الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس كثروا وكان فيهم العربي والعجمي، والعالم والجاهل، والأحمق والسفيه؛ لهذا نجد الحج مع الأسف الآن أن الإنسان لا يقوم عليه إلا وهو قد تقلد كفته كما يقول الناس من صعو بته وشلاته، ولا يخفي عليكم ما يحصل من الزحام الذي يؤدي إلى القتل والموت؛ ولهذا نقول: إنه نوع من الجهاد في سبيل الله.
لو قال قائل: هل يدل الحديث على الاكتفاء بـ "نعم" في الجواب؟ لا، لماذا؟ لأنه أعاد السؤال قال:"عليهن جهاد لا قتال فيه"، ولكن لعل النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الجواب من أجل القيد، وإلا لاكتفين بقوله:"نعم".
حكم العمرة:
676 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيٌّ. فقال: يا رسول الله، أخبرني عن العمرة، أواجبةٌ هي؟ فقال: لا. وأن تعتمر خيرٌ لك"(). رواه أحمد، والترمذيُّ، والرَّاجح وقفه.
- وأخرجه ابن عديٍّ من وجهٍ آخر ضعيفٍ ().
"وقفه"، يعني: أنه من قول جابر، قوله:"أتى النبي صلى الله عليه وسلم لماذا تصبت وهي بعد الفعل؟ لأنها مفعول مقدم، "أعرابي" هو الفاعل، والأعرابي هو ساكن البادية، والغالب على الأعراب الجهل، كما قال الله تعالى:{الأعراب أشدُّ كفرًا ونفاقًا وأجدر ألَّا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} [التوبة: 99]. لكن الغالب عليهم - لبعدهم - الجهل وعدم العلم بحدود ما أنزل الله على رسوله.
وقوله: "أخبرني عن العمرة أواجبة؟ "، هذا يعني: أن في هذا الأعرابي شيئًا من الغلظة في الكلام، كان الأرفق من هذا أن يقول: يا رسول الله، هل العمرة واجبة؟ كما قالت عائشة في الحديث الماضي: يا رسول الله، على النساء جهاد؟
وقوله: "أواجبة هي؟ " الهمزة هنا للاستفهام، و"واجبة"، مبتدأ، وهي فاعل سد مسد الخبر،
ويجوز أن تكون "واجبة"، خبرًا مقدمًا، و"هي"، مبتدأ مؤخرا، يقول ابن مالك في هذه المسألة:
والثَّان مبتدًا وذا الوصف خبر
…
إن في سوى الإفراد طبقًا استقر ()
المهم: أن مثل هذا التركيب يجوز فيه الوجهان.
قال: "لا" هذا حرف جواب، واستغنى بها عن إعادة السؤال؛ إذ لو أعاد السؤال لقال: ليست واجبة، ولكنه قال:"وأن تعتمر خير لك"، يعني: من عدم العمرة، وقوله:"أن تعتمر" هذه مبتدأ. بعد سبكها بالمصدر، وخيره خبر المبتدأ، يعني: اعتمارك خير لك، فهي نظير قوله تعالى:{وأن تصوموا خيرٌ لكم} [البقرة: 184].
* فنستفيد من هذا الحديث - أن صح مرفوعًا - عدة فوائد:
أولًا: أن العمرة ليست واجبة وحينئذ يكون بينه وبين الحديث الأول تعارض؛ لأن الأول قال: "عليهن جهاد لا قتال فيه"، وهنا يقول:"ليست بواجبة"، فما الجمع بينهما؟ الجمع بينهما أن نقول: لا معارضة؛ لأن الحديث الأول أصح من الحديث الثاني؛ إذ إن الأول صحيح الإسناد مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني موقوف على جابر بن عبد الله، والموقوف لا يعارض المرفوع.
ثانيًا: قد يقال: أن هذا الأعرابي - يعني: لو صح الحديث - علم النبي صلى الله عليه وسلم من حاله أنها لا تجب عليه لكن العمرة خير له إلا أن هذا يعكر عليه قوله: "أواجبة هي؟ " ولم يقل: عليِّ، ومن ثمَّ اختلف العلماء بناء على اختلاف الحديثين، فقال بعض العلماء: أن العمرة واجبة كالحجِّ، وقال آخرون: إنها لا تجب؛ لأن الله إنما أوجب الحج فقال: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا} [آل عمران: 97]. وأما قوله: {وأتموا الحج والعمرة} [البقرة: 196]. فقد سبق أنه ليس فيها دليل على الفرضية، وقال بعض العلماء: إنها تجب على غير المكي، وهذا منصوص الإمام أحمد، واختيار شيخ الإسلام () ابن تيمية رحمه الله، أي: أنها لا تجب على المكي، إنما تجب على من كان من غير أهل مكة، ولا يرد على هذا حديث ابن عباس:"هنّ لهنّ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة"، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة؛ لأننا نقول: أن أهل مكة لهم أن يعتمروا، لكن لا تجب عليهم العمرة.
والراجح عندي: أن العمرة واجبة كالحج؛ لحديث عائشة، وحديث جابر لا يعارضه؛ لأنه قد روي موقوفًا وهو الراجح كما قال المؤلف؛ ولأن العمرة تسمَّى حجًّا أصغر؛ لحديث عمرو بن حزم المشهور، وفيه:"وأن العمرة الحج الأصغر"، فتكون داخلة في لفظ العموم:{حج البيت} ،
وتكون هذه الكلمة - حج - مشتركة بين العمرة والحج بينتها السُّنة، قال:"وأخرجه ابن عدي من وجه آخر ضعيف".
677 -
غن جابرٍ رضي الله عنه مرفوعًا: "الحجُّ والعمرة فريضتان"().
في هذا الحديث فوائد منها: جفاء الأعراب حتى في الطق واللفظ؛ لقوله: "أخبرني عن العمرة أواجبة؟ ".
ومن فوائده: أن الحج قد استقر وجوبه عند الناس وعلموه ولهذا سأل عن العمرة دون غيرها، ومن فوائده أن العمرة ليست بواجبة لقوله "لا"، ومن فوائده أنها سنة لقوله:"أن تعتمر خير لك"، ولكن هل قيل: في الشيء إنه خير مقتضاه أنه لا يجب؟ لا، قد يقال: إنه خير فيما هو واجب وفيما هو ركن من أركان الدين، كما قال تعالى:{تؤمنون بالله ورسوله وتجهدون في سبيل الله بأمولكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم} [الصف: 11].
678 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: "قيل: يا رسول الله، ما السَّبيل؟ قال: الزَّاد والرَّاحلة"(). رواه الدَّارقطنيُّ، وصحَّحه الحاكم، والراجح إرساله.
679 -
وأخرجه الترمذيُّ من حديث ابن عمر رضي الله عنه أيضًا، وفي إسناده ضعفٌ ().
قوله: "ما السبيل؟ "، يشير إلى قوله تعالى:{من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97]. وكان المتوقع أن يقول: السبيل الطريق، لكنه قال:"الزاد والرّاحلة"، ففسره بالمراد؛ لأن الزّاد والرّاحلة لا تطابق في المعنى كلمة السبيل، والذي يطابق في المعنى كلمة السبيل ما هو؟ الطريق، وعلى هذا ينبغي أن نعرف قاعدة في التفسير أن التفسير نوعان: تفسير بالمراد، وتفسير بالمعنى الذي يراد باللفظ لا بما يراد من المعنى، فهاهنا شيئان عندما نقول: السبيل في اللغة الطريق، والمراد: الزَّاد والرَّاحلة، ولكن فسرنا السبيل بالزّاد والرّاحلة من الأول، نقول: هلا تفسير بالمراد، وليس تفسيرًا بالمعنى المطابق للفظ الذي يشرح به اللفظ.
على كل حال قد فسر النبي صلى الله عليه وسلم السبيل في قوله تعالى: {من استطاع إليه سبيلًا} بالزَّاد والرَّاحلة.