الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للظاهرية، والذين قالوا بعدم تأثيره أجابوا عن الحديث بأنه منسوخ، وهذا الجواب ليس بصواب؛ لأن من شروط النسخ العلم بالتاريخ بتأخر الناسخ، قالوا: هذا خاصٌّ بسالم مولى أبي حذيفة، قلنا: أين الدليل على الخصوصية والأصل العموم؟ قالوا: هذا خاصٌّ بمثل حال مولى أبي حذيفة، قلنا: هذا صحيح إذا وجد إنسان بهذه المثابة فإن إرضاعه صحيح، لكن بعد بطلان التبني لا يمكن أن يوجد، على كل حال نقول: ليس هناك حكم للتخصيص.
فضل المساجد الثلاثة:
673 -
وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"(). متَّفقٌ عليه.
أولًا: نسأل ما المناسبة في ذكر هذا الحديث في باب الاعتكاف؟ المناسبة: أنه لما كان الاعتكاف خاصًّا بالمساجد أتى المؤلف بما هو أخصُّ من الاعتكاف وهو شدُّ الرحال حيث لا يجوز شد الرحال إلا إلى هذه المساجد، فالاعتكاف خاص بالمساجد، وشد الرحال أخصُّ حيث لا يجوز إلا إلى هذه المساجد الثلاثة، وأما استنباط بعض الشُّراح أن المؤلف يريد الإشارة إلى أن الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة لا يصح فليس بصواب؛ لأن المؤلف ممن يرون جواز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال"، "لا" نافية بدليل ضم الفعل، ولو كانت ناهية لجزم. "الرحال" معروف وهو الرحل الذي يوضع على البعير ليركب.
وقوله: "إلا إلى ثلاثة مساجد"، أين المستثنى منه؟ المستثنى منه محذوف، وإنما حذف للعموم ليشمل شد الرحل إلى المساجد الأخرى، يعني: لا تشد الرحال إلى أي مسجد إلا المساجد الثلاثة، وإلى الأماكن الأخرى التي يعتقد من يشد الرحال إليها أن لها مزية كالذين يشدون الرحال إلى القبور؛ لأن القبور أماكن، وهل يعم شد الرحل إلى البلاد الأخرى لطلب العلم؟ لا، لا يشمل؛ لأن الشَّاد لطلب العلم ليس شادًّا للمكان ولكن للعلم، وقد ثبت عن الصحابة ومن بعدهم أنهم يشلون الرحال لطلب العلم.
قوله: "إلا إلى ثلاثة مساجد
…
" إلخ، في هذا تفصيل بعد الإجمال، الإجمال في قوله: "ثلاثة مساجد"، والتفصيل: "المسجد الحرام"، وقد ذكرنا أن هذا من أساليب اللغة العربية التي يقصد بها تثبيت الكلام في ذهن السامع، كيف ذلك؟ لأن السامع إذا جاءه الإجمال تشوق ذهنه إلى التفصيل والتبيين، فإذا قال: "إلى ثلاثة مساجد"، بدأ الذهن يقول: ما هي هذه المساجد؟ فإذا
جاء التعيين ورد على ذهن متشوف ومتشوق إلى معرفة هذا الشيء، كما لو قلت: عندي لك ثلاثة، فيتشوق ما هي: ثلاثة كتب أو ريالات أو ثلاثة أقلام، فإذا قلت: ثلاثة دراهم ورد هذا التعيين على ذهن متشوف إلى البيان.
"المسجد الحرام" هو مسجد مكة وسمِّي حرامًا لحرمته وتحريمه، والثاني:"مسجدي هذا"، يعني: المسجد النبوي. الثالث: "المسجد الأقصى"، الذي في فلسطين، هذه المساجد كلها وضعت وأسست على التقوى، المسجد الحرام من الذي رفع قواعده؟ إبراهيم، والمسجد الأقصى يعقوب، ولكنه جدِّد على عهد سليمان، ولهذا سئل النبي صلى الله عليه وسلم كم بينهما - الكعبة والمسجد الأقصى - قال:"أربعون سنة"()؛ لأن المدة بين إبراهيم ويعقوب قريبة، أما سليمان فإنه بناه تجديدًا، المسجد النبوي بناه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو آخرها، لكنه في الفضل أفضل من المسجد الأقصى؛ لأن الصلاة في المسجد النبوي خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام، والمسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما عداه، والأقصى بخمسمائة صلاة، فأفضلها إذن المسجد الحرام.
يستفاد من هذا الحديث: تحريم شد الرحال إلى أي بقعة من الأرض سوى هذه المساجد الثلاثة لقوله: "لا تشد"، وهذا نفي بمعنى النهي، والأصل في النهي التحريم، لو أن أحدًا شد الرحل لا من أجل فضل البقعة ولكن ليشاهد، مثل أن يقال له: إنه قد بني في الرياض مسجد عظيم البناء واسع مكيف فشدَّ الرحل لينظر إليه، هل هو جائز؟ نعم، لأنه ما شد الرحل لاعتقاد أن فيه فضيلة، رجل شد الرحل إلى "غار حراء" للتبرك أو التعبد فيه لا يجوز، ولا "غار ثور" لا يجوز، المساجد السبعة في المدينة، والسبعة هذه أنها من خرافات المزورين وليست بصحيحة، على كل حال: كل مكان يشد الرحل إليه من أجل التعبد لله لا يجوز إلا هذه المساجد الثلاثة، لو أن رجلًا شدَّ الرحل إلى مسجد ليتلقى العلم فيه، لأن خطيبه مؤثر، يجوز أم لا؟ يجوز؛ لأنه شده لطلب العلم حتى من القصيم إلى الرياض أو العكس فيجوز ما دام الغرض من ذلك هو نفس هذا الشخص الذي ذهب إليه لو يخطب في مسجد آخر ذهب إليه، فإذن البقعة ليست مقصودة عنده.
كأني سمعت سائلا يسأل يقول: شد الرحل إلى مسجد "قباء" هل يجوز أم لا؟ لا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج إليه كل سبت ماشيًا فليس مما تشد إليه الرحال، لماذا خصت هذه المساجد بجواز شد الرحل إليها؟ نقول: لفضلها من جهة: لأنها أفضل بقاع الأرض، ومن جهة أخرى: لكثرة الثواب فيها كما سمعتم.