‌حكم طواف الوداع في الحج والعمرة:

- ‌فضل الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي:

- ‌6 - باب الفوات والإحصار

- ‌الاشتراط عن الإحرام وأحكامه:

- ‌أسئلة مهمة على الحج:

- ‌كتاب البيوع

- ‌1 - باب شروطه وما نهي عنه

- ‌أطيب الكسب:

- ‌تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام:

- ‌تحريم بيع الميتة مثل الدخان والدم:

- ‌تحريم بيع الأصنام وما يلحق بها من الكتب المضلة والمجلات الخليعة:

- ‌النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن:

- ‌جواز اشتراط منفعة المبيع للبائع:

- ‌جواز بيع المدبَّر إذا كان على صاحبه دين:

- ‌حكم أكل وبيع السمن الذي تقع فيه فأرة:

- ‌بطلان مخالفة الشرع:

- ‌حكم أمهات الأولاد:

- ‌النهي عن بيع فضل الماء وعسب الفحل:

- ‌النهى عن بيع الولاء وهبته:

- ‌النهي عن بيع الحصاة وبيع الغرر:

- ‌مسألة: هل يجوز بيع المسك في فأرته

- ‌بيع الجهالة:

- ‌النهى عن بيعتين في بيعة:

- ‌السلف والبيع:

- ‌بيع العُربان:

- ‌حكم بيع السلع حيث تُبتاع:

- ‌مسألة بيع الدَّين:

- ‌بيع النَّجش:

- ‌النهي عن المحاقلة والمزابنة وما أشبهها:

- ‌النهى عن تلقِّي الرُّكبان:

- ‌بيع الرجل على بيع أخيه المسلم:

- ‌حكم التفريق بين ذوي الرحم في البيع:

- ‌حكم التسعيرة:

- ‌ الاحتكار

- ‌بيع الإبل والغنم المصرَّاة:

- ‌تحريم الغش في البيع:

- ‌جواز التوكيل في البيع والشراء:

- ‌بيع الغرر:

- ‌بيع المضامين:

الفصل: ‌حكم بيع السلع حيث تبتاع:

يحصل من نقص قيمة السلعة، ولو على سبيل التقدير، ففيه مصلحة، وفيه أيضًا مصلحة للبائع من وجه آخر، لأن المشتري إذا سلم العربون وعلم أنه إن لم تتم البيعة أخذ منه العربون فسوف يتمم البيعة، ولهذا البائع يشترط العربون في الغالب لأجل أن يتمسك ويمسك المشتري ولا يتهاون، ففيه مصلحة للبائع وفيه أيضًا مصلحة للمشتري، لأن المشتري ربما إذا أخذ السلعة وذهب ونظر وفكر وقدر علم أنها لا تناسبه، فإذا كان لم يشترط الخيار فهي لازمة له، وإذا اشترط الخيار بالعربون صار غير لازم، وهذا يقع كثيرًا، تجد الإنسان يشتري الشيء راغبًا فيه جدًا ثم يتغير نظره فيه أو يأتيه من جهة أخرى نفس الشيء الذي اشتراه يهب له إنسان فتطيب نفسه عن الشراء ويرغب في ردّه، فإذا كان اشتراه عن طريق العربون انتفع.

فالقول الراجح في هذه المسألة - وعليه عمل الناس اليوم-: أن بيع العربون لا بأس به، لأنه مصلحة للطرفين، وليس من باب الميسر؛ لأن الميسر يكون فيه أحد الطرفين إما غانمًا وإما غارمًا، أما هذا فليس فيه غُرم، البائع رابح، لأنه يقول: إن تم البيع فلك، وإن لم يتم فأنا قد ربحت العربون.

فإذا قال قائل: هل العربون مقدر، أي: أنه يكون بنسبة شيء معين إلى الثمن أو على حسب ما يتفقان عليه؟

الجواب: هو الثاني، قد يعطيه من العربون عشرة ريالات والثمن منه مائة ألف، وقد يعطيه خمسين ألفًا والثمن مائة ألف، المهم: أن هذا شيء يرجع إليهم، لكن من المعلوم أنه إذا أعطاه عربون خمسين ألف من مائة ألف الغالب أنه لا يترك المبيع؛ لأن الخسارة كبيرة والبائع إذا كان يخشى سوف يطلب عربونًا كبيرًا حتى يستمسك من المشتري.

‌حكم بيع السلع حيث تُبتاع:

769 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "ابتعت زيتًا في السوق، فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني به ربحًا حسنًا، فأردت أن أضرب على يد الرجل، فأخذ رجل من خلفي بذراعي، فالتفت، فإذا هو زيد بن ثابت، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تُباع السلع حيث تُبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم". رواه أحمد، وأبو داود واللفظ له، وصححه ابن حبان والحاكم.

"استوجبته" يعني: تم العقد وحصلت المفارقة ولزم، وفي لفظ:"فلما قبضته".

ص: 561

وقوله: "أضرب على يد الرجل" يعني: أن أبيع عليه، وإنما كنى عن البيع بالضرب على اليد؛ لأنهم كانوا يفعلون ذلك أحيانًا، يقول مثلًا: اشتريت منك كذا وكذا، فيقول: نعم، ويضرب يده على يده فالمؤكد للبيع، ولهذا يُسمى عقد البيع ويُسمى صفقة، وليس المعنى تصكه على وجهه، لكن المعنى: أنك تصفق يدك على يده، ومن التصفيق: ضرب اليد على اليد، فكانوا أحيانًا عند البيع - ولاسيما البيعات الكبيرة-يفعلون هذا كالمعاهد، الإنسان إذا أراد أن يُعاهد شخصًا مد يده وعاهد، كما قال الله تعالى:{إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله} [الفيتح: 10]. ولهذا سموا البيع بيعًا، لأنه مأخوذ من الباع، لأن كل واحد من المتعاقدين يمد باعه للآخر، المهم أن قول ابن عمر:" أردت أن أضرب على يده" أي: أتمم البيع معه وأتمم العقد.

يقول: "فأخذ رجل مني خلفي بذراعي" كأنه رفع يد ابن عمر فأخذ من خلفه ذراعه فالتفت فإذا هو زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: "لا تبيعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تُباع السلع حيث تُباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم"، (حيث) هذه ظرف مكان، و"ابتعته" بمعنى: اشتريته، يُقال: باع وابتاع كما يُقال: شرى واشترى، شرى: بمعنى باع، خلافًا للغة العُرفية عندنا أن شرى بمعنى اشترى، بل شرى بمعنى: باع، ومنه قوله تعالى:{ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} [البقرة: 207] أي: من يبيعها، واشترى مقابلها باع وابتاع كشرى واشترى.

وقوله: "حيث تُبتاع" أي: حيث تُشترى، "حتى يحوزها التجار إلى أماكنهم، إن كانت دكانًا ففي الدكان، وإن كانت بيتًا ففي البيت المهم إلى بيته الذي يسكنه أو إلى محل تجارته، وقوله: "حتى يحوزها التجار" وهم الذين يتعاملون بالتجارة والتكسب، والظاهر أنه ليس لها مفهوم، وأنها جاءت على الأغلب، وأن الإنسان إذا اشترى ولو لحاجته الخاصة ثم أراد أن يبيعه فلا يبيعه حتى يحوزه إلى رحله.

هذا الحديث فيه دليل على فوائد كثيرة منها: جواز البيع والشراء من العالم والفقيه وذي اتجاه بدليل فعل ابن عمر رضي الله عنهما ولا يُخفى على أحد مكانة ابن عمر رضي الله عنهما من العلم والفقه والدين والورع وهو كذلك، أي: أنه يجوز للعالم والفقيه والعابد أن يبيع ويشتري كغيره، لكن كره بعض أهل العلم أن يبيع القاضي ويشتري بنفسه، وإنما كرهوا ذلك لئلا يُحابي القاضي ويكون عند المحابي له خصومة، لأن القاضي كل الناس إما أن يحتاجوه وإما أن يترقبوا حاجتهم إليه، فربما يحابونه تحسبًا لما سيكون عندهم من المخاصمة، ولكن الصحيح أنه لا يُكره للقاضي أن يبيع ويشتري لحاجاته، أما في مسألة التجارة وطلب التكسب فالأولى أن يتنزه

ص: 562

الإنسان عن ذلك؛ لأن الإنسان إذا داخل الناس في تجاراتهم سقط من أعينهم وعرفوا أنه مثلهم يُنازعهم جيفة الدنيا، وأظن للشافعي رحمه الله أبيات حول هذا الموضوع يقول:[الطويل]

ومن يبغ الدنيا فإن طعنتها***وسيق إلينا عذبها وعذابها

فلم أرها إلا غرورًا وغافلًا ***كما لاح في ظهر الفلاة سرابها

وما هي إلا جيفة مستحيلة***عليها كلاب همهن اجتذابها

فإن تجتنبها كنت سلمًا لأهلها***وإن تجتذبها نازعتك كلابها

فالإنسان ذو الشرف والجاه والعلم لا ينبغي أن يتدخل في التجارة وطلب زيادة المال، أما التجارة التي لا بد منها فلابد منها.

ومن فوائد الحديث: حرص الصحابة-رضي الله عنهم-على التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر لفعل زيد بن ثابت.

ومن فوائد الحديث: المبادرة في منع المنكر؛ لأنه أمسك بيده، وهذا يدل على أنه فعل ذلك فورًا لئلا يتم البيع.

ومن فوائده: أن مثل هذا لا يُقال أن فيه حسدًا للمشتري أو بيعًا على بيع كما يتوهمه بعض العامة إذا عُقد عقد محرم وجاء شخص ينصح العاقد ويحذره قال: لا تقطع رزقه، هذا ليس بصحيح، بل الشيء المحرم يجب منعه، ولا يُعد هذا من باب الحسد والحيلولة بين الإنسان ورزقه.

[إعادة شرح]: وقوله: "ابتعت" بمعنى: اشتريت، وأما بعت بمعنى: اعطيت الشيء، فعندنا المادة شرى إن زيدت فيها التاء فهي بمعنى: الأخذ، إن حذفت فهي بمعنى: الإعطاء، فالبائع معط والمشتري آخذ يُقال: شرى بمعنى: باع، واشترى بمعنى: أخذ ويُقال: باع بمعنى: أعطى، وابتاع بمعنى: أخذ.

[عودة للفوائد]: أنه لا يجوز بيع الشيء في مكانه الذي اشترى منه حتى يحوزه مشتريه إلى رحله لقوله: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تُباع السلع حيث تُبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ولا فرق في هذا بين ما يحتاج إلى توفية وما لا يحتاج، أي: لا فرق بين ما يبيع جزافًا أو يبيع بكيل

ص: 563

أو وزن أو عد أو ذرع، فمثلًا لو اشتريت سيارة من معرض وبعتها في هذا المعرض كان هذا حرامًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلع حيث تُبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. ولو اشتريت كيسًا من البر كل صاع بدرهم هذا يحتاج إلى توفية فلا يجوز أيضًا بيعه حتى تكيله وتحوزه إلى رحلك، وظاهر هذا أنه لا فرق بين أن تكون السلعة فيما يختص بالبائع كدكانه وبيته أو فيما هو عام كالسوق، لأن هذه القصة كانت في السوق، ولكن في النفس من هذا شيء، وذلك لأن السوق رحل للبائع والمشتري، فمثلًا إذا اشتريت كومتين خضرة في سوق الخضار من قثاء أو غيره، فهل نقول: لا يجوز لك أن تبيعه ما دامت في هذا المكان حتى تحوزها إلى رحلك؟ نقول: في هذا نظر، لماذا؟ لأن هذا الذي باعها لم يبعها في مكان يختص به وقد باعها وخلى بينك وبينها، وأنت الآن لو حزتها إلى أي مكان تحوزها، ليس من العُرف والعادة أن الإنسان إذا اشترى شحنة من هذه الأشياء يذهب بها إلى بيته ليبيعها في بيته، أو في دكانه، بل جرت العادة أن يبيعها في هذا المكان وهذا هو الظاهر، وعلى هذا فيكون هذا الحديث خاصًا فيما يُنقل إلى الرحل، أما ما لم تجر العادة بنقله ويكون البائع قد خلى بينه وبين المشتري في مكانه العام فلا يدخل في هذا الحديث.

ومن فوائد الحديث: أن للشرع نظرًا في قطع ما يُوجب الحقد والبغضاء، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن بيع السلع في مكان ابتياعها لئلا يربح المشتري، وحينئذ يكون في قلب البائع شيء من الحقد والبغضاء، حتى وإن كان البائع قد باع باختياره لكن من المعلوم أنه إذا كسب عليه المشتري فقد يظن أنه غلبه وأخذه منه بأقل فيكون في نفسه شيء عليه، ولاسيما أن الشيطان يحرص على هذه الأمور، وبناء على هذه العلة قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لو باعه على من اشتراه منه فإن ذلك لا بأس به أو باعه تولية فإن ذلك لا بأس به، ما معنى تولية؟ يعني: برأس المال بدون ربح، ولكن ظاهر الحديث يُخالف هذا، وأنه لا يجوز بيعه لا تولية ولا مُرابحة ولا على البائع ولا على غيره، وهذا هو الأقرب.

ومن فوائد الحديث: جواز البيع والشراء في الأصل؛ لأنه إنما منع بيعها حيث تُبتاع، فيدل على أن الأصل جواز البيع، وهذا هو الأصل لقول الله تعالى:(واحل الله البيع وحرم الربا) البقرة 275. ونستفيد من الأصل أنه لو ادعى مدعٍ أن عقد بيع معين عقد محرم ماذا نقول؟ نقول: هات الدليل، وإلا فالأصل أن عقد البيع حلال حتى تأتي بدليل.

ص: 564

770 -

وعنه رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله، إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذا من هذه وأعطي هذه من هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء"، رواه الخمسة، وصححه الحاكم.

"البقيع" معروف هو بقع الغرقد الذي فيه مقبرة أهل المدينة، والبقيع معناه: مقتنع الماء وهو موضع قريب من المدينة تُباع فيه الإبل.

وقوله: "فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم"، الدنانير جمع دينار وهو النقد من الذهب، والدراهم جمع درهم وهو النقد من الفضة، والنقدان هما الذهب والفضة، فكان بيع بالدنانير ويأخذ بالدراهم وبالعكس.

وقوله: "آخذ هذا من هذا وأعطي هذا من هذا"، "من" هنا بدلية أي: بمعنى بدل؛ لأن من معاني "من" البدلية، ومنه قوله تعالى:{ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} [الزخرف: 60]. فآخذ هذا يدل هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا بأس .... إلخ) مثال ذلك: يبيع البعير بخمسة دنانير ويأخذ عنها ستين درهمًا أو يبيعها بستين درهمًا ويأخذ عنها خمسة دنانير، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء" "لا بأس" أي: لا حرج ولا إثم: "أن تأخذها" الضمير يعود على العوض المأخوذ بدلًا من العوض الثابت في الذمة سواء كان يأخذ الدنانير بدل دراهم أو الدراهم بدل دنانير، لكن اشترط النبي صلى الله عليه وسلم شرطين قال: "بسعر يومها" لا تزيد ولا تنقص، فمثلًا إذا باع بخمسة دنانير وكان قيمة الدينار عشرة دراهم كم يأخذ العِوض؟

خمسون درهمًا، لو أخذ عنها ستين درهمًا لا يجوز، أخذ عنها أربعين درهمًا لا يجوز لظاهر الحديث؛ لأنه قال:"بسعر يومها"، أما إذا أخذ عِوض هذه الخمسة ستين درهمًا فإنه لا يجوز، ووجهه: أنه ربح فيما لم يدخل في ضمانه ربح في دين له في ذمة المشتري فربح في شيء لم يدخل في ضمانه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن كما تقدم في حديث عمرو بن شعيب، إذن نقول: وجه ذلك: أنه لا يجوز أن يربح في شيء لم يدخل في ضمانه، أما إذا أخذ عنها خمسين يجوز، لأن هذا سعر يومها، إذا أخذ عن الخمسة أربعين وكان قيمة

ص: 565

الدينار عشرة فظاهر الحديث أنه لا يصح، ولكن ليس هذا مرادًا يعني: أنه يجوز أن يأخذ عن هذه الدنانير الخمسة التي قيمة الدينار عشرة أن يأخذ عنها أربعين؛ لأن هذا في مصلحة المشتري الذي تلفت عليه خمسة دنانير وأنا لم آخذ منه إلا أربعين درهمًا لو ذهب ليشتري الدنانير لدفع خمسين درهمًا.

فإذا قال قائل: كيف تخالفون مفهوم الحديث؟

قلنا: إن المفهوم يُصدق ولو بصورة واحدة، وهنا صُدق بصورة واحدة وهي ما إذا كان بزيادة، أما إذا كان ينقص فلا بأس به، لأن قواعد الشرع لا تاباه، كما أنه لو ثبت في ذمتك لي خمسين درهمًا وقلت: أعطني أربعين درهمًا وأنت في حِل أليس هذا بجائز.

الشرط الثاني قال: "وما لم تفترقا وبينكما شيء" يعني: أنه يُشترط قبض العوض قبل التفرق، وهذا ظاهر، لأن هذا بيع ذهب بفضة، وبيع الذهب بالفضة يُشترط فيه التقابض قبل التفرق، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت:"فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيء تم إذا كان يدًا بيد"، إذن لابد أن يستلم البائع عِوض الثمن في مجلس العقد، مثاله: بعت عليك هذا البعير بخمسة دنانير، ثم أردت أن أخذ عن هذه الدنانير دراهم وقيمة الدينار عشرة كم درهمًا آخذ؟ خمسة، قلت: إذن نحول الذهب إلى فضة، وأبقيت في ذمتك خمسين درهمًا، هل يجوز؟ لا يجوز، لابد أن يعطيني ويسلمني الدراهم، ووجهه: ما ذكرت أن بيع الذهب بالفضة يُشترط فيه التقابض في مجلس العقد، فإن أخذت عٍوضًا عنه ما لا يجوز فيه النساء بأن قلت: الدراهم التي في ذمتك آخذ عنها هذه السيارة فوافق، فهل يجوز هذا أو لا يجوز، ولم آخذ السيارة؟ إن قلتم يجوز: أخطأتم، وإن قلتم: لا يجوز أخطأتم، نقول: إذا كانت السيارة تساوي ما في ذمة الذي أعطاها فقد حصلنا على شرط وهو قوله: "بسعر يومها"، فمثلًا إذا كان في ذمته لي عشرة آلاف ريال وقال: أعطيك عنها هذه السيارة، والسيارة تساوي عشرة آلاف ريال وُجد الشرط الآن لكن صرف ولم أشتر منه السيارة، فهل يجوز؟

نحن قلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترط: "وما لم تفترقا وليس بينكما شيء"، اشترط هذا الشرط، لأنه سيأخذ عن الدنانير دراهم أو عن الدراهم دنانير وبيع الذهب بالفضة يشترط فيه التقابض في مجلس العقد، أما بيع السيارة بالدراهم لا يُشترط فيه، وبناء على ذلك فيجوز أن أخذ هذه السيارة عما في ذمته بدون أن أستلمها تبقى عنده متى شيءت استلمتها، والعلة الثانية:"ما لم تفترقا وبينكما شيء"، لأن بيع الذهب بالفضة لابد فيه من التقابض في مجلس العقد، وبناء على هذه العلة لو أُخذت عوضًا عن الدراهم ما يُباح به النسيئة فإنه لا يُشترط القبض في مجلس العقد.

ص: 566

يُستفاد من هذا الحديث عدة فوائد: أولًا: حرص الصحابة- رضي الله عنهم-على العلم، لسؤال ابن عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن تصرفه.

ثانيًا: أنه يتأكد على كل إنسان أراد أن يفعل عبادة أو أن يعقد عقدًا أن يعرف أحكامه لئلا يقع في خطأ، وهل يُطلب من الإنسان أن يعرف الأحكام قبل أن يفعل أو بعد أن يفعل؟ قبل أن يفعل، لأنه إذا فعل ووقع في الخطأ مشكل قد لا يمكن استدراك هذا الخطأ، ولهذا نجد بعض الناس الآن لما انتشر الوعي وصار الناس يتساءلون عن الدين تجده يسأل عن مسألة لها عشرين سنة، يقول: حججت منذ عشرين سنة وفعلت كذا وكذا، وربما يكون هذا لم يطف طواف الإفاضة، إذا كان لم يطف طواف الإفاضة وتزوج وجاءه أولاد يقع في مشكلة ما هي؟ المشكلة أن من يرى أن عقد النكاح قبل التحلل الثاني فاسد يجعل نكاحه هذا فاسدًا، لكن يوجد قول ثان يقول أن عقد النكاح يعد التحلل الأول جائز، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حزم وجماعة من أهل العلم، قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال: "حلّ لكم كل شيء إلا النساء" يعني: نساءكم، ولا يتوجه النهي عن النساء إلا بعد العقد، ولكن من أخذ بالعموم وقال: إلا النساء سواء كان جماعًا أو مباشرة أو وسيلة فإنه داخل في الحديث كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، فإن عقد النكاح لهذا الرجل ليس بصحيح ويجب أن يُعاد انظر كيف التساهل يعني: بعد عشرين سنة وبعدما تزوج ورزق أولادًا قال: تركت طواف الإفاضة، المهم: أنه يتأكد أن يسأل الإنسان قبل أن يفعل.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يُشترط في التقابض في بيع الحيوان بالنقود، لقول ابن عمر في الدراهم: نبيعها بالدنانير ثم نأخذ عنها كذا، وهذا يدل على أن الدراهم والدنانير تبقى في ذمة المشتري.

ومن فوائد الحديث: جواز بيع الدين لمن هو عليه، كيف ذلك؟ لأن ابن عمر يبيع البعير بالدنانير، فيثبت في ذمة المشتري دنانير، ثم يبيع على المشتري هذه الدنانير، وهذا بيع الدَّين لمن هو عليه، وله أمثلة منها هذا المثال الذي في حديث ابن عمر، ومنها لو كان في ذمتك لي سلم يعني: قد أعطيك دراهم على أن تعطيني مائة صاع بًرّ إلى أجل لما حلّ الأجل بعت عليك هذه الأصواع، فهل يجوز أو لا؟ نعم يجوز، وإنما مثلت بالسّلَم خاصة؛ لأن بعض أهل العلم قال: إن بيع السّلَم لا يجوز حتى ولو كان على ما هو عليه، واستدلوا بحديث ضعيف:

ص: 567