الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدواب من حيث القتل وعدم القتل؟ قال العلماء: إنها من حيث القتل وعدمه تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم أمر بقتله، وقسم نهي عن قتله، وقسم سكت عنه، فالذي أمر بقتله نقتله، وذلك مثل هذه الخمسة، ومثل الوزغ، ومثل العنكبوت على حديث ورد فيها وإن كان ضعيفًا، لكن العنكبوت فيها أذية؛ لأنها تعشش على الكتب والجدار والملبس وما أشبه ذلك، وعلى كل حال: ما أمر بقتله نصًا أو قياسًا قتل والمنهي عن قتله أربع: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد؛ النملة معروفة، والنحلة معروفة، والهدهد معروف أيضًا، والصرد طائر معروف يعرفه أصحاب الصيد وهو طائر يقولون: إنه أكبر من العصفور ولونه أشهب، وعلى كل حال: أهل الطيور يعرفونه، وهذه الأربع نهى الشارع عن قتلها إذن لا نقتلها، وهناك أشياء سكت الشارع عنها فإن كانت حلالًا فالإذن في قتلها مستفاد من حلها؛ لأنه لا يمكن أن تحل إلا بالذبح أو الصيد، وإن كانت غير حلال -وهذا القسم الثالث فيه تفصيل -فقد اختلف العلماء فيها، فمنهم من قال: إنه يكره قتلها؛ لأنها خلق من المخلوقات، خلقها الله تعالى ليستدل الناس بها على قدرة الله وحكمته وتتبين آياته بها، وما لك ولها؟ فما دام ليس منها أذية دعها، ومنهم من قال: لا يكره قتلها، بل هي مما سكت عنه، وما سكت عنه فهو عفو؛ أي: ليس له حكم إن قتلتها فلا إثم عليك وإن تركتها فلا إثم عليك، فلا نأمرك ولا ننهاك، وهذا الأخير هو الأصل، اللهم إلا أن يخشى الإنسان على نفسه من أن يسيطر عليه محبة العدوان لكونه يقتلها بدون ذنب، يمكن أن يكون بعض الناس تتربي نفسه على هذا الأمر، ولا يهمه أن يقتل النفس، فهذا إذا كان يخشى على نفسه من ذلك لا يقتلها. ثم قال:
حكم الحجامة للمحرم:
702 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم". متفق عليه.
احتجم في رأسه، وليت المؤلف بينه، وقد ثبت ذلك في الصحيح أنه احتجم في رأسه صلى الله عليه وسلم لأن فائدة ذكر هذه الزيادة واضحة، إذ يستفاد منها: جواز الحجامة للمحرم وليس كالصائم الذي لا يجوز له أن يحتجم، وثانيًا: أنه يجوز أن يحلق من شعر رأسه ما لا تمكن الحجامة إلا به، والحجامة معلومة للجميع أنها إذا كانت في الرأس فلابد أن يحلق لها لا يمكن أن يحتجم به.
فيستفاد من حديث ابن عباس: جواز حلق الرأس لموضع الحجامة، وهل فيه فديه؟ نقول: لا؛ لأن ظاهر حديث ابن عباس ليس فيه فديه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفد وليس هذا كقوله تعالى: {ولا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]. فإن ذلك في حلق جميع الرأس، وعلى هذا فنقول: المحرم يجوز أن يحتجم في غير رأسه ولو لحاجة دون ضرورة، وأما في رأسه فلا يحتجم إلا إذا دعت الضرورة؛ لأنه لا يحتجم إلا بحلق موضع الحجامة، وهذا يقتضي أن يفعل محرمًا بحلق الرأس، لكنه إذا حلق في الحجامة فلا فدية عليه، ولننظر إلى حديث كعب بن عجرة لأجل أن نتمم التقسيم.
703 -
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: "حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى، أتجد شاة؟ قلت: لا. قال: فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع". متفق عليه.
"أرى" بمعنى: أظن، وإذا جاءت أرى بضم الهمزة فهي بمعنى: أظن، أما أرى فهي إما بمعنى: أبصر إن كانت بصرية، أو بمعنى أعلم إن كانت علمية، و"أرى" تأتي عملية وبصرية، فقوله تعالى:{إنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا {6} ونَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 6، 7]. الأأولى بمعنى: الظن، والثانية بمعنى: العلم، فالله يعلم علمًا بلا ظن. إذن ما كنت أظن أن الوجع بلغ بك ما أرى بعيني الآن، ثم قال:"أتجد شاة؟ .... إلخ"، سؤال الرسول صلى الله عليه سولم له:"هل تجد الشاة؟ " ليس على سبيل الإلزام والوجوب، بل على سبيل الأفضلية، وهنا قال له: افعل كذا، يعني: واحلق رأسك، وسبب ذلك أن كعبًا رضي الله عنه كان مريضًا، والمريض عادة لا يتنظف، وإذا لم يتنظف الإنسان مع المرض يكثر فيه الأوساخ، والأوساخ في الرأس إذا كان له شعر يولد القمل فجئ به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والقمل ينزل من رأسه، فعرف صلى الله عليه وسلم أنه مريض، وقد قال الله تعالى:{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ -يعني وحلق- مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]. فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق، وأمره بماذا؟ أمره بالفدية؛ إذن نقول: من احتاج إلى فعل محظور فليفعله، ولكن عليه الفدية.
ومن هنا يمكن أن نقسم فعل المحظور إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يفعله عالمًا ذاكرًا مختارًا غير معذور هذه أربعة شروط فهذا يترتب على فعله الإثم، وما في هذا المحظور من الفدية فيترتب عليه شيئان: الإثم، وما في هذا المحظور من الفدية.
القسم الثاني: أن يفعله معذورًا بجهل أو نسيان أو إكراه، يعني: يفعله جاهلًا أو ناسيًا أو مكرهًا؛ فهذا لا إثم عليه ولا فدية عكس الأول، فلا يتعلق بفعله هذا إثم ولا فدية، وإن كان جماعًا
لا يترتب عليه فساد النسك ولا وجوب القضاء، يعني: لا يترتب عليه شيء من فعل المحظور أبدًا، وما الدليل؟ الدليل نوعان: عام وخاص، فالعام قوله تعالى:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. {ولَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ ولَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]. {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ ولَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ ولَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106]. وجه الدلالة من آية البقرة واضح، " رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" فقال الله:"قد فعلت"، ومن آية الأحزاب:{ولَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ ولَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} . وإذا انتفى الجناح والإثم انتفى ما يترتب عليه من الفدية، وفي آية النحل:{مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ} ، وجه الدلالة: أنه إذا سقط حكم الكفر بالإكراه مع أن الكفر أعظم الذنوب فما دونه من باب أولى وهذه الأدلة من القرآن، ومن السنة:"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". هذا هو القسم الأول من الأدلة وهي الأدلة العامة، فأي إنسان أخرج شيئًا من هذا العموم فعليه الدليل.
هناك دليل خاص في موضوع المحظورات في جزاء الصيد قال الله تعالى: {ومَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95]. فإذا اشترط الله العمد لوجوب الجزاء في الصيد مع أنه إتلاف فغيره من باب أولى.
وعلى هذا فنقول: إذا فعل هذه المحظورات جاهلًا أو ناسيًا أو مكرهًا فلا شيء عليه حتى في الجماع، فإذا سأل سائل وقال: إنه حج وزوجته وفي مزدلفة جامع زوجته سألناه لماذا جامعت زوجتك؟ قال: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "الحج عرفة"، وانتهى الحج فجامعتها، فماذا تقول له؟
نقول له: ليس عليك شيء؛ لأنه جاهل متأول، أو لا يدري، أو كان حديث عهد بإسلام فظن أن ذلك لا بأس به، أو ظن أن الجماع المحرم ما كان فيه إنزال، ولم يحصل منه إنزال كما يوجد في كثير من الناس الآن، ولاسيما المتزوجون عن قرب رمضان يجامعون زوجاتهم في النهار بدون إنزال ويحسبون أنه ليس به بأس، هكذا يقولون، والله أعلم بكلامهم، وعلى كل حال: إذا كان جاهلًا نقول له: لا شيء عليك.