المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيع الرجل على بيع أخيه المسلم: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٣

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

-

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌مفهوم الزكاة:

- ‌فائدة الزكاة:

- ‌متى فرضت الزكاة

- ‌حكم الزكاة:

- ‌مسألة: هل تُؤخذ الزكاة قهرًا

- ‌مسألة: هل يمنع الدَّين وجوب الزكاة

- ‌زكاة بهيمة الأنعام:

- ‌أحكام مهمة في السوم:

- ‌زكاة الفضة والمعتبر فيها:

- ‌حكم الخلطة في السائمة وغيرها:

- ‌زكاة البقر ونصابها:

- ‌مشروعية بعث السُّعاة لقبض الزكاة:

- ‌لا زكاة على المسلم في عبيده وخيله:

- ‌للإمام أن يأخذ الزكاة قهرًا ويعاقب المانع:

- ‌شروط الزكاة:

- ‌حكم زكاة البقر العوامل:

- ‌فائدة فيما لا يشترط فيه الحول:

- ‌الزكاة في مال الصبي:

- ‌الدعاء لمخرج الزكاة:

- ‌حكم لتعجيل الزكاة:

- ‌زكاة الحبوب والثمار:

- ‌مسألة: اختلاف العلماء في نصاب الفضة

- ‌أنواع الحبوب التي تجب فيها الزكاة:

- ‌خرص الثمر قبل نضوجه:

- ‌حكم زكاة الحلي:

- ‌فائدة في جواز لبس الذهب المحلق:

- ‌زكاة عروض التجارة:

- ‌كيف نؤدي زكاة عروض التجارة

- ‌زكاة الركاز:

- ‌زكاة الكنز والمعادن:

- ‌1 - باب صدقة الفطر

- ‌صدقة الفطر من تجب

- ‌فائدة: الواجبات تسقط بالعجز:

- ‌الحكمة من صدقة الفطر

- ‌مقدار صدقة الفطر ومما تكون

- ‌وقت صدقة الفطر وفائدتها:

- ‌2 - باب صدقة التَّطوُّع

- ‌مفهوم صدقة التطوع وفائدتها:

- ‌استحباب إخفاء الصدقة:

- ‌فضل صدقة التطوع:

- ‌اليد العليا خير من اليد السفلى:

- ‌أفضل الصدقة جهد المقل:

- ‌فضل الصدقة على الزوجة والأولاد:

- ‌حكم صدقة المرأة من مال زوجها:

- ‌جواز تصدق المرأة على زوجها:

- ‌كراهية سؤال الناس لغير ضرورة:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌3 - باب قسم الصدقات

- ‌أقسام أهل الزكاة:

- ‌متى تحل الزكاة للغني

- ‌من اللذين تتجل لهم الصدقة:

- ‌فائدة في أقسام البيئات:

- ‌الصدقة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لآله:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌آل النبي الذين لا تحل لهم الصدقة:

- ‌حكم أخذ موالي آل الرسول صلى الله عليه وسلم من الصدقة

- ‌جواز الأخذ لمن أعطي بغير مسألة:

-

- ‌كتاب الصيام

- ‌مفهوم الصيام وحكمه:

- ‌فوائد الصيام:

- ‌النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين:

- ‌كيف يثبت دخول رمضان

- ‌يقبل خبر الواحد في إثبات الهلال:

- ‌حكم تبييت النية في الصيام:

- ‌مسألة: ما الحكم إذا تعارض الرفع والوقف

- ‌حكم قطع الصوم

- ‌فضل تعجيل الفطر:

- ‌فضل السُّحور:

- ‌النهي عن الوصال:

- ‌حكمة مشروعية الصيام:

- ‌هل تبطل الغيبة الصيام

- ‌حكم القبلة للصائم:

- ‌حكم الحجامة للصائم

- ‌فائدة في ثبوت النسخ في الأحكام:

- ‌حكم الفصد والشرط للصائم:

- ‌حكم الاكتحال للصائم:

- ‌حكم من أكل أو شرب ناسيًا وهو صائم:

- ‌حكم من استقاء وهو صائم:

- ‌حكم الصيام في السفر:

- ‌جواز فطر الكبير والمريض:

- ‌حكم من جامع في رمضان:

- ‌مسألة: هل المرأة زوجة الرجل عليها كفارة

- ‌هل على من تعمد الفطر كفارة

- ‌حكم الصائم إذا أصبح جنبًا:

- ‌حكم من مات وعليه صوم:

- ‌1 - باب صوم التَّطوُّع وما نهي عن صومه

- ‌فضل صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء:

- ‌فائدة: حكم الاحتفال بالمولد النبوي:

- ‌فضل صيام ستة أيام من شوال:

- ‌فضل الصوم في شعبان:

- ‌حكم صوم المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌فائدة: حكم سفر المرأة بغير إذن زوجها:

- ‌النهي عن صيام يوم الفطر ويوم النحر:

- ‌النهي عن صيام أيام التشريق:

- ‌فائدة في حقيقة الذكر:

- ‌حكم صيام يوم الجمعة:

- ‌حكم صيام يوم السبت والأحد تطوعًا:

- ‌حكم الصيام إذا انتصف شعبان:

- ‌النهي عن صوم يوم عرفة للحاج:

- ‌النهي عن صوم الدهر:

- ‌2 - باب الاعتكاف وقيام رمضان

- ‌مفهوم الاعتكاف وحكمه:

- ‌فضل العشر الأواخر من رمضان:

- ‌فائدة في ذكر أقسام أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌آداب الاعتكاف وأحكامه:

- ‌مسألة مهمة:

- ‌ليلة القدر

- ‌فضل المساجد الثلاثة:

- ‌فائدة:

-

- ‌كتاب الحج

- ‌تعريف الحج لغةً واصطلاحًا:

- ‌متى فرض الحج

- ‌1 - باب فضله وبيان من فرض عليه

- ‌شروط الحج المبرور:

- ‌جهاد النساء: الحج والعمرة:

- ‌حكم العمرة:

- ‌حكم حج الصبي:

- ‌حكم الحج عن الغير:

- ‌حكم سفر المرأة بغير محرم للحج والخلوة:

- ‌حكم من حج عن غيره قبل الحج عن نفسه:

- ‌فرض الحج في العمر مرة واحدة:

- ‌2 - باب المواقيت

- ‌المواقيت: تعريفها وبيان أقسامها:

- ‌3 - باب وجوه الإحرام وصفته

- ‌4 - باب الإحرام وما يتعلق به

- ‌استحباب رفع الصوت بالتلبية:

- ‌جواز استعمال الطيب عند الإحرام:

- ‌النهي عن النكاح والخطبة للمحرم:

- ‌من محظورات الإحرام قتل الصيد:

- ‌ما يجوز للمحرم قتله:

- ‌فائدة: أقسام الدواب من حيث القتل وعدمه:

- ‌حكم الحجامة للمحرم:

- ‌تحريم مكة:

- ‌تحريم المدينة:

- ‌5 - باب صفة الحج ودخول مكة

- ‌صفة دخول مكة:

- ‌صفة الطواف:

- ‌وقت رمي جمرة العقبة والوقوف بعرفة والمزدلفة:

- ‌متى تقطع التلبية

- ‌صفة رمي الجمرات ووقته:

- ‌وقت الحلق أو التقصير:

- ‌صفة التحلل عند الحصر وبعض أحكامه:

- ‌التحلل الأصغر:

- ‌عدم جواز الحلق النساء:

- ‌مسألة حكم قص المرأة لشعر رأسها

- ‌استحباب الخطبة يوم النحر:

- ‌حكم طواف الوداع في الحج والعمرة:

- ‌فضل الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي:

- ‌6 - باب الفوات والإحصار

- ‌الاشتراط عن الإحرام وأحكامه:

- ‌أسئلة مهمة على الحج:

- ‌كتاب البيوع

- ‌1 - باب شروطه وما نهي عنه

- ‌أطيب الكسب:

- ‌تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام:

- ‌تحريم بيع الميتة مثل الدخان والدم:

- ‌تحريم بيع الأصنام وما يلحق بها من الكتب المضلة والمجلات الخليعة:

- ‌النهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن:

- ‌جواز اشتراط منفعة المبيع للبائع:

- ‌جواز بيع المدبَّر إذا كان على صاحبه دين:

- ‌حكم أكل وبيع السمن الذي تقع فيه فأرة:

- ‌بطلان مخالفة الشرع:

- ‌حكم أمهات الأولاد:

- ‌النهي عن بيع فضل الماء وعسب الفحل:

- ‌النهى عن بيع الولاء وهبته:

- ‌النهي عن بيع الحصاة وبيع الغرر:

- ‌مسألة: هل يجوز بيع المسك في فأرته

- ‌بيع الجهالة:

- ‌النهى عن بيعتين في بيعة:

- ‌السلف والبيع:

- ‌بيع العُربان:

- ‌حكم بيع السلع حيث تُبتاع:

- ‌مسألة بيع الدَّين:

- ‌بيع النَّجش:

- ‌النهي عن المحاقلة والمزابنة وما أشبهها:

- ‌النهى عن تلقِّي الرُّكبان:

- ‌بيع الرجل على بيع أخيه المسلم:

- ‌حكم التفريق بين ذوي الرحم في البيع:

- ‌حكم التسعيرة:

- ‌ الاحتكار

- ‌بيع الإبل والغنم المصرَّاة:

- ‌تحريم الغش في البيع:

- ‌جواز التوكيل في البيع والشراء:

- ‌بيع الغرر:

- ‌بيع المضامين:

الفصل: ‌بيع الرجل على بيع أخيه المسلم:

يجوز أن تشتري من المسافر، ولذلك يبعد أن يبيعوا على هذا المتلقي؛ لأنهم سيقولون: إن سفرنا إلى الرياض اللهم إلا إذا احتاجوا إلى دراهم في طريقهم، فإنه في هذه الحال قد يبيعون.

ما تقولون في رجل خرج يتمشى خارج البلد وإذا هو بقوم معهم جلب هل يجوز أن يشتري منهم؟ لا يجوز، لأن أصل النهي عن الشراء والتلقي وسيلة.

‌بيع الرجل على بيع أخيه المسلم:

776 -

وعنه رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرَّجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة أختها لتكفأ ما في إنائها". متَّفق عليه.

-ولمسلم: "لا يسوم المسلم على سوم المسلم".

قوله: "حاضر لباد" سبق الكلام عليه، وقوله:"ولا تناجشوا" أيضًا سبق الكلام عليه، قوله:"ولا يبيع الرجل على بيع أخيه"، كلمة "الرجل" لم تذكر للتقييد ولكن ذكرت للغالب، وإذا كان الشيء ذكر للغالب فإنه لا مفهوم له، كل قيد ذكر بناء على الغالب فإنه ليس له مفهوم.

وقوله: "لا يبيع الرجل" روي بوجهين: "لا يبع الرجل"، والثاني:"لا يبيع الرجل"، أما "لا يبع الرجل" فلا إشكال فيه؛ لأن "لا" ناهية، و"يبع" فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، ولكنه حرِّك بالكسر لالتقاء الساكنين، وأما "لا يبيع الرجل" بالرفع ففيه إشكال وهو أن "لا" نافية فهل النفي يفيد النهي؟ الجواب: نعم، قد يكون نفيًا ويراد به النهي فتكون الجملة خبية إنشائية، خبرية باعتبار اللفظ إنشائية باعتبار المعنى؛ لأنها خبر يراد به النهي؛ قال أهل العلم: وكما يجئ الخبر في موضع النهي يجئ الطلب في موضع الخبر، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: } وقال الذين كفروا للذين ءامنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطبكم {[العنكبوت: 12]. فإن اللام للأمر، ولكن المراد: الخبر؛ لأن المعنى: ونحن نحمل خطاياكم، الكلام على أن "يبيع" فيها وجهان:"لا يبع" و"لا يبيع"، "الرجل" قيد بالرجولة بناء على الأغلب.

"على بيع أخيه"، أخيه في النسب؟ لا أخيه في الإنسانية؟ لا أخيه في الدين؟ نعم؛ لأن الأخوة الإنسانية غير مفصودة شرعًا، وليس بين الناس أخوة إنسانية، ولكن بينهم جنسية إنسانية؛ يعني: أن الكافر من جنس المسلم في الإنسانية، لكن ليس أخاه، ألم تروا إلى نوح قال: } فقال رب إنَّ ابني منَّ أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحكمين {، فقال تعالى: } قال ينوح إنه ليس من أهلك {[هود: 45، 46]. مع أنه ابنه، ومن زعم أن هناك أخوة إنسانية بين البشر فقد أبعد النَّعجة؛ لأن الأخوة إما دينية كما في قوله: } فإخوانكم في الدين {[التوبة: 11].

ص: 583

ومثلها الأخوة الإيمانية كما في قوله: } إنما المؤمنون إخوة {[الحجرات: 10]. وإما أخوة في النسب كقوله تعالى: } وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذَّكر مثل حظ الأنثيين {[النساء: 176]. وقوله: } وإلى مدين أخاهم شعيبًا {[الأعراف: 85]. وأما قوله: } كذب أصحب لئيكة المرسلين (176) إذ قال لهم شعيب {[الشعراء: 176، 177]. ولم يقل: أخوهم؛ لأن أصحاب الأيكة غير مدين، بل هم قوم آخرين، إما تابعون لهم أو مستقلون، المهم أن شعيبا ليس منهم؛ ولهذا لم يقل: إذ قال لهم أخوهم شعيب، بل قال: } إذا قال لهم شعيب {. إذن "على بيع أخيه" يعني: في الدين والإيمان، صورة ذلك: أن يشتري شخص من إنسان سلعة بعشرة ثم يأتيه آخر، ويقول: أعطيك مثلها بتسعة هذه بيع على بيع، أو يقول: أعطيك أحسن منها بعشرة هذا بيع على بيع، ما نقص الثمن، لكن أفضل منها، اختلفت صفة المبيع، هذا بيع على بيع فهذا حرام، وإذا فعل فالبيع باطل لورود النهي عنه بعينه، وكل عقد أو عبادة ورد النهي عنها بعينها فهي باطلة ولا يمكن تصحيحها؛ لأن تصحيحها جمع بين الضدين.

هل البيع حرام سواء كان ذلك في مدة الخيار أو بعد انتهاء مدة الخيار؟ في ذلك خلاف؛ فبعض العلماء يقول: إن النهي خاص فيما إذا كان ذلك في زمن الخيارين: خيار المجلس أو خيار الشرط، ومن العلماء من قال: إنه عام فمن قال بالأول قال: إن علة النهي: لئلا يفسخ البيع ويعقد مع الثاني، فيكون في ذلك حسد على البائع الأول، مثاله: باع زيد على عمرو بيتًا بمائة ألف ريال واشترط الخيار لمدة أسبوع فعلم بكر بالعقد فذهب إلى عمرو وقال: اشتريت بيت فلان بمائة ألف، وقال بكر: لك عندي بيت أحسن منه بثمانين ألف، فذهب فرأى بيته أحسن والثمن أقل، فذهب عمرو إلى زيد وقال: إني رجعت، هل له ذلك؟

له ذلك؛ لأنه في زمن الخيار، زمن خيار المجلس، مثاله: باع زيد على عمرو بيته بمائة ألف ريال وهما جالسان فسمع شخص بذلك فجاء إليهم وهم جلوس وقال: يا فلان، أنا أعطيك بيتي بثمانين ألف ريال، وهي أحسن من فلَّة فلان، قال: إذن رجعت، هذا في زمن خيار المجلس، والأول في زمن خيار الشرط، سيكون بين زيد وبين هذا الداخل عداوة، وسب وشتم، لماذا تفعل أنت مثل الشيطان أنت حسود، ويمكن تصل إلى الضرب، أو تصل إلى السلاح؛ ولهذا نهى الشارع عنه، إذا كان بغرر من الخيارين يعني: بعد أن اشترى الرجل من عمرو البيت وتفرقا ولزم البيع جاء شخص آخر وقال: أنا أبيع عليك بيتًا أحسن منه بثمانين ألفًا فلان غالطك هل يمكن أن يرجع ويفسخ البيع؟ لا، لماذا؟ لأنه انتهى زمن الخيار، ولكن سيكون في قلب المشتري ندم وحسرة ويقول: يا ليتني ما تعجلت، وسيكون في قلبه أيضًا حقد وغل على البائع خدعني غلبني.

والقول الثاني في المسألة يقول: حتى بعد زمن الخيارين، ويرون أن العلة في ذلك هو إيقاع الندم في قلب المشتري، والثاني إلقاء العداوة بينه وبين البائع، ثالثًا: ربما يتحيل فيبحث عن سبب

ص: 584

يبيح له الرد والفسخ، أيهما إذن أرجح القول بالعموم أو تقيد ذلك بزمن الخيارين؟ القول بالعموم كما هو ظاهر الحديث:"لا يبيع الرجل على بيع أخيه".

هل يقاس على البيع الشراء؟ لا يشتر على شراء أخيه؟ نعم، نقول: وكذلك الشراء لا يجوز أن يشتري على شراء أخيه، وصورة الشراء: أن يقول لمن باع انتبهوا للمثال لأجل أن يقرب لكم الموضوع- في صورة البيع أن نقول لمن اشترى، وفي صورة الشراء نقول لمن باع هذا يسهل عليك التصوير، علمت أن زيدًا باع على عمرو بيته بمائة ألف فذهبت إلى من؟ إلى زيد، وقلت: يا فلان، أنت بعت بيتك على عمرو بمائة ألف، أنا أعطيك مائة وعشرين ألفًا، إن كانا في زمن الخيارين المجلس أو الشرط فهو حرام على كلا القولين، وإن كانا بعد انتهاء زمن الخيار فهو حرام على أحد القولين، والصحيح: أن الشراء على شرائه في زمن الخيارين وبعد انتهاء زمن الخيارين سواء.

فإذا قال قائل: لم أدخلتم صورة الشراء والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا بيع"؟

فالجواب من عدة أوجه: أولًا: أن الشراء قد يطلق عليه البيع، ثانيًا: أن الشراء في معنى البيع والشارع لا يفرق بين متماثلين، فإذا حرّم البيع على بيعه حرّم الشراء على شرائه من باب أولى. ثالثًا: أن في رواية مسلم: "ولا يسم على سومه"، والشراء على شرائه أبلغ من السوم على سومه كما سيأتي في شرح السوم.

فإذا قال قائل: هل تلحقون في البيع ما سواه كالإجارة؟

فالجواب: نعم، وذلك من وجهين: إما أن نقول: إن الإجارة بيع المنافع فتدخل في البيع، وإما أن يقال: لا تدخل في البيع، لكن المعنى الذي في البيع موجود في الإجارة، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يؤجِّر على إجارة أخيه، ولا أن يستأجر على استئجار أخيه، أن يؤجر على إجارة أخيه مثل: أن يسمع أن زيدًا آجر عمرًا بألف ريال في السنة فذهب إلى عمرو وقال: أنا أعطيك منزلًا أحسن من هذا بثمانمائة ريال في السنة، هذا إجارة على إجارة، أو يذهب إلى زيد فيقول: أنا أعطيك أجرة ألف ومائتين، هذا استئجار على استئجاره، فصار الآن البيع على البيع والشراء على الشراء والإجارة على الإجارة، والاستئجار على الاستئجار، والسوم على السَّوم كل ذلك محرم، وهل يصح العقد؟ الجواب: لا يصح لا في البيع على بيعه ولا في الشراء على شرائه ولا في الإجارة على إجارته ولا في الاستئجار على استئجاره، ووجه ذلك: أن النهي عائد إلى العقد بنفسه، ولا يمكن أن يرد نهي على مأذون، فيه فإذا ورد نهي عن شيء بعينه صار ذلك الشيء باطلًا لا يصح.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ولا يخطب على خطبة أخيه"، "ولا يخطب" يعني: الرجل "على خطبة أخيه" يعني: إذا خطب شخص امرأة فإنه لا يحلّ لرجل آخر أن يذهب ويخطبها من أهلها؛ لأن ذلك عدوان على حق أخيه، والله سبحانه وتعالى يقول: } ولا تعاونوا على الإثم والعدوان {[المائدة: 2].

ص: 585

ويقول: } ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين {[البقرة: 190]. وقوله: "لا يخطب على خطبة أخيه" فنقول: فيها مثل ما قلنا في قوله: "على بيع أخيه"، فلو خطب رجل امرأة فلا يجوز للمسلم أن يخطبها، ولو خطب نصراني نصرانية فلا يجوز للمسلم أن يخطبها على خطبته من باب أولى، وقوله:"على خطبة أخيه" بناء على الغالب، وقوله:"لا يخطب على خطبة أخيه" أي: الرجل على خطبة أخيه.

لو كانت المرأة هي الخاطبة على خطبة أختها فهل يجوز؟ لا يجوز، فلو علمت امرأة أن فلانًا خطب فلانة وكانت تريد أن تتزوج، وقالت: أريد أن أفسخ عليه، فهذا لا يجوز، لأن عدوان على حق الغير.

وقد يقول قائل: هناك فرق بين خطبة الرجل وخطبة المرأة؛ لأنه لا يلزم من خطبة الثانية فسخ الأولى؛ لأن بإمكانه أن يجمع بينهما بخلاف الرجل؟

قلنا: نعم، هذا ممكن، لكن من الذي قال: إن هذا الرجل يمكنه أن يأخذ اثنتين فيكون في هذا عدوان.

وقوله: "على خطبة أخيه" يدل على أنه ما دامت الخطبة غير قائمة فله أن يخطب، وكيف تكون غير قائمة؟ إذا ردَّ الخاطب، خطب فلان من جماعة وردوه فهل يجوز أن يخطب الثاني؟ نعم.

لو قال قائل: لا يجوز لاحتمال أن يرجع مرة أخرى؛ لأن بعض الناس إذا خطب وردوه يصبر شهرًا أو شهرين، ثم يعود ما دام له رغبة في المرأة فما تقولون؟

نقول: هذا وارد، لكن ما دام ردَّ في الأصل، فالأصل عدم القبول ما دام ردوه أول مرة لا يقبلوه مرة ثانية، فيجوز أن يخطب الثاني هذه المرأة.

ويستفاد من قوله: "على خطبة أخيه" لو جاءنا فلان الخاطب الأول بأن سمع زيد بأن عمرًا خطب فلانة فذهب إليه وقال: يا فلان، الخطبة هذه أنا راغب فيها، فقال: إذن أنا متنازل، هل يجوز؟ نعم يجوز؛ لماذا؟ لأن الخطبة الآن صارت غير قائمة.

لو أن الرجل خطب المرأة وهي مخطوبة لكنه لم يعلم فهل يجوز؟ يجوز؛ لأن لا يعلم ولأن الحديث: "لا يخطب على خطبة أخيه"، وهذا ما خطب على خطبة أخيه؛ لأنه لا يعلم أن أخاه قد خطب، فإن علم أنه خطب، لكن لا يعلم هل ردوه أم قبلوه فهل له أن يخطب؟ ليس له أن يخطب، وهذا هو الصحيح، خلافًا لمن قال: إن هذا خاص فيما إذا قبلوه، وأما إذا لم يعلم فله أن يخطب، والحاصل أن خطبة الرجل الأول إما أن يقبل أو يرد أو لا يدرى حاله، فإن قبل فلا إشكال فيه وإن رد فالخطبة جائزة، ولا إشكال فيه وإن لم يعلم هل ردوه أو قبلوه فقد اختلف على قولين، والصحيح أنه لا يخطب؛ لأن الخطبة قائمة، وقد يكون في إرادتهم أنهم سيوافقون لولا خطبة الثاني، فالصحيح إذا كان لا يدرى حاله فلا يجوز أن يخطب عليه، فإن أذن فإنه جائز؛ لأن الحق له وقد أذن فيه، وإن

ص: 586

جهل الثاني خطبة الأول جائز أيضًا، وعلى هذا يحمل خطبة أسامة وأبو جهم ومعاوية، ثلاثة خطبوا امرأة واحدة [على عدم العلم] المهم أن نقول مع العلم لا يصح، ولكن إذا أذن هل يجب عليه أن يسحب الخطبة أو له أن يبقى، أو تقول: إن هذا الرجل خطب على وجه مباح فا يلزمه؟ [نقول: اسحب الخطبة وابحث لك على بيت آخر].

ثم قال: "ولا تسأل المرأة" لما ذكر حق الرجل على الرجل، ذكر حق المرأة على المرأة، فقال:"ولا تسأل المرأة طلاق أختها" يعني: أختها؛ أي: في الدَّين.

يؤخذ من هذا الحديث من قوله: "ولا يبع": أن الرسول نهى عن هذا، والمراد بالأخت: الأخت في الدّين.

فهل نقول: إن هذه لو سألت طلاق امرأة نصرانية تزوجها مسلم هل هو جائز؟ نقول: لا؛ لأن هذا بناء على الغالب.

قال وفي رواية لمسلم: "ولا يسم"، "لا" هذه ناهية، لأنها جزمت الفعل، "ولا يسم المسلم على سوم أخيه"، السَّوم: تقدير الثمن من المشتري وهو معروف، ولكن السوم على نوعين: سوم يزاد فيه، وسوم يطمئن إليه البائع، أما الأول الذي فيه زيادة كل من البائع والمشتري يتساومان، هذا يقول: بعشرة، والثاني يقول: بإحدى عشر، وهكذا، لكن إذا استقر البائع والمشتري، ولم يبق إلا موجب العقد، فإنه لا يجوز لأحد أن يتقدم إلى البائع، لأن البائع قد رضي، أما لو قال البائع: من يزيد، أو بعد أن ركن إليه سمع أن فلانًا يزيد السلعة فذهب فطلب زيادة فهذا لا بأس به.

في هذا الحديث فوائد: أولًا: تحريم بيع الحاضر على البادي لقوله: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لبادٍ"، والأصل في النهي التحريم، لكن الفقهاء رحمهم الله كما عرفتم جعلوا لذلك شروطًا، ومنها ما ذكره ابن عباس رضي الله عن:"ألَّا يكون له سمسارًا".

ثانيًا: أنه لو باع حاضر لباد فلا يصح، لماذا؟ لأن النهي عائد إليه، وما عاد النهي إليه فلن يكون صحيحًا، لكن بعض أهل العلم صحح البيع وقال: إن النهي هنا لا يعود إلى معنى يختص بالبيع، وإنما يعود إلى حق البائع أو البيع، ولكن الصحيح أن البيع لا يجوز؛ لأنه قد ورد النهي عنه، وما ورد النهي عنه فلن يكون مقبولًا لقول صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد".

ومن فوائد الحديث: تحريم النَّجش لقوله: "ولا تناجشوا"، فإذا وقع النَّجش ثم بيع على من نجش عليه فهل البيع صحيح؟ الجواب: نعم، إذ أن النهي ليس عن البيع بل عن النَّجش، لكن للمنجوش إذا غرَّر به أن يرجع يعني: له الخيار، يعني لما رأى هذا الرجل يزيد في السلعة،

ص: 587

وهو رجل له خبرة ظن أن السلعة لا تقل عن هذا الثمن، فلما تبين له بعد ذلك أنه نجش يثبت له الخيار لأنه قد غرر به.

ومن فوائد الحديث: تحريم بيع الرجل على بيع أخيه لقوله: "ولا يبع الرجل على بيع أخيه"، وعرفتم في الشرح هل يدخل فيه لقوله:"أخيه" الذمي، أو لا يدخل، فيه خلاف، والصحيح أنه لا يدخل.

هل يلحق بالبيع الشراء؟ نعم، لأننا إن قلنا بأن البيع يكون مشتركًا بين البيع والشراء فالأمر واضح، وإن قلنا بأن البيع خاص بالبيع، والشراء له معنى مستقل فإنه يكون خاص بالبيع، وهل يقاس على البيع الإجارة؟ نعم، وجميع العقود، لأن العلة واحدة وهي العدوان على حق الغير.

ومن فوائد الحديث: تحريم الخطبة على خطبة المسلم لقوله: "ولا يخطب على خطبة أخيه"، ونقول: في الذّميّ ما قلنا في البيع.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا ردّ الخاطب أو أذن أو كان الخاطب الثاني جاهلًا، فلا تحريم؛ لأن الخطبة تكون غير قائمة، ونقول في الخطبة على خطبة الذّميّ ما قلنا في البيع على بيعه، والصحيح أنه لا يجوز؛ لأنه عدوان، والذمي له حق، وهل يقاس على ذلك خطبة المرأة على خطبة المرأة؟ نعم؛ لأنه عدوان.

ومن فوائد الحديث: تحريم سؤال المرأة طلاق أختها لقوله: "ولا تسأل المرأة طلاق أختها"، ولكن هل هذا التحريم خاص بما إذا أرادت قطع رزقها لقوله:"لتكفأ ما في إنائها"؟ الجواب: نعم، إن قلنا: اللام للتعليل فهو مختص بها، وإن قلنا: اللام للعاقبة لم يكن مختصًا بها، ومن تأمل عموم النصوص تبين له أن اللام للعاقبة، وأنه حتى وإن لم تطلب قطع رزقها فإنما قصدت الإضرار بها، فإن سؤال الطلاق حرام.

ومن فوائد الحديث: بيان ضعف قول من قال من أهل العلم: إن المرأة إذا تزوجت بشرط أن يطلق الزوج زوجته الأولى، فالشرط باطل خلافًا للمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله لأنهم يقولون بجواز ذلك مع أنه قول مخالف للنص، وإذا فرض أن هذا الشرط باطل وتزوجت على هذا الشرط، ولكنه بعد أن تزوج قال: هذا الشرط باطل ولم أطلق الأولى، فهل للزوجة الثانية الجديدة فسخ النكاح؟ فيه تفصيل: إن كانت لا تعلم حكم الشرع فلها الفسخ ولا يمكن أن نعاقبها بأمر لم تعلم به، وإذا أخبرت أن هذا حرام فإنه ليس لها الفراق، ولكن هل لنا أن نعزِّره؟ فيه تفصيل: إذا كان يعلم بالحديث فإنه يؤدِّب؛ لأنه غرر.

سألت المرأة طلاق أختها لمصلحتها بأن تكون المرأة قد سئمت من زوجها، وجاءت المرأة الأخرى وقالت: أنا أطلب لها الطلاق فهل يجوز؟ جائز بل قد يكون محمودًا؛ لأن فيه إنقاذًا لها مما هي عليه من سوء العشرة.

لو سألت طلاق أختها لمصلحة الزوج وليس لمصلحة الزوجة؟ ينظر هذه امرأة تزوجت رجلًا

ص: 588

فأخذت تطلب منه كل يوم نوع من الأرز نوع من الخبز نوع من اللباس، والزوج هذا كالشاة مع الراعي، فأرادت الأخرى أن تنقذ الزوج من هذه المرأة، فذهبت تطلب الطلاق هل يجوز؟ هو جائز، بل قد يكون محمودًا؛ لأن فيه إنقاذًا لهذا الرجل المغلوب على أمره.

إذن نقول: إذا سألت المرأة طلاق أختها فلا يكون إلا في ثلاث حالات: الأولى: أن يكون لمصلحة الزوج أو لمصلحة المرأة وهذا جائز، أن يكون بقطع رزق المرأة هذا لا يجوز، بل حرام؛ لأنه إضرار بالمرأة إذا سأل الرجل طلاق المرأة من زوجها كرجل سأل زوجًا أن يطلق زوجته؟ إذا كان لمصلحة الزوج فجائز، أما إذا كان لمصلحة الزوجة فلا يجوز، أو لقطع رزق المرأة فلا يجوز، إذا كان لغرض السائل هو نفسه يريدها فهذا حرام، وقد أنكر الإمام أحمد رحمه الله من سأل من رجل خلعه امرأته ليتزوج منها، إذا كان الشارع نهى عن خطبة المرأة فكيف يكون ذلك؟

وقوله: "لا يسم المسلم"، "يسم" هذا فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين؛ لأنه لا يمكن أن يحذف حرف من وسط الكلمة من أجل الجزم؛ أي: لا يمكن أن يكون عامل الجزم هو الذي حذفها إنما يحذف الحرف للجزم من آخر الكلمة، فالعلة هنا لالتقاء الساكنين؛ لأنه إذا جزم الفعل صار آخره ساكنًا فلا يستقيم آخر ساكن مع الواو -حرف علة- فتحذف، المهم "لا يسم على سومه" يعني: أنه إذا سام المسلم شيئًا وركن البائع إليه فإنه لا يجوز لشخص آخر أن يأتي ويزيد عليه؛ لأن البائع قد ركن إليه، أما إذا كانت المسألة من باب المزايدة فإن هذا جائز بإجماع المسلمين، وليس فيه حرج، يعني: رجل يعرض سلعة ويقول: من يسوم، من يسوم، فقام آخر وقال: أنا أسومها بعشرة، فهل يجوز أن أزيد عليه وأقول: بإحدى عشر؟ نعم يجوز ذلك، وكذلك لو أن البائع هو الذي عرضها، فإنه لا بأس أن أزيد على من سامها أولًا، أما إذا رأيت أن البائع قد اطمأن ولم يبق عليه إلا أن يوجب البيع، فإنه لا يجوز لي أن أسوم على سومه، لما في ذلك من العدوان على حقه؛ ولأن هذا يوجب العداوة والبغضاء بين المسلمين.

وهل مثل ذلك السوم على السوم في البيع؟ يعني بأن يجد شخصًا يريد أن يشتري شيئًا، وقد ركن إلى قول البائع، ولم يب عليه إلا أن يوجب البيع، فيأتي إنسان آخر فيقول: أنا أعطيك مثله أو أكثر منه؟ فالجواب: نعم؛ لأن العلة واحدة، وهي العدوان على حق الغير، ولكن في مسألة السوم لو أنه عقد البيع مع الذي سام على سوم أخيه فهل يصح؟ الجواب: نعم؛ لأن النهي عن السوم، وأما في البيع على بيعه أو الشراء على شرائه فإنه لا يصلح البيع؛ لأن النهي وارد على نفس العقد، وقد سبق لنا قاعدة مهمة في هذا الباب وهو أن النهي إذا عاد إلى ذات الشيء فإنه لا يمكن أن يقع صحيحًا من أجل التضاد، وأما إذا عاد النهي إلى أمر خارج فإنه يأثم ولكن يصح العقد.

ص: 589