الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم التفريق بين ذوي الرحم في البيع:
777 -
وعن أبي أيُّوب الأنصاريِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من فرَّق بين والدة وولدها، فرَّق الله بينه وبين أحبَّته يوم القيامة". رواه أحمد، وصحَّحه التِّرمذيُّ والحاكم، ولكن في إسناده مقال وله شاهد.
778 -
وعن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبيع غلامين أخوين، فبعتهما، ففرَّقت بينهما، فذكرت ذلك للنَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: أدركهما، فارتجعهما، ولا تبعهما إلا جميعًا". رواه أحمد، ورجاله ثقات، وقد صحَّحه ابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبَّان، والحاكم، والطَّبرانيُّ، وابن القطَّان.
هذان الحديثان موضوعهما واحد وهو: التفريق بين ذوي الرحم في البيع أيجوز أم لا، وهذا الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من فرَّق بين والدة وولدها
…
إلخ" وهذا ضعيف، والوعيد يدل على التحريم، وأن هذا من كبائر الذنوب، مثاله: رجل عنده أنة مملوكة ولها ولد مملوك، وكيف يمكن أن يكون ولده مملوكًا؟ بأن يزوجها من عبد أو من حر يعلم أنها مملوكة، فإذا زوجها من عبد فأولادها مماليك لسيد الأمة، وإذا زوجها من حر وأخبره بأنها أمة فكذلك يكونون أولادها مماليك لسيدها، المهم أن عنده والدة وولدها كلاهما رقيق له فباع الوالدة دون الولد، فإن ذلك لا يجوز، والبيع حرام بل من كبائر الذنوب، ولكن هل يقع البيع صحيحًا؟ الجواب: لا، بل يقع البيع فاسدًا أو يجب عليه أن يرده كما يدل على ذلك حديث عليّ وهو مقتضى القاعدة التي ذكرناها آنفًا، وهو إذا عاد النهي إلى نفس العقد أو نفس العبادة فإنه لا يمكن أن يكون صحيحًا للتضاد؛ لأن النهي يقتضي الفساد فكيف يصح المنهي عنه مع نهي الشارع عنه؟
من فوائد الحديثين: تحريم التفريق بين ذوي الرحم في البيع وهو من كبائر الذنوب لوجود الوعيد على ذلك، وكبائر الذنوب كل ما فيه وعيد خاص سواء كان هذا الوعيد بالنار أو الغضب أو اللعنة أو البراءة منه أو نقي الإيمان أو نفي الإسلام أو غير ذلك، وكذلك كل ما فيه عقوبة خاصة من قبل الشرع في الدنيا فإنه من كبائر الذنوب، مثل الزنا واللواط وغيرها، وما ليس كذلك وإنما فيه النهي أو التحريم أو نفي الحل فإن ذلك ليس من كبائر الذنوب.
هل يقاس على الوالدة العمة والخالة؟ إذا نظرنا إلى حديث عليّ قلنا: إنها تقاس العمة والخالة؛ لأن في حديث على تحريم التفريق بين الأخوين، وأخذ العلماء من هذا والذي قبله قاعدة، وقالوا: لا يجوز التفريق بين ذوي الرحم في البيع، وإذا قلنا: ما هو الضابط؟ فالضابط أنه لو قدر أن أحدهما ذكر لم يحل أن يتزوج الآخر لقرابته منه فإنه لا يجوز التفريق بينهما، فالعمة وابن أخيها لا يجوز التفريق بينهما؛ لأنه لا يحل التناكح بينهما وابن العم وابن عمه يجوز التفريق بينهما، لماذا؟ لأنه لو كان أحدهما أنثى لجاز أن يتزوجه الآخر، أمُّ وابنتها من رضاع يجوز؛ لأن العلة ليست الرحم ولكن الرضاع.
نعود إلى القاعدة فنقول: كل مملوكين لو قدر أن أحدهما ذكر لم يحلّ للآخر أن يتزوجه للقرابة فإنه لا يجوز التفريق بينهما، فإن وقع التفريق فالواجب ردّ البيع، كما يدل عليه حديث عليّ بن أبي طالب.
يستفاد من الحديثين: رحمة الله عز وجل بعباده؛ حيث حرّم التفريق بين ذوي الرحم؛ لأنه لا شك أنه يلحق ذوي الرحم بهذا التفريق من التعب والمشقة، ولاسيما بين الأم وولدها ما لا يحتمل أحيانًا، فمن رحمة الله أن حرّم التفريق بينهما.
ويستفاد من حديث عليّ: وجوب رد البيع إذا كان باطلًا لقوله: "أدركهما فارتجعهما"، وهكذا كل عقد باطل، فإنه يجب أن يردّ، وكل فسخ باطل فيجب أن يرد، العقود كثيرة والفسوخ مثل: الطلاق في الحيض، فإن الطلاق أحلّ قيد النكاح، فإذا وقع في الحيض وجب رده وإبطاله وعدم احتسابه، وإذا بقيت المرأة ولم ترد فإنها باقية في عصمة الزوج الذي طلقها؛ لأن الطلاق في الحيض على القول الراجح غير واقع؛ لأنه على خلاف أمر الله ورسوله.
إذا قال قائل: إلى متى يكون هذا الحكم، هل نقول: إن هذا الحكم يمتد إلى أن يملك أحدهما نفسه، يعني: إلى أن يكبر الصبي أو الصبية أو إلى ما لا نهاية له؟ فيه خلاف؛ فمنهم من أخذ بظاهر الحديثين، وهو أنه لا فرق بين الصغير والكبير، ومنهم من قال: إنه يفرق بين الصغير والكبير، وأن حد ذلك أن ينفصل الصغير عن الكبير، بحيث لا يحتاج إليه، فإن الغلامين اللذين في حديث علي صغيران بلا شك، لأن الكبير لا يقال له "غلام" إلا من باب التجوز كأن يكون مملوكًا،