الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة في حقيقة الذكر:
ذكر الله هل هو باللسان أو بالقلب أو بهما جميعًا؟ بهما جميعًا، ويكون بالقلب وحده ويكون باللسان وحده، لكن اللسان وحده الذكر فيه ضعيف جدًّا، غاية ما فيه أنه يجزئ الإنسان فيما إذا كان واجبًا، وأما الثواب المرتب على الأذكار، فإن حصوله لمن يذكر الله بلسانه فقط فيه نظر، الذكر بالقلب لا يترتب عليه الثواب المعلَّق بالقول مثل من قال:"لا إله إلا الله" مائة مرة، لو واحد قالها في قلبه ما يترتب عليه هذا الفضل؛ لأنه لا يصدق عليه أنه قال، بل هو حدَّث نفسه وفكر فهو يُؤجَر على هذا التفكير، وربما يكون تأثر قلبه بالذكر القلبي أكثر من تأثره بالذكر اللساني، ولا ريب أنه لو اجتمع الأمران فهو أكمل بلا شك.
هل يكون ذكر الله عز وجل بذكر أحكامه ونشرها وتعلمها؟ نعم، يعني: واحد مثلًا يقرأ في علم فقه، توحيد، هذا من ذكر الله وأيضًا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ذكر الله.
لو قال قائل: الصلاة إذن من ذكر الله؟ هذا من باب الذكر الخاص بعد العام، وهذا لا يقتضي ألَاّ يشمله العام، إذن نقول: ذكر الله إذا أُطلق يشمل كل شيء يتذكر به الإنسان ربه من أقوال وأفعال في القلوب وفي الجوارح، وأحيانًا يُراد به الذكر الخاص. {فإذا قضيتم الصلواة فاذكروا الله} [النساء: 103]. هنا ما دخلت الصلاة، وليس المعنى: إذا قضيتم الصلاة فصلوا، بل المراد: الذكر الخاص المعروف.
654 -
وَعَن عَائِشَةَ وَابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالا: "لَم يُرَخَّص فِي أَيَّامِ التَّشرِيقِ أَن يُصَمنَ إِلا لِمَن لَم يَجِدِ الهَديَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
سبق أن معنى الرخصة هو: السهولة، ورَخَّصَ بمعنى: سَهَّل، وكلمة "لم يرخَّص" مبنيٌّ للمجهول، أي: لم يبيَّن مَن الفاعل، فهل المراد بالفاعل: الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إن كان الرسول صلى الله عليه وسلم فالحديث في حكم المرفوع فعلى هذا يكون حجة، وإن كان الله فالحديث من باب التفقه والاستنباط، وحينئذٍ قد يُقبل وقد لا يقبل؛ لأنه اجتهاديُّ، كيف يكون الاحتمال الثاني؟ لأنه يجوز أن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما فهما ذلك من قوله تعالى:{فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} [البقرة: 196]. ومعلوم أن أيام التشريق داخلة في قوله: {في الحج} ؛ لأن الحج لا ينتهي إلا في آخر أيام التشريق، ففي أيام التشريق: مبيت، ورمي، وطواف، حتى إن بعض العلماء يقول: لا يجوز تأخير طواف الإفاضة عن أيام التشريق.
على كل حال: فيه احتمال أن يكون هذا القول من عائشة وابن عمر على سبيل الاستنباط
والتفقه، أو على سبيل الرفع، يعني: في حكم الرفع، ولهذا أريد منكم أن تتبعوا طق الحديث.
في هذا الحديث- على تقدير أنه مرفوع- فوائد منها: أن الصوم في هذه الأيام الثلاثة أيام التشريق مُحرَّم؛ لأنه قوبل بالرخصة لمن يباح له، ولو كان مباحًا لكان مُرَخَّصًا فيه لكل أحد، ولهذا استدل أكثر أهل العلم على وجوب طواف الوداع لحديث ابن عباس:"أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلَاّ أنه خُفَّفَ عن الحائض"، والتخفيف بمعنى: الرخصة، قالوا: لأنه لما خُفَّف عن الحائض معناه: أنه على غيرها واجب، ولو لم يكن واجبًا لكان خفيفًا على كل أحد.
من فوائد الحديث: جواز: صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي، ومَن الذي يجب عليه الهدي؟ القارن والمتمتع، الدليل: استمع إلى قوله تعالى: {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} [البقرة: 196]. قال: صيام ثلاثة أيام في الحج، وهذه الثلاثة من أيام الحج بلا شك، لكن لو قال قائل: أنت ذكرت التمتع والقرآن، والآية التمتع فقط، فالجواب: أن التمتع في لسان الشارع يشمل القرآن والتمتع؛ لأن كلًا مِن المتمتع الذي أحلَّ من عمرته ثم أحرم بالحج في عامه والقارن الذي أحرم بهما جميعًا كلٌّ منهما قد تَرَفَّه بترك أحد السفرين؛ لأن المتوقع أن يكون للعمرة سفر وللحج سفر، وهذا أتى بهما جميعًا في سفر واحد فحصل له بذلك الترفه، ولأن الصحابة- رضي الله عنهم عبر بعضهم بقولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم تمتع، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتمتع وإنما حج قارنًا، كما قال الإمام أحمد: لا أشك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا والمتعة أحب إليَّ.
إذن نقول: إن الآية يدخل فيها القرآن بناء على أن هذا هو المعهود في لغة الشارع، ولكن بعض العلماء- وهم قليل- قال: لا نسلم، ولو سلمنا بأن التمتع يدخل فيه القرآن فإنه ليس بظاهر بالنسبة للفظ الآية؛ لأن الله يقول:{فمن تمتع بالعمرة إلى} فذكر غاية ومَغَيَّ غاية، والغاية لها طرفان: ابتداء وانتهاء، وهذا يقتضي أن تكون العمرة منفصلة عن الحج فتمتعت بها، يعني: لما أحللت منها تمتعت إلى الحج، فمن أجل هذا التمتع بزوجتك ولباسك وطيبك من العمرة إلى الحج اشكر نعمة الله عليك وأهد الهدي بخلاف الإنسان الذي سيبقى على إحرامه من يوم يُحرم بالعمرة إلى يوم العيد، فهذا ليس عنده تمتع، صحيح تمتع بالترفه بترك أحد السفرين لكن ما تمتع فيما بين العرمة والحج، ولهذا قال الإمام أحمد: القارن ليس كالمتمتع، يعني: حتى ولو قلنا بوجوب الهَدي عليه فليس كالمتمتع؛ لأن المتمتع واضح فيه؛ ولأن الأئمة الأربعة كلهم متفقون على أن القارن كالمتمتع في وجوب الهدي عليه، وذهب بعض العلماء- وهم قلة- إلى