الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين الذي هم عليه، ويبذلون أموالهم الكثيرة في بناء المستشفيات والمدارس وتحصيل الكسوة والنفقة، مع أن الواجب في هذا الأمر أن يقوم به المسلمون! ! ودين الإسلام دين الفطرة، أي إنسان تعرض عليه دين الإسلام عرضًا صحيحًا سليمًا فإنه سوف يقبل، قال الله تعالى:{فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرت الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30]. ومعلوم أن ما يوافق الفطرة فهو مقبول، ولذلك الإنسان يقبل أن يهرب من عدوه وأن يُقبل على صديقه، وهذا أمر فطري لا يحتاج إلى درس ولا تعلُّم.
زكاة بهيمة الأنعام:
572 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه كتب له: "هذه فريضة الصَّدقة الَّتي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والَّتي أمر الله بها رسوله: في كلِّ أربعٍ وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين ففيها بنت مخاضٍ أنثى، فإن لم تكن فابن لبونٍ ذكر، فإذا بلغت ستًّا وثلاثين إلى خمسٍ وأربعين ففيها بنت لبونٍ أنثى، فإذا بلغت ستًّا وأربعين إلى ستِّين ففيها حقَّةٌ طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدةً وستِّين إلى خمسٍ وسبعين ففيها جذعةٌ، فإذا بلغت ستًّا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبونٍ، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائةٍ ففيها حقَّتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائةٍ ففي كلِّ أربعين بنت لبونٍ، وفي كلِّ خمسين حقَّةٌ، ومن لم يكن معه إلا أربعٌ من الإبل فليس فيها صدقةٌ إلا أن يشاء ربُّها.
وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاةٍ شاةٌ، فإذا زادت على عشرين ومائةٍ إلى مائتين ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائةٍ ففيها ثلاث شياه فإذا زادت على ثلاثمائةٍ ففي كلِّ مائةٍ شاةٌ، فإذا كانت سائمة الرَّجل ناقصةً عن أربعين شاةٍ شاةً واحدةً فليس فيها صدقةٌ، إلا أن يشاء ربُّها.
ولا يجمع بين متفرِّقٍ ولا يفرَّق بين مجتمعٍ خشية الصَّدقة، وما كان من خليطين فإنَّهما يتراجعان بينهما بالسَّوية، ولا يخرج في الصَّدقةً هرمةٌ ولا ذات عوارٍ ولا تيسٌ إلا أن يشاء المصَّدِّق، وفي الرِّقة في مائتي درهمٍ ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائةً فليس فيها صدقةٌ إلا أن يشاء ربُّها، ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعةٌ وعنده حقَّةٌ، فإنَّها تقبل منه الحقَّة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهمًا، ومن
بلغت عنده صدقة الحقَّة وليست عنده الحقَّة وعنده الجذعة، فإنَّها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصَّدِّق عشرين درهمًا أو شاتين". رَوَاهُ البخاريُّ.
"أبو بكر الصديق" هو الخليفة الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه يبعث الناس إلى أخذ الزكاة، فبعث أنس بن مالك إلى البحرين وهي منطقة معروفة وليست هي الجزيرة المشهورة، بل إنَّ هذه الأحياء وما جاورها كلها تسمى البحرين، وقاعدتها هجر، وهي كثيرة التمر ولهذا يضرب بها المثل، فبعثه رضي الله عنه وكتب له هذا الكتاب:"هذه فريضة الصدقة" هذه المشار إليه ما كتب.
وقوله: "فريضة الصدقة" أي: مفروضتها التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، وهذا يدل على أن الحديث مرفوع؛ لأنه قال:"فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين".
وقوله: "والتي أمر الله بها رسوله" فيه: أن هذه الفريضة بأمر الله عز وجل، ولهذا قال:"والتي أمر الله بها رسوله"، و"الواو" هنا عطف، وهو من باب عطف الصفات؛ لأن الشيء واحد هنا لكن هو مفروض بفرض الرسول ومأمور به بأمر الله، وعطف الصفات يقع كثيرًا، والأصل في العطف أن يكون عطف أعيان، ولكنه إذا عُلم أن الأعيان لن تتعدد حُمل على أنه عطف صفات، فإذا قلت ما تقول في قوله تعالى:{سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي أخرج المرعى} [الأعلى: 1 - 4]: عطف صفات، ما الدليل على أنه ليس عطف أعيان؟ فالجواب أن نقول: لأن الله واحد، الموصوف واحد، فيكون هذا العطف عطف صفات لا عطف أعيان، يقول:"والتي أمر الله بها رسوله"، رسوله صلى الله عليه وسلم محمدًا مأمور فهو ليس مستقلًّا بالأمر، بل الله هو الذي يأمره.
يقول: "في كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم"، "في كل" جار ومجرور خبر مقدم، و"الغنم" مبتدأ مؤخر؛ يعني: الغنم في كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها فيها الغنم، يعني: وليس فيها إبل، فأربع وعشرون من الإبل لا يمكن أن تجب فيها صدقة من الإبل، لماذا؟ لأنها لا تتحمل أن يدفع منها شيء من الإبل فجعل فيها الغنم.
"في أربع وعشرين فما دونها الغنم" لكن كيف توزع؟ قال: "في كل خمس شاة"، الخمس الأولى شاة، وفي العشر شاتان، وفي الخمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه، وفي أربع وعشرين أربع شياه، إذن ما بين الفرضين تابع لما قبله، فالست والسبع والثمان والتسع تابعة للخمس يكون فيها شاة، وإحدى عشرة، واثنتا عشرة، وثلاث عشرة، وأربع عشرة تابعة للعشر ففيها شاتان، وست عشرة، وسبع عشرة، وثماني عشرة، وتسع عشرة، تابعة للخمس
عشرة ففيها ثلاث شياه، وإحدى وعشرون، واثنتان وعشرون، وثلاث وعشرون، وأربع وعشرون تابعة للعشرين ففيها أربع شياه، لكن ما نوع هذه الشاة؟ هذه الشاة تكون من جنس الإبل، إن كانت طيبة فطيبة، وإن كانت رديئة فرديئة، وإن كانت وسطًا فوسطًا؛ لأن الواجب من جنس ما وجب فيه، ولكن لو فرض أن في الإبل طيب ورديء لا يمكن أن نأخذ من الطيب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذَّر من هذا فقال:"إياك وكرائم أموالهم"؛ إذن "في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى".
كيف قال: "أنثى" مع أنه قال: "بنت"؟ من باب التأكيد، وقوله:"بنت مخاض" معناه: التي أمها ماخض، والماخض هي الحامل أو ما كانت مُتهيئة للحمل. قال العلماء: وهي البكرة التي تم لها سنة، فإذا كان عند الإنسان (25) من الإبل وجب عليه بكرة عمرها سنة، (26، 27، 28، 29، 30، 31، 32، 33، 34، 35) كلها فيها بنت مخاض"؛ يعني: بكرة تم لها سنة.
يقول: "فإن لم تكن فابن لبون ذكره"، "تكن" هنا تامة وليست ناقصة؛ أي: فإن لم توجد، لو قلت لي: لماذا لا تجعلها ناقصة والخبر محذوف، والتقدير: فإن لم تكن موجودة؟ نقول: هذا ممكن من حيث الإعراب لكن لا حاجة أن نقدر أنها موجودة، مع أن "تكن" جاءت في اللغة العربية بمعنى "توجد"، يعني: جاءت تامِّة لا تحتاج إلى خبر، وإذا صار الأمرين الحذف وعدم الحذف في الكلام، فعدم الحذف أولى، فحينئذٍ نقول:"تكن" هنا تامة. بمعنى: توجد.
يقول: "فابن لبون ذكر"، وهو جمل تمّ له سنتان، وسُمي ابن لبون؛ لأن الغالب أن أمه قد وضعت وصارت ذات لبون. وقوله:"ذكر" توكيد.
يقول: "فإذا بلغت ستًّا وثلاثين إلى خمسٍ وأربعين ففيها بنت لبون أنثى" يعني: بكرة تم لها سنتان، لماذا نقول في (36) ابن لبون ذكر له سنتان، وهنا نقول: بنت لبون لها سنتان؟ نقول: لأن الأول فيه نقص وهو الذكورة والذكورة، في الحيوان كمال أو نقص؟ نقص ابن لبون بمكان بنت مخاض بينهم سنة لكن لنقصه عنها جُبر بسنة.
يقول: فإذا بلغت سنًّا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل"، من (46) إلى (60) فيها حقة طروقة الجمل، حقة بالكسر، ويقال في الذكر: "حق" وهو اللي تمَّ له ثلاث سنوات، وسمِّي بذلك "حق، وحقة" لأنها استحقت أن ترحل ويحمل عليها، وبالنسبة للأنثى أنها استحقت أن تتحمل الجمل، ولهذا قال: "طروقة الجمل" فعولة، بمعنى: مفعولة، أي: يطرقها الجمل لو أرادها، وما دون ذلك فهي صغيرة لا تتحمل الجمل، فمن (46) إلى (60) فيها حقة وهي بكرة تم لها ثلاث سنوات.
قال: "فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة" كم بينهما؟ (14)، والجذعة هي البكرة التي تمَّ لها أربع سنين.
قال: "إذا بلغت ستًّا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون" اثنتان تم لكل واحدة منها سنتان، والوقص أربع عشرة أيضًا.
"فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل"، كم الوقص؟ تسع وعشرون.
"طروقتا الجمل" أصلها طروقتان، لكن حذفت النون لأجل الإضافة، إذن بنت المخاض لم تتكرر، وبنت اللبون تكررت، والحقاق تكررت، والجذعات لم تتكرر؛ فصار الذي تكرر من هذه السن الوسط وهو "بنت اللبون والحقاق" يعني: لا توجد فريضة فيها بنتا مخاض، ولا توجد فريضة فيها جذعتان، قال:"فإذا زادت على عشرين ومائة" يعني: صارت (121)، "ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة"، يعني: من (121) تستقر الفريضة في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون.
إذن ففيها بنتا لبون وحقة، في أربعين ومائة فيها حقتان وبنت لبون، وفي خمسين ومائة ثلاث حقاق، في ستين ومائة أربع بنات لبون، في سبعين ومائة حقة وثلاث بنات لبون، في ثمانين ومائة حقتان وبنتا لبون، في تسعين ومائة ثلاث حقاق وبنت لبون، في مائتين أربع حقاق أو خمس بنات لبون يخير الإنسان في هذه الحال، إذن على هذا فقس إذا زادت عشرين ومائة واحدة استقرت الفريضة في كل أربعين بنت لبون في كل خمسين حقة، ومتى بقي معك عشر فأكثر فاعلم أنك أخطأت في التقدير؛ لأنه لا يمكن أن يبقى معك عشر فأكثر أبدًا، يمكن أن يبقى خمس مثل (125) كم فيها؟ ثلاث بنات لبون بقي خمس ما يضر، لكن متى وزعت فبقي معك عشر فاعلم أن التوزيع خطًا، لو قلنا: في ثلاثين ومائة ثلاث بنات لبون لا يصح، لأنه بقي عشر، لو قلنا: في ستين ومائة ثلاث حقاق ما صحَّ؛ لأن الباقي عشر فتعيد النظر.
قال: "فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون"، كلمة "على عشرين ومائة".
فائدة لغوية:
لاحظوا أننا نقول: مائة وعشرين وهي خطًا، قراءتنا مائة وعشرين موافقة للغة الإنجليزية تمامًا، لماذا؟ لأنها تبدأ من اليسار، والمائة يسار العشرين، فالصواب أن نقول عشرون ومائة.
يقول: "ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة" لماذا؟ لأنها لم تبلغ النصاب؛ لأن أقل النصاب خمس من الإبل، وهذا ما لم يكن أعدها للتجارة، فإن كان قد أعدها للتجارة فالواحدة يمكن يصير فيها شيء، بل المعتبر فيما أعد للتجارة القيمة.
أما هنا اتخذها للتنمية؛ إنسان ينمي الإبل يتخذها للدر والنسل، ولا يضره إذا باع منها ما يزيد على حاجته أو إذا باع الأولاد، لكن إذا كان المقصود التنمية فهذه أقل نصابها "خمس من الإيل"، ولهذا قال:"فإن لم يكن".
وقوله: "إلا أن يشاء ربها": الاستثناء هنا منقطع؛ وذلك لأن الواجب لا يحال على المشيئة أو لا يخير فيه الإنسان، ولو جعلناه استثناء متصلًا لكان المعنى: فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربُّها ففيها صدقة، والأمر ليس كذلك؛ لأن الواجب لا يُخيَّر فيه الإنسان ولا يُرد في أمره إلى مشيئته، فالاستثناء إذن منقطع، يعني: لكن إن شاء ربُّها أن يتصدق بشيء فلا مانع، يعني: الذي عنده أربع من الإبل لو أراد أحد أن يتصدق عنها بشاة من الغنم فلا حرج؛ لأن الصدقة خير وبابها مفتوح، وأما أن نقول: هذا واجب عليك فليس كذلك.
"وفي صدقة الغنم في سائمتها
…
إلخ"، "صدقة" أي: زكاة، و"الغنم" يشمل الضأن والمعز، والفرق بين الضأن والمعز واضح، التي لها ذيل مرتفع يسمى الماعز، يقول: "في سائمتها" يسميها النحويون بدل اشتمال بإعادة العامل فكأنه قال: وفي سائمة الغنم، في الإبل أظنه ما قال: "في سائمتها"، ولكنه سيأتينا- إن شاء الله- في حديث بهز بن حكيم ذكر ذلك في كل سائمة إبل، وعلى هذا فلا بد من السَّوم في الغنم والإبل أيضًا.
أما الغنم فكما تشاهدون، وأما الإبل فلحديث بهز بن حكيم وللقياس الجلي، فإنه إذا كانت الغنم يشترط فيها السائمة ففي الإبل من باب أولى؛ لأن الإبل أشد مؤونة وأكثر وأعظم، ما معنى السَّوم؟ قال الله تعالى:{هو الذي أنزل من السماء ماءً لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه تسيمون} [النحل: 10]. يعني: ترعون؛ فالسَّوم بمعنى: الرعي، وهي التي ترعى ولا تُعلف، كم ترعى السائمة، هل السنة كاملة؟ هذا يكون نادرًا في الغالب؛ لأن في أيام غير الربيع قد تحتاج المواشي إلى إعلاف؛ ولهذا قال العلماء: السائمة هنا هي التي ترعى الحول كله أو أكثره، فجعلوا الأكثر له حكم الكل، أما إذا كانت ترعى نصف الدهر وتُعلف تصف الدهر فليس فيها شيء، وإذا كانت ترعى أقل الدهر وتعلف أكثره فليس فيها شيء، وإذا كانت تعلف كل الدهر فليس فيها شيء، فكم الأقسام؟ نعدها تُعلف كل الدهر هذا واحد، تعلف بعض الدهر هذا الثاني، تُعلف نصف الدهر هذه ثلاثة، تسوم أكثر الدهر أربعة، تسوم كل الدهر خمسة، اثنان منها فيه الزكاة وثلاثة لا زكاة فيها، أما التي تُعلف الدهر أو أكثره واضح، يبقى التي تسوم نصف الدهر وتُعلف نصف الدهر هذه اشترك فيها موجب ومانع على السواء قالوا: فيغلب جانب المانع اعتبارًا بالبراءة