الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد ذلك بما يجب، والجواب أن يقال: إن هذا التردد بين هذا وهذا يجعل هذا النصر من باب المتشابه- كل نص يحتمل شيئين ولم يتبين رجحان أحدهما فهو متشابه-، والقاعدة الشرعية أن المتشابه يحمل على المحكم، والنصوص المحكمة تدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يتصرف في المال الذي هو ولي عليه إلا بما هو أحظ، وحينئذ نجزم بأن هذه المرأة إما أنها أخذتهما بعد ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أو باختيارها بعد أن تأخذهما، أو أنها ضمنتهما للبنت، وهذه القاعدة هي قاعدة الراسخين في العلم الذين يحملون المتشابه على المحكم، وأما الذين في قلوبهم زيغ فيحملون المحكم على المتشابه ليجعلوا الجميع متشابهًا!
ومن فوائد حديث أم سلمة: جواز لبس المرأة الذهب من الأوضاح وغيرها لقوله: "كانت تلبس أوضاحا".
وفيه أيضًا: دليل على أن الكنز هو المال الذي لا تؤدى زكاته، وليس المال المدفون لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا أديت زكاته فليس بكنز"
وفيه أيضًا: أن الكنز هو المال الذي لا تؤدى زكاته، نأخذه من مفهوم قوله: وإذا أديت زكاته فليس بكنز، فإن مفهومه: إذا لم تؤد زكاته فهو كنز، والمراد بالكنز قوله تعالى:{والذين يكنزون الذهب والفضة .... } [التوبة: 34].
وفيه: دليل على أنه ينبغي السؤال عن العلم لسؤال أم سلمة قالت: "أكنز هو؟ "، ويقول العلماء: إن السؤال مفتاح العلم، وقيل لابن عباس رضي الله عنه: بم أدركت العلم؟ قال: "بلسان العلماء، وقلب عقول، وبدن غير ملول".
وفيه أيضًا: حرص الصحابة- رضي الله عنهم على براءة ذممهم وسلامتها من عقاب الآخرة لقولها: "أكنز هو؟ ".
وفيه: دليل علي وجوب الزكاة في الحلي، لقوله:"إذا أديت زكاته فليس بكنز".
زكاة عروض التجارة:
592 -
وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصَّدقة من الَّذي نعدُّه للبيع". رواه أبو داود، وإسناده ليِّنٌ.
"اللين" معناه: ضد القوي؛ لأن هناك لينًا له ضد وهو القوة وكأن المحدثين- رحمهم الله إذا كان الضعف ليس بينًا واضحًا يقولون: إنه لين، فهو درجة بين الضعف المجزوم بضعفه وبين الحسن.
يقول سمرة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج" الأمر في اللغة: الطلب، وفي اصطلاح الأصوليين: طلب الفعل على سبيل الاستعلاء، أي: أن الطالب يظهر نفسه مظهر المستعلي على المطلوب وإن لم يكن عاملًا عليه في الواقع، قد يكون رجلًا قاطع طريق، أو هو من ضعة الناس وأراذلهم، فيمسك رجلًا من أشراف الناس ويأمره، والأمر في الأصل يكون من الأعلى إلى الأدنى، لكن هذا نزل نفسه منزلة الأعلى؛ ولهذا قال العلماء في التعريف: على وجه الاستعلاء، ولم يقولوا: العلو، لأنه قد يأمر وليس عليا على المأمور من حيث الواقع، لكن ينزل نفسه منزلة المستعلي، ثم إن استحق العلو فهو له وإن لم يستحقه فهو دعوى، أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأصل فيه الوجوب، لا سيما وأن المأمور به موصوف بأنه صدقة، والصدقة واجب إخراجها إذا أمر بها.
وقوله: "من الذي نعده للبيع"، "الذي" اسم موصول، والاسم الموصول يفيد العموم، وإن كان مفردًا، والدليل قوله تعالى:{والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} [الزمر: 33]. ولم يقل: هو المتقي، وهذا دليل على أن الاسم الموصول ولو مفردًا يفيد العموم، إذن الذي نعده للبيع عام لكل ما يعد للبيع، يعني: لا يتخذ لذاته وعينه، ولكنه متخذ للبيع، يعني: يراد به قيمته وربحه.
وهذا الحديث يدل على وجوب زكاة العروض، العروض: كل ما أعده الإنسان للبيع لا لذاته مثل سلع التجار التي في حوانيتهم هذا نسميه عروضًا؛ لأنه يعرض للناس يشترونه، أو لأنه يعرض ويزول ما يبقى عند صاحبه، إذا أعطيت السلعة ربحًا بعد شرائها بساعة أو ساعتين يبيعها والإنسان يجد فرقا بين ما يشتريه لعينه وما يشتريه لربحه، الذي يشتريه لعينه لا تبيعه، اللهم إلا أن يأتيك به [ربحًا] كبيرًا، والذي تشتريه للربح تبيعه إذا ربحت ولو بعد نصف ساعة أو أقل، لأنك لا تريده لذاته وإنما تريد ربحه، فكل ما قصد به الاتجار والربح فهو عروض تجارة تجب فيه الزكاة، هل هو خاص بمال معين؟ لا؛ لأنه قال:"من الذي نعده"، إذا كان العروض من الإبل فيه زكاة؟ نعم، رجل عنده بعير واحدة أعدها للتجارة تساوي خمسمائة درهم فيها زكاة؟ نعم، ولو جعلناها سائمة لم يكن فيها زكاة؛ لأن أقل نصاب للسائمة خمس، ولو بقر عروض فيها زكاة، حمير عروض فيها زكاة، لو كلاب عروض ليس فيها؛ لأن الكلاب لا يجوز بيعها ولا حتى المعلمة منها للصيد، أمّا غير ذلك كالدجاج والحمام، والثياب والسيارات، والعقارات كالأراضي، فإنها إذا أعدّت للبيع وجب فيها الزكاة.
وهذا الحديث- كما تشاهدون- أشار المؤلف إلى ضعفه؛ لقوله: "وفيه لين"؛ ولذلك اختلف أهل العلم- رحمهم الله في وجوب زكاة العروض، لكن جماهير أهل العلم على الوجوب حتى حكاه بعض العلماء إجماعًا، والذين حكوه إجماعًا من طريقتهم أنهم لا يعتدون
بخلاف الظاهرية، يرون أن خلاف أهل الظاهر ليس له قيمة ولا يعتبر كما أن بعض أهل العلم على العكس من هؤلاء لا يعتدون بخلاف أهل الرأي، والصواب أن نعتد بخلاف كل واحد من المسلمين؛ لأن الله يقول يخاطب المؤمنين:{وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59]. لكن لا ريب أن جماهير أهل العلم يرون وجوب الزكاة في عروض التجارة وهو الصواب قطعا، وله أدلة عامة وخاصة. فمن أدلته العامة:
أولًا قوله تعالى: {يأيها الذين امنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجناكم من الأرض} [البقرة: 267]. وهذا هو الزكاة تجب في الخارج من الأرض وتجب في طيبات ما كسبنا.
ومنها أيضًا: قوله تعالى: {خذ من أموالهم} [التوبة: 103]. وهذا عام، والأصل فيه أنه يشمل كل شيء حتى العروض، لأنها من أموالنا.
والدليل الثالث: قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: "أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم".
والدليل الرابع: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". وصاحب العروض لو سألناه ما نيتك بهذه العروض؟ لقال: نيتي الدراهم، أي: ليس بنيتي السلعة، ولهذا أشتري في أول النهار برا، وأشتري في آخر النهار شعيرا، وأشتري في أول النهار بقرًا، وأشتري في آخره غنمًا؛ لأنه ليس عندي إرادة لعين المال، وإنما قصدي الربح الذي هو القيمة فيكون قوله- عليه الصلاة والسلام:"إنما الأعمال بالنيات" دالًا على وجوب الزكاة في عروض التجارة؛ لأن نية المتجر هي الأثمان- النقود- فوجبت الزكاة عليه.
فيه أيضًا: دليل معنوي نظري، وهو أننا لو نفينا الزكاة في عروض التجارة لكانت أكثر أموال الأغنياء لا زكاة فيها؛ لأن أكثر أموال الأغنياء هي العروض، ولولا أنهم يتعاملون بالعروض ما نمت أموالهم، لو كان عندهم الدراهم فقط أو الدنانير ما نمت الأموال، ما تنمو أموال التجارة غالبًا إلا بعروض التجارة.
فإذا قلنا: إن هؤلاء الذين عندهم ملايين يبيعون بها ويشترون للتكسب لا زكاة عليهم، انتفت الزكاة في أكثر أموال الأغنياء، وهذا يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" أرأيت لو أن إنسانا عنده أراض، وعقارات ومواش، وأوان، وسيارات، ومعدات تبلغ ملايين للتجارة، وإنسان عنده مائتا درهم. قلنا للأول: لا زكاة عليك. وللثاني: عليك زكاة، هل هذا معقول؟ لا، ذاك الأول عنده ملايين الملايين من العقارات، ولا يمشي إلا بالسيارات الفخمة، وعنده من الخدم والحشم ما لا يحصيهم إلا الله، والمسكين هذا الذي ليس عنده إلا (200) درهمًا قلنا: زكي، أخرج منها