الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله عنهما فله ذلك؛ لأنه صحابي، وإن لم يتبعه، وقال: إن الذي جاء به النهي ما كان فيه غرر وإلا فالأصل حلُّ البيع لعموم قوله تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]. فكل بيع فهو حلال إلا ما قام الدليل على منعه.
بيع المضامين:
790 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضامين، والملاقيح". رواه البزار، وفي إسناده ضعف.
لكن معناه صحيح، نهى عن بيع الملاقيح، وهي التي يلقحها الفحل في بطن الأنثى بأن يقول صاحب الفحل: أنا أبيع عليك ضراب فحلي من ناقتك يعني: يضربها هذه المرة فيبيع عليك هذا الضراب فلا يجوز؛ لأنه أجهل من بيع المحمل، فإن هذا اللقاح قد يكون صحيحًا وقد يكون فاسدًا، فإذا منع الحمل فهذا من باب أولى.
والحاصل: أن هذا الحديث وإن كان ضعيف السند لكن معناه صحيح، والعلة في النهي عن بيع هذين النوعين من البيوع هي الجهالة والغرر، إذن نقول- في هذا وما سبق: القاعدة أن كل بيع يتضمن جهالة وغررًا بحيث يكون العاقد فيه دائرًا بين الغنم والغرم فإنه بيع محرم فاسد، والعلة فيه أنه يفضي إلى العداوة والبغضاء فهو من الميسر الذي قال الله فيه:{يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة: 90].
الإقالة:
791 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أقال مسلمًا بيعته؛ أقاله الله عثرته".
رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم.
عندي يقول في الحاشية: إن هذا الحديث موضعه أول الخيار في نسخ صحيحة فليحرر، على كل حال لا يهم.
قال: "من أقال مسلمًا بيعته"، و"الإقالة": هي طلب فسخ العقد، تكون أحيانًا مطلوبة من المشتري، وتكون أحيانًا مطلوبة من البائع، أحيانًا يأتي المشتري إلى البائع ويقول: أقلني، يعني: يندم المشتري على الشراء فيطلب من البائع أن يقيله، وأحيانًا يكون بالعكس يأتي
الطلب من البائع يندم على البيع فيأتي للمشتري فيقول: أقلني، والحديث يشمل هذا وهذا، فـ"من أقال مسلمًا بيعته" يعني: البيعة التي وقعت بينه وبينه، "أقال الله عثرته"، عثرته في أمور الدنيا أو عثرته في أمور الدنيا والآخرة؟ نقول: يشمل الأمرين جميعًا، وفضل الله واسع، وإقالة العثرة لاشك أنها أمر مطلوب لكل واحد؛ إذ أنه لا يخلو واحد منا من العثرات، فإذا أقال الله عثراتنا فهذا فضل عظيم ينبغي للإنسان ألا يفرَّط فيه، والمسألة سهلة جدًا.
وقوله: "من أقال مسلمًا" هل مثل ذلك لو أقال ذميًّا؟ الجواب: نعم، ويكون ذكر المسلم بناء على الغالب، ويؤيد ذلك أن في بعض الألفاظ:"من أقال نادمًا بيعته" فيشمل المسلم وغير المسلم.
ففي هذا الحديث عدة فوائد: أولاً: جواز الإقالة وهو كذلك، فالإقالة جائزة، بل نقول: في الحديث دليل على أن الإقالة مطلوبة مستحبة، ووجه الدلالة: أن الشارع رتب عليها ثوابًا، وهذا ترغيب من الشارع لفعلها، والترغيب إذا علَّق على حكم دلّ ذلك على أن هذا الحكم مطلوب شرعًا إما أن يكون واجبًا، وإما أن يكون مستحبًا حسب ما تقتضيه الأدلة.
ولكن هل الإقالة عقد جديد أو فسخ لعقد مضى؟ الجواب: الثاني أنها فسخ لعقد مضى؛ ولهذا تجوز قبل قبض المبيع ولو كان من الكيل أو الموزون الذي يحتاج إلى حق توفية، وتجوز بعد نداء الجمعة الثاني، وتجوز أيضًا بعد إقامة الصلاة إذا لم تمنع عن الصلاة؛ لماذا؟ لأنها ليست بيعًا.
هل تجوز في المسجد؟ نعم تجوز، لأنها ليست بيعًا، ولكن هل يشترط أن تكون بمثل الثمن أو لا بأس أن يزيد الثمن أو ينقص؟ في هذا خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنها لا تجوز إلا بمثل الثمن، فإن أسقط أو زاد لم تصح، قالوا: لأنه إذا أسقط أو زاد فقد لاحظ في إقالته المعاوضة، وإذا لاحظ المعاوضة لم تكن إقالة، ولكن الصحيح الجواز ومحظور الربا فيها بعيد، فمثلاً إذا بعت عليك سيارة بعشرين ثم جئت إليّ وقلت: أقلني أنا الآن لا أريد السيارة، فقلت: لا أقيلك إلا إذا أعطيتني ألفين من الثمن، فقال: أعطيك، فمن قال: إنها لا تجوز إلا بمثل الثمن، قال: إن هذه الإقالة لا تصح، ومن قال بالجواز- وهو الصحيح- قال: إن هذه الإقالة صحيحة، وكذلك بالعكس لو أن البائع هو الذي طلب الإقالة فقال المشتري: أنا لا أقيلك إلا إذا أعطيتني ألفين، فالصواب: أنه جائز ولا بأس به، وذلك لأن الإقالة قد يكون فيها ضرر على المقيل وربما يكون باع هذه السيارة بعشرين ألفًا، ولكنها وقت الإقالة وصلت إلى عشرين ألفًا، فإذا ردَّها عليَّ فإنها قد لا تبلغ عشرين ألفًا، أو لأن الذين يزيدون فيها قد تفرقوا، والثاني أن الناس قد يقولون: لماذا ردها لولا أن فيها عيبًا ما ردها فتنقص القيمة، لهذا نقول: الصحيح جواز الإقالة بمثل الثمن أو فوقه أو دونه.
ومن فوائد الحديث: أن الجزاء من جنس العمل؛ لأن هذا الذي أقال المسلم بيعته يقيل الله عثرته؛ لأن الغالب أن الإقالة إنَّما سببها الندم، فإذا أقلته وأزلت الندم عنه أقال الله عثرتك، فأزال الندم الذي يكون لك بالعثرة.
وهنا أسئلة:
أولاً: هل يلحق غير البيع بالبيع؟
الجواب: نعم، يعني: لو أنه أجره بيته وبعد أن استأجره جاء إليه وقال: استأجرت البيت منك ولكن أرجو منك الإقالة، فأقاله هذا يندب له، لكن هل يحصل على هذا الثواب؟ نعم، الظاهر أنه يحصل؛ لأن الإجارة نوع من البيع، فهي وإن لم تكن كالبيع؛ لأن البيع تطول مدته ويملك به العين والمنفعة بخلاف الإجارة، لكنه يعطى من الأجر بمثل ما نفع هذا المستقبل.
هل يلحق بهذا عقد النكاح؟ الزوج بعد أن عقد جاء إلى الزوجة أو إلى ولي الزوجة وقال: أقلني؟ هذا لا يلحق؛ لأنه يمكن أن يتخلص منه بالطلاق وهذا بالنسبة للزوج واضح، لكن بالنسبة للزوجة هل نقول إذا جاءت الزوجة إلى الزوج وطلبت منه الطلاق فوافقها على ذلك وطلقها هل يحصل له هذا الأجر؟ الظاهر أنه يحصل له هذا الأجر إن لم يكن أكثر؛ لأن المرأة قد لا تطيق الصبر مع الزوج هذا، ومشكل لا يمكن الانفكاك عنه، أما المشتري إذا كان لا يريد هذه السلعة وندم عليها يمكن أن يتخلص بالبيع، لكن المشكل الزوجة كيف تتخلص من زوجها؟ الزوج ذكرتم أنه يتخلص منها بالطلاق، لكن الزوجة تريد أن تتخلص منه، فالظاهر أنه إذا أقالها- أي: طلقها- بناء على رغبتها فإنه يرجى أن يكتب له هذا الأجر؛ لأنه فكها من ندم عظيم، لولا طلاقه لبقيت في أتعب ما يكون.
ثانيًا: إذا أقال الإنسان هذا الرجل فهل يشترط أن يقبض المبيع في نفس المكان أو لا يشترط؟ يعنى: مثلاً اشترى منه ذهبًا بفضة ثم رجع إليه واستقاله فأقاله، هل يشترط قبض العوضين في المجلس، الجواب: لا، لماذا؟ لأن الإقالة فسخ وليست بيعًا، فلا يثبت لها أحكام البيع.
ثالثًا: هل يشترط للإقالة رضا المقيل؟ نعم، لابد من هذا، وبناء على ذلك لو أن شخصًا أكره آخر على أن يقيل فلانًا وقال له: أقل فلانًا وإلا فإني أفعل وأفعل وهو قادر على تنفيذ ما هدده به فإن الإقالة لا تصح.
السؤال الرابع: هل لولي اليتيم والوكيل ونحوهم أن يقيلوا؟
الجواب فيه تفصيل بالنسبة للولي إذا رأى المصلحة في الإقالة فله أن يقيل، وإن لم ير
المصلحة فليس له أن يقيل؛ فإذا قال: أنا أريد الأجر، قلنا: المحافظة على أداء الأمانة أولى من طلب الأجر بالإقالة؛ لأن المحافظة على الأمانة واجبة، والإقالة سنة، وليست بواجبة، أما بالنسبة للوكيل فليس له أن يقيل إلا أن يجعل إليه؛ لأن الوكالة مقيدة بما وكَّل فيه، وهو إنما وكل بالبيع، ولم يوكل بالإقالة؛ ولأن الموكَّل قد لا يرضى بذلك بخلاف الولي، الولي مستقل عنده نوع استقلال ليس فوقع أحد، بل هو متولَّ على مال اليتيم فله أن يقبل إذا رأى المصلحة، وأما الوكيل فلا؛ إلا أن يجعل إليه أو يراجع الموكل.
ومن فوائد الحديث- وإن كان يتكرر علينا كثيرًا-: الرد على الجبريّة، حيث قال:"من أقال مسلمًا"، وهذا يدل على أن للإنسان اختيارًا في الإقالة وعدمها، والجبريّة يرون أنه لا اختيار للإنسان، وأن الإنسان مجبر على عمل.
وفي الحديث أيضًا: ردُّ على غلاة القدرية الذين ينكرون علم الله بأفعال العباد، ووجه ذلك قوله:"أقال الله عثرته"، ولم يقل:"عثرته" إلا بعد العلم بإقالته.
* * *