المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحريم الغش في البيع: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٣

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

-

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌مفهوم الزكاة:

- ‌فائدة الزكاة:

- ‌متى فرضت الزكاة

- ‌حكم الزكاة:

- ‌مسألة: هل تُؤخذ الزكاة قهرًا

- ‌مسألة: هل يمنع الدَّين وجوب الزكاة

- ‌زكاة بهيمة الأنعام:

- ‌أحكام مهمة في السوم:

- ‌زكاة الفضة والمعتبر فيها:

- ‌حكم الخلطة في السائمة وغيرها:

- ‌زكاة البقر ونصابها:

- ‌مشروعية بعث السُّعاة لقبض الزكاة:

- ‌لا زكاة على المسلم في عبيده وخيله:

- ‌للإمام أن يأخذ الزكاة قهرًا ويعاقب المانع:

- ‌شروط الزكاة:

- ‌حكم زكاة البقر العوامل:

- ‌فائدة فيما لا يشترط فيه الحول:

- ‌الزكاة في مال الصبي:

- ‌الدعاء لمخرج الزكاة:

- ‌حكم لتعجيل الزكاة:

- ‌زكاة الحبوب والثمار:

- ‌مسألة: اختلاف العلماء في نصاب الفضة

- ‌أنواع الحبوب التي تجب فيها الزكاة:

- ‌خرص الثمر قبل نضوجه:

- ‌حكم زكاة الحلي:

- ‌فائدة في جواز لبس الذهب المحلق:

- ‌زكاة عروض التجارة:

- ‌كيف نؤدي زكاة عروض التجارة

- ‌زكاة الركاز:

- ‌زكاة الكنز والمعادن:

- ‌1 - باب صدقة الفطر

- ‌صدقة الفطر من تجب

- ‌فائدة: الواجبات تسقط بالعجز:

- ‌الحكمة من صدقة الفطر

- ‌مقدار صدقة الفطر ومما تكون

- ‌وقت صدقة الفطر وفائدتها:

- ‌2 - باب صدقة التَّطوُّع

- ‌مفهوم صدقة التطوع وفائدتها:

- ‌استحباب إخفاء الصدقة:

- ‌فضل صدقة التطوع:

- ‌اليد العليا خير من اليد السفلى:

- ‌أفضل الصدقة جهد المقل:

- ‌فضل الصدقة على الزوجة والأولاد:

- ‌حكم صدقة المرأة من مال زوجها:

- ‌جواز تصدق المرأة على زوجها:

- ‌كراهية سؤال الناس لغير ضرورة:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌3 - باب قسم الصدقات

- ‌أقسام أهل الزكاة:

- ‌متى تحل الزكاة للغني

- ‌من اللذين تتجل لهم الصدقة:

- ‌فائدة في أقسام البيئات:

- ‌الصدقة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لآله:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌آل النبي الذين لا تحل لهم الصدقة:

- ‌حكم أخذ موالي آل الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقة

- ‌جواز الأخذ لمن أعطي بغير مسألة:

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌مفهوم الصيام وحكمه:

- ‌فوائد الصيام:

- ‌النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين:

- ‌كيف يثبت دخول رمضان

- ‌يقبل خبر الواحد في إثبات الهلال:

- ‌حكم تبييت النية في الصيام:

- ‌مسألة: ما الحكم إذا تعارض الرفع والوقف

- ‌حكم قطع الصوم

- ‌فضل تعجيل الفطر:

- ‌فضل السُّحور:

- ‌النهي عن الوصال:

- ‌حكمة مشروعية الصيام:

- ‌هل تبطل الغيبة الصيام

- ‌حكم القبلة للصائم:

- ‌حكم الحجامة للصائم

- ‌فائدة في ثبوت النسخ في الأحكام:

- ‌حكم الفصد والشرط للصائم:

- ‌حكم الاكتحال للصائم:

- ‌حكم من أكل أو شرب ناسيًا وهو صائم:

- ‌حكم من استقاء وهو صائم:

- ‌حكم الصيام في السفر:

- ‌جواز فطر الكبير والمريض:

- ‌حكم من جامع في رمضان:

- ‌مسألة: هل المرأة زوجة الرجل عليها كفارة

- ‌هل على من تعمد الفطر كفارة

- ‌حكم الصائم إذا أصبح جنبًا:

- ‌حكم من مات وعليه صوم:

- ‌1 - باب صوم التَّطوُّع وما نهي عن صومه

- ‌فضل صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء:

- ‌فائدة: حكم الاحتفال بالمولد النبوي:

- ‌فضل صيام ستة أيام من شوال:

- ‌فضل الصوم في شعبان:

- ‌حكم صوم المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌فائدة: حكم سفر المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌النهي عن صيام يوم الفطر ويوم النحر:

- ‌النهي عن صيام أيام التشريق:

- ‌فائدة في حقيقة الذكر:

- ‌حكم صيام يوم الجمعة:

- ‌حكم صيام يوم السبت والأحد تطوعًا:

- ‌حكم الصيام إذا انتصف شعبان:

- ‌النهي عن صوم يوم عرفة للحاج:

- ‌النهي عن صوم الدهر:

- ‌2 - باب الاعتكاف وقيام رمضان

- ‌مفهوم الاعتكاف وحكمه:

- ‌فضل العشر الأواخر من رمضان:

- ‌فائدة في ذكر أقسام أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌آداب الاعتكاف وأحكامه:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌ليلة القدر

- ‌فضل المساجد الثلاثة:

- ‌فائدة:

-

- ‌كتاب الحج

- ‌تعريف الحج لغةً واصطلاحًا:

- ‌متى فرض الحج

- ‌1 - باب فضله وبيان من فرض عليه

- ‌شروط الحج المبرور:

- ‌جهاد النساء: الحج والعمرة:

- ‌حكم العمرة:

- ‌حكم حج الصبي:

- ‌حكم الحج عن الغير:

- ‌حكم سفر المرأة بغير محرم للحج والخلوة:

- ‌حكم من حج عن غيره قبل الحج عن نفسه:

- ‌فرض الحج في العمر مرة واحدة:

- ‌2 - باب المواقيت

- ‌المواقيت: تعريفها وبيان أقسامها:

- ‌3 - باب وجوه الإحرام وصفته

- ‌4 - باب الإحرام وما يتعلق به

- ‌استحباب رفع الصوت بالتلبية:

- ‌جواز استعمال الطيب عند الإحرام:

- ‌النهي عن النكاح والخطبة للمحرم:

- ‌من محظورات الإحرام قتل الصيد:

- ‌ما يجوز للمحرم قتله:

- ‌فائدة: أقسام الدواب من حيث القتل وعدمه:

- ‌حكم الحجامة للمحرم:

- ‌تحريم مكة:

- ‌تحريم المدينة:

- ‌5 - باب صفة الحج ودخول مكة

- ‌صفة دخول مكة:

- ‌صفة الطواف:

- ‌وقت رمي جمرة العقبة والوقوف بعرفة والمزدلفة:

- ‌متى تقطع التلبية

- ‌صفة رمي الجمرات ووقته:

- ‌وقت الحلق أو التقصير:

- ‌صفة التحلل عند الحصر وبعض أحكامه:

- ‌التحلل الأصغر:

- ‌عدم جواز الحلق النساء:

- ‌مسألة حكم قص المرأة لشعر رأسها

- ‌استحباب الخطبة يوم النحر:

- ‌حكم طواف الوداع في الحج والعمرة:

- ‌فضل الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي:

- ‌6 - باب الفوات والإحصار

- ‌الاشتراط عن الإحرام وأحكامه:

- ‌أسئلة مهمة على الحج:

- ‌كتاب البيوع

- ‌1 - باب شروطه وما نهي عنه

- ‌أطيب الكسب:

- ‌تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام:

- ‌تحريم بيع الميتة مثل الدخان والدم:

- ‌تحريم بيع الأصنام وما يلحق بها من الكتب المضلة والمجلات الخليعة:

- ‌النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن:

- ‌جواز اشتراط منفعة المبيع للبائع:

- ‌جواز بيع المدبَّر إذا كان على صاحبه دين:

- ‌حكم أكل وبيع السمن الذي تقع فيه فأرة:

- ‌بطلان مخالفة الشرع:

- ‌حكم أمهات الأولاد:

- ‌النهي عن بيع فضل الماء وعسب الفحل:

- ‌النهى عن بيع الولاء وهبته:

- ‌النهي عن بيع الحصاة وبيع الغرر:

- ‌مسألة: هل يجوز بيع المسك في فأرته

- ‌بيع الجهالة:

- ‌النهى عن بيعتين في بيعة:

- ‌السلف والبيع:

- ‌بيع العُربان:

- ‌حكم بيع السلع حيث تُبتاع:

- ‌مسألة بيع الدَّين:

- ‌بيع النَّجش:

- ‌النهي عن المحاقلة والمزابنة وما أشبهها:

- ‌النهى عن تلقِّي الرُّكبان:

- ‌بيع الرجل على بيع أخيه المسلم:

- ‌حكم التفريق بين ذوي الرحم في البيع:

- ‌حكم التسعيرة:

- ‌ الاحتكار

- ‌بيع الإبل والغنم المصرَّاة:

- ‌تحريم الغش في البيع:

- ‌جواز التوكيل في البيع والشراء:

- ‌بيع الغرر:

- ‌بيع المضامين:

الفصل: ‌تحريم الغش في البيع:

‌تحريم الغش في البيع:

783 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنَّ رسول اله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة من طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: ما هذا يا صاحب الطَّعام؟ قال: أصابته السَّماء يا رسول الله. فقال: أفلا جعلته فوق الطَّعام؛ كي يراه النَّاس؟ من غشَّ فليس منِّي". رواه مسلم.

"صبرة" أصل هذه المادة "الصاد والباء والراء" تدل على الحبس، ومنه الصبر، ومنه قُتل صبرًا، وأمثلتها كثيرة، فهذه المادة (ص ب ر) تدل على الحبس، والطعام المحبوس يعني: المجموع، فمعنى "صبرة" أي: مجموع من طعام، مرّ على هذه الكومة من الطعام فأدخل يده فيها، الفاعل هو النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، أدخل يده في هذه الصُّبرة فنالت أصابعه بللًا، يعني: أصابت بللًا، وإدخال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يده في هذه الصبرة يحتمل أنه للاستخبار والاستعلام، ويحتمل أنه شم فيها رائحة الرطوبة أو غير ذلك، المهم أننا نعلم أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يدخل يده إلا لسبب.

يقول: "فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ "، "ما" هنا استفهامية والمراد بالاستفهام الإنكار، ينكر عليه كأنه يقول: لماذا تصنع هذا الشيء، فقال:"أصابته السماء"، "السماء" يعني: المطر، والمطر يطلق عليه السماء في اللغة العربية، قال الشاعر:[الوافر]

إذا نزل السماء بغير قوم***رعيناه وإن كانوا غضابا

أي: المطر، فالمراد بالسماء: المطر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ "، الاستفهام للإرشاد يعني: أرشده إلى أن يجعله فوق الطعام، وعلل ذلك بقوله:"ليراه الناس" فيعرفوا أن فيه عيبًا، ثم قال:"من غش فليس مني".

الحديث واضح معناه لكن فيه فوائد كثيرة منها: جواز بيع الطعام صبرة -يعني: كومة- من غير معرفة لقدره كيلًا أو وزنًا؛ لأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أقرّ ذلك، ولو كان حرامًا لم يقره، فهل يدخل في ذلك غيره من المرئيات؛ يعني: بحيث أن أبيع عليك قطيع هذا الغنم بدون معرفة لعّده وأن أشتري منك السلعة بهذه الرُّزمة من الدراهم بدون عدّ؟ ذهب بعض العلماء إلى الجواز وقال: إن هذا، وإن كان لا يعلم بالعدّ أو بالوزن يعني: لا يعلم بالتقدير فإنه: يعلم بالمشاهدة، ولكن هذا فيه نظر؛ لأن الذي يعلم بالمشاهدة إما أن يكون الغرر فيه يسيرًا كالكومة من الطعام. والقطيع من الغنم والكيس من البرّ فالأمر في هذا قريب، وإنما الذي يكون فيه الغرر كثيرًا والخطر جسيمًا مثل الرزمة من الدراهم، وإذا قدرنا أنها من فئة خمسمائة كم يكون الفرق فيما نقص عن تقديرك ورقة أو ورقتان؟ الفرق كبير، فالصحيح في هذه المسألة أن الجزاف يجوز

ص: 603

إلا فيما فيه خطر مثل النقود، لو جئتك بصرة من ذهب وقلت: اشتريت منك هذا البيت بهذه الصُّرة، يرى بعض العلماء: أن هذا جائز مع أنك لا تدري ما في هذه الصرة من الذهب، ولا شك أن هذا ليس بجائز للخطر والجهالة العظيمة بخلاف قطيع الغنم وكيس البرّ فالخطر فيه قليل والتقدير فيه ممكن حقيقة أو تقريبًا، أما مثل الدراهم فلا يجوز، لو قلت: اشتريت منك هذا البيت بوزن هذه السِّنجة ذهبًا فلا يجوز؛ لأنه مجهول، أما لو كانت معلومة فلا بأس -السنجة هي الحديدة التي يوزن بها.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز الاستعلام عن المبيع، ولاسيما مع القرينة لإدخال النَّبي صلى الله عليه وسلم يده في الطعام، ولا يقال: إن هذا سوء ظن بالبائع؛ لأننا نقول: وهذا احتياطًا للمشتري، ولاسيما إن وجدت قرينة لظاهر هذا الحديث.

ومن فوائد الحديث: وجوب إنكار المنكر؛ لأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنكر على هذا الرجل، لكن هل ينكر علنًا أو سرًا؟ إن كان فاعل المنكر مظهرًا له فإنه ينكر عليه علنًا، وإن كان مخفيًا له فإنه ينكر عليه سرًا هذا هو الأصل، مع أن المصلحة قد تقتضي الإنكار حتى فيما يعلم إنما الأصل أن من أظهر المنكر أنكر عليه ظاهرًا ومن أخفاه أنكر عليه سرًا.

ومن فوائد الحديث: أن من كان مجهول الاسم فإنه يدعى بمهنته لقوله: "يا صاحب الطعام"، فإذا كنت لا تعرف هذا الرجل فادعه بمهنته، مثلًا وقفت على بناء لا تعرف اسمه ماذا تقول؟ يا بناء، سقط من شخص طوق من الدراهم، تقول: يا صاحب الطوق

وهكذا، كما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل هذا في عدة مواضع يدعو بالمهنة.

ومن فوائد الحديث: إطلاق لفظ السماء على المطر لقوله: "أصابته السماء" ولم ينكر النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عليه، ولو كان ذلك غير جائز لأنكر عليه؛ لأنه كذب، فإن السماء لم تصبه وإنما الذي أصابه المطر النازل من السماء.

ومن فوائد الحديث: وجوب إظهار العيب، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أرشد إلى إظهاره بالفعل، قال:"أفلا جعلته فوق الطعام"، ويجوز بالقول، بأن أقول مثلًا في هذه الصرة من الطعام إن أسفلها قد أصابه الماء ولكن أيهما أبين؟ الإظهار بالفعل أبين؛ لأن المشتري قد لا يحيط بوصفك.

هل نقول في هذا الحديث: وجوب جعل الأردأ هو الأعلى وأنه تتعين هذه الصورة، أو نقول: إن المراد البيان بأي صورة كانت؟ الثاني، وأن للإنسان الذي عنده طعام معين طريقتين، الطريقة الأولى: أن يجعل العيب أعلى وهذا قد يكون فيه ضرر عليه؛ لأنه إذا جعل العيب أعلى

ص: 604

فقد يظن الرائي أن العيب كثير ويخفى عليه السلم، الطريقة الثانية: أن يجعل المعيب وحده والسليم وحده بحيث يكون للمعيب ثمنه وللسليم ثمنه، ولا شك أن الثاني هذا عدل للبائع وللمشتري.

فإذا قال قائل: لماذا لم يرشد النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إليه؟

فالجواب: لوضوحه، ولعل النَّبي صلى الله عليه وسلم علم أن هذا الرجل ليس عنده إناءان يبحث يجعل الردئ وحده والجيد وحده.

ومن فوائد الحديث: تحريم الغش لقوله: "من غشّ فليس منا".

بل من فوائده: أن الغشّ من كبائر الذنوب، وجهه: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من فاعله، والبراءة من فاعله تقتضي أن يكون كبيرة؛ لأن علامات الكبيرة أن يتبرأ النَّبي صلى الله عليه وسلم من فاعل هذا العمل.

ومن فوائد الحديث: أن الغش في كل شيء من كبائر الذنوب لعموم قوله: "من غش فليس مني".

ومن فوائده أيضًا: أن الغش كبيرة سواء كانت المعاملة مع مسلم أو مع كافر لقوله: "من غش" أطلق.

وهناك رواية أخرى: "من غشنا فليس مني" فبأيهما نأخذ؟ نأخذ بالأعم: "من غش" فيشمل الغش في معاملة أي إنسان، فإن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قد تبرأ منه.

إذا قال قائل: لم يبين النَّبي صلى الله عليه وسلم حكم المغشوش فيما لو اشترى هذا الطعام.

والجواب: أنه لم يحصل بيع لهذا الطعام؛ لأن صاحبه لم يزل عارضًا له، ولا يمكن أن يتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الحال عن أمر لم يقع، ثم إنه إذا علم هذا الرجل أن هذا الشيء حرام، فسوف يغيره وسوف يجعل الردئ فوق، كما أرشد النَّبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن الشيء إذا لم يكن أمام الإنسان فلا يلزم الإنسان السؤال عنه، ولذلك لما جاء ماعز إلى الرسول وأخبره أنه زنى فإنه من المعلوم أنه لم يزن إلا بامرأة ولم يسأل النَّبي صلى الله عليه وسلم المرأة، ولما جاءه الرجل الذي قال: جامعت زوجتي في رمضان لم يسأله عن المرأة وحكمها، ولما جاءته هند تشكو أبا سفيان لم يسأل عنه ولم يطلبه؛ لأن مثل هذه المسائل تتعلق بالفعل الشاهد، وأما الغائب فحكمه يعلم إذا وجد أو أدلى هذا الغائب بحجته حينئذ ننظر فيها.

ص: 605

784 -

وعن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حبس العنب أيَّام القطاف، حتَّى يبيعه ممَّن يتَّخذه خمرًا، فقد تقحَّم النَّار على بصيرة". رواه الطَّبرانيُّ في الأوسط بإسنادٍ حسنٍ.

"حبس" أي: منع بيعه وأبقاه في أصوله، و"أيام القطاف" أي: أيام قطاف العنب؛ لأن العنب -كما نعلم- له أيام يقطف فيها ويباع فيؤكل طريَّا كما يقطف الرطب من النخل وأحيانًا يحبس حتى ييبس فيكون زبيبًا، هذا الزبيب يستعمله الناس غذاء كما يأكلون التمر، يأكلونه أو يضعونه على الأطعمة، ومن الناس من يجعله عصيرًا ليتخمّر، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمرًا"، "ممن" أي: على من يتخذه خمره، أي: يصنعه خمرًا، "فقد تقحَّم" أي: دخلها بانزعاج، "على بصيرة" أي: على علم بالسبب الذي يوجب تقحّمها، والمراد بالجملة: أن من فعل ذلك فقد أدخل نفسه في النار بسبب يعلم أنه سبب لدخول النار؛ وذلك لأنه أعان على شرب الخمر، والمعين على الإثم آثم، إثم الفاعل كالحاضر، كما قال الله تعالى: } وقد نزل عليكم في الكتب أن إذا سمعتم ءايت الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم {[النساء: 140]. عيد علي عمر

من فوائد الحديث: أنه يحرم حبس العنب ليباع على من يتَّخذه خمرًا.

ومن فوائد الحديث: أن ذلك من كبائر الذنوب؛ وجهه: أنه توعد عليه بالنار.

ومن فوائد الحديث: عظم شرب الخمر والإعانة على شربها؛ حيث جعل النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك من أسباب دخول النار، والخمر كل ما خامر العقل، أي: غطّاه على سبيل اللذة والطرب، فإن السكران -والعياذ بالله- يزول عقله كأنما الدنيا عنده قطعة ورقة، ويجد لذة، ويجد نفسه في مقام الملوك والرؤساء فينسى همومه وغمومه، لكن إذا زال السَّكر تراكمت عليه الهموم والغموم؛ لأنه كالماء إذا حبسه وقف، لكن عندما تزول الحابس يندفع بقوة، هكذا الهموم والغموم تقف عند السَّكر، لكن إذا زال السكر اندفعت اندفاعًا مؤلمًا مؤذيًا، لا يمكن أن يقرَّ له قرار حتى يعود إلى شرب الخمر، ولهذا قلّ لمن شرب الخمر أن ينزع عنه -والعياذ بالله- إلا بإيمان قوي أو رادع قوي.

ومن فوائد الحديث: أن للوسائل أحكام المقاصد، وجه ذلك: أن هذا حبس العنب

ص: 606

لغرض سيئ يريد هذا الشيء، وهذه القاعدة قاعدة متفق عليها، وهي أصولية فقهية من أجزائها أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المندوب إلا به فهو مندوب إليه وما كان سببًا للحرام فهو حرام، وما كان سببًا للمكروه فهو مكروه، وكل هذه الأجزاء داخلة في القاعدة العامة، وهي أن الوسائل لها أحكام المقاصد.

ومن فوائد الحديث: عقوبة من أعان على فعل محرم وإن لم يفعله؛ لأن هذا الذي احتبسه ليبيعه لمن يتخذه خمرًا لم يفعله؛ لكنه أعان، فالمعين على الإثم آثم.

ومن فوائده: أنه إذا كان هذا فيمن أعان على من يتخذ العنب خمرًا فما بالك بمن يشرب الخمر؟ لا شك يكون أعظم؛ ولهذا كان شارب الخمر ملعونًا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، محرومًا من شربها في الآخرة، إما لأنه لا يتنعم بها في الجنة، وإما أنها تؤدي إلى الكفر المانع من دخول الجنة، ولهذا سميت الخمر أم الخبائث ومفتاح كل شر.

ومن فوائد الحديث: أن من باع شيئًا لغرض المعصية فإن بيعه حرام، وهذا هو الشاهد من الحديث، وهل يصح -أي البيع- أو لا؟ لا يصح البيع؛ لأنه منهي عنه لذاته، فالنهي متسلط على نفس البيع، فإذا باع شيئا لمن يتخذه لمحرم كان البيع حرامًا، وإن باعه لمن لم يتخذه لمحرم كان البيع حلالًا، ولهذا لو بعت العنب لمن يأكله فالبيع حلال، أما لمن يتخذه خمرًا فالبيع حرام، بعت البيض لمن يأكله فالبيع حلال، لمن يقامر به حرام، من الصور التي يستعمل فيها للقمار ما يفعله بعض الناس يقول: خذ هذه البيضة اكسرها طولًا، فإن فعلت ذلك فلك مائة ريال، وإن لم تفعل فعليك مائة ريال، هذا من جملة القمار التي تتخذ له البيض، بيع الدخان داخل في هذا الحديث، لكن الدخان لا ينقسم إلى حلال وحرام، بل كله حرام، لكن قصدنا أن الشيء قد يكون مباحًا في حال فيصح بيعه، محرمًا في حال فلا يصح بيعه، السلاح إذا بعته لمن يقتل به المسلمين كان هذا البيع حرامًا، أما لمن يقتل به الكفار كان بيعه حلالًا، بل قد يكون مندوبًا.

ومن فوائد الحديث: أن المباح لذاته قد يكون محرمًا لغيره، فأصل البيع حلال لذاته

ص: 607

لكن إذا قصد به المحرم صار حرامًا لغيره، كما أن المباح يكون واجبًا لغيره، مثل لو يم يكن عندك ماء وحضرت الصلاة، وأردت الوضوء ووجدت الماء يباع في الأسواق كان واجبًا عليك أن تشتري الماء لتتوضأ به مع أنه لولا هذا لم يجب عليك أن تشتري الماء، وقد يكون الشيء مسنونًا وهو في الأصل مباح كما لو اشترى الإنسان مسواكًا فأصل الشراء مباح وإذا اشترى مسواكًا ليتسوك به صار سنة، أو طيبًا يتطيَّب به كان سُّنة، وعلى هذا فقس، المهم أن كل مباح ممكن أن تجري فيه الأحكام الخمسة بحسب النية والقصد، إن قصدته لأمر حرام صار حرامًا؛ لأمر واجب صار واجبًا، لأمر مستحب صار كذلك، لأمر مباح فهو مباح.

785 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضَّمان". رواه الخمسة، وضعَّفه البخاريُّ وأبو داود، وصحَّحه التِّرمذيُّ، وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبَّان، والحاكم، وابن القطَّان.

والحديث صحيح، يقول صلى الله عليه وسلم:"الخراج بالضمان"، فما هو الخراج؟ الخراج هو الغنم والكسب والربح وما أشبه ذلك، قال الله تعالى: } أم تسئلهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرزقين {[المؤمنون: 72]. فخراج الشيء يعني: غنمه ونماؤه وما أشبه ذلك، فخراج الدابة مثلًا لبنها وصوفها وولدها، وخراج النخلة ثمرتها وعسيبها وفسيلها، وهلم جرَّا، خراج العبد: كسبه ومنفعته، وعلى هذا يطَّرد هذا الباب، ف"الخراج" الغلة والنماء والكسب، "بالضمان" الباء للبدلية أو للسببية، ومعنى "بالضمان" أي: أنه بدل عنه وسبب له، والمعنى: أن كل من له خراج شيء فعليه ضمانه وليس كل من عليه ضمان شيء فله خراجه؛ لأن الغاصب عليه الضمان وليس له خراج، لكن من له الخراج فعليه الضمان ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"الخراج بالضمان"؛ ولذا قلنا: الضمان بالخراج لا يصح، فكل من له خراج شيء فعليه ضمانه.

إذ قال قائل: مثل لنا؟ نقول: المشتري عليه ضمان المبيع من حين العقد فيكون له خراجه من حين العقد، هذا رجل اشترى عبدًا بعشرة آلاف ريال وبقي عنده أسبوعًا كل يوم يدخَّل له مائة ريال، كم دخل في الأسبوع؟ سبعمائة ريالًا لما انتهى الأسبوع تبين أن في العبد عيبًا، وأنه يسرق، والسرقة في العبد عيب، فأراد أن يردَّه، فردَّه على البائع، هل يردّ معه سبعمائة ريال؟ لا، السبعمائة نسميها خراجًا فلا يردها، لماذا؟ لأن العبد لو تلف في هذه المدة -السبعة الأيام- لم

ص: 608