الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتكافه جمعة حتى لا يحتاج إلى الخروج من مكان اعتكافه.
ومن فوائد الحديث: فضيلة العشر الأواخر لتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لها بالاعتكاف.
ومن فوائده: أهمية ليلة القدر، وأن الإنسان ينبغي أن يكون مستعدًّا لها.
ومن فوائده: أن أفضل مكان للخلوة بالله بيوت الله عز وجل لأنها بيوته أضافها الله إلى نفسه في قوله: } ومن أظلم ممَّن مَّنع مساجد اللَّه {[البقرة: 114]. وأضافها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله في قوله: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله
…
".
ومن فوائد الحديث: أن الاعتكاف لم تنسخ مشروعيته؛ لقولها: "حتى توفاه الله".
ومنها: جواز اعتكاف المرأة؛ لقولها: "واعتكف أزواجه من بعده"، فإن قلت: أفلا يعارض هذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنقض الأخبية، حينما فعلت زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بنين لهن أخبية في المسجد ليعتكفن؛ لأن الرسول لما أراد أن يعتكف بنت عائشة لها خباء وبنت زينب لها خباء وبنت حفصة لها خباء فيما أظن، وهو قد بنى له بيتًا، يعني: خيمة، فلما خرج ورأى هذه الأخبية قال:"البر أردن"، أو قال:"ترون بهن؟ " يعني: هل تظنون أنهن فعلن هذا للبر، ثم أمر بنقض الأبنية الأربعة، وترك الاعتكاف تلك السِّنة واعتكف بعد ذلك في شوال، وهنا نقول:"اعتكف أزواجه من بعده" واستنبطنا منا: جواز مشروعية اعتكاف المرأة، فكيف نجيب عن هذا الحديث؟ أن الرسول ظن أنهن أردن غيرة، ولو فتح الباب لهن فسيكون في المسجد تسع أخبية والعاشر للرسول، فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يقطع أن تكون العبادات مما يحمل عليه الغيرة والتفاخر والتباهي، ولهذا جاء في الحديث:"لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد"، لا يتخذونها مكان عبادة ولكن مكان مباهاة يقال: ما شاء الله فلان عمل هذا المسجد مزخرفًا محلى بالنقوش وهكذا.
فالحاصل: أننا نقول فيما أجبنا عنه فيما ظاهره معارضة لهذا الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بنقضها خوفًا من أن يكون الحامل لذلك- أو ظنًا أن الحامل لذلك- هو الغيرة.
آداب الاعتكاف وأحكامه:
666 -
وعنها رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلَّى الفجر، ثمَّ دخل معتكفه". متَّفقٌ عليه.
قولها: "إذا أراد" يعني: إذا أراد الدخول في المعتكف، والإرادة محلها القلب؛ لأنها النية قال:"صلى الفجر ثم دخل معتكفة" أي فجر؟ لم تبين، لكن قولها في الحديث الذي قبله "كان يعتكف العشر الأواخر" فإنه يحتمل أنه الفجر من يوم العشرين ليستقبل العشر الأواخر كاملة، أو أنه الفجر من إحدى وعشرين، فعلى الأول يمكن أن يكون كذلك ولكنه يُخالف قولها يعتكف العشر الأواخر، لماذا؟ لأن اليوم العشرين من العشر الأواخر، وعلى الثاني: يشكل أيضًا إذا قلنا: إنه يدخل في صباح اليوم الحادي والعشرين، لماذا يشكل؟ لأن ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر، وهي تقول: إنه كان يعتكف العشر الأواخر، ويحتمل أيضًا أن تكون ليلة القدر كما رآها النبي صلى الله عليه وسلم حين اعتكف العشر الأوسط من رمضان، ثم أرى ليلة القدر وأنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين فمطرت السماء ليلة إحدى وعشرين فواكب المسجد، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم فجر يوم إحدى وعشرين، وكان مسجده صلى الله عليه وسلم طينًا مبتلًا من المطر فلما انصرف إذا على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين، فعندنا الآن هي لم تبين تقول:"إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفة"، أي فجر هو؟ قلنا: يحتمل أنه فجر اليوم العشرين، وحينئٍذ يكون اعتكف أكثر من العشر الأواخر، ويحتمل أنه فجر إحدى وعشرين، وحينئٍذ يكون قد نقص من العشر الأواخر ليلة إحدى وعشرين، لهذا قال العلماء: إن مرادها بقولها: "صلى الفجر ثم دخل معتكفة"، أي: أنه صلى الله عليه وسلم انعزل عن الناس أو اعتزل الناس، وكان في ليلة إحدى وعشرين يختلط بالناس ويهيئ مكان اعتكافه، ولكن لا يعتزل الناس إلا في صباح إحدى وعشرين إذا صلى الفجر، قالوا ذلك لأجل أن يجمعوا بين هذا الحديث وبين الحديث الأول، "كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان"، وعللوا ذلك أيضًا فقالوا: إن العشر الأواخر من رمضان تبتدئ من غروب الشمس يوم عشرين، لأن النهار تابع الليل، فليلة الثلاثاء مثلًا هي مساء يوم الإثنين، إذن ليلة إحدى وعشرين تعتبر من العشر الأواخر، هذا ما حمله عليه أهل العلم، ولم يتبين لي أن هذا الحمل جيد، وكذلك أيضًا بعد مراجعة ما تيسر من شروح الحديث ما رأيت أحدًا رجح أحد الاحتمالين السابقين، وعندي أن الاحتمال الأول- أنه يدخل معتكفة في صباح عشرين- قد يكون جيد؛ لأنه في هذا اليوم يدخل ليهيئ المكان ويحسنه حتى يكون قابلًا للاعتكاف فيه من ليلة إحدى وعشرين، ولكني ما رأيت أحدًا من أهل العلم قال بذلك، نعم رأيت بعض العلماء يقول: إنه يدخل المعتكف في فجر يوم إحدى وعشرين ويلغي ليلة إحدى وعشرين، ولكن هذا أيضًا يبعده أن ليلة إحدى وعشرين هي إحدى الليالي التي يمكن أن تكون ليلة القدر.
في الحديث فائدة واحدة وهي: أن المعتكف يدخل معتكفه في الليلة التي تسبق اليوم لكنه لا يعتزل الناس إلا في صباحه، حيث يكون ابتداء تمام الاعتكاف.
667 -
وعنها رضي الله عنها قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علىَّ رأسه وهو في المسجد فأرجِّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا". متّفق عليه، واللَّفظ للبخاريِّ.
هنا قولها: "إن كان ليدخل""إن" مخففة من الثقيلة، واللام في قوله:"ليدخل" واجبة الوجود، يعني: يجب أن توجد، لماذا؟ لأنها لو حذفت لأوهم أنه ما كان يدخل رأسه عليَّ، وقد قال ابن مالك في ألفيته:
وخفِّفت إنَّ فقلَّ العمل
…
وتلزم اللَاّم إذا ما تهمل
وربَّما استغنى عنها إن بدا
…
ما ناطقٌ أراده معتمدًا
فذكري أنه يمكن أن يستغنى عنها بشرط أن يكون المعنى واضحًا، فإن كان غير واضح فلابد من وجودها، وتسمى اللام الفارقة.
قولها: "إن كان ليدخل عليَّ رأسه وهو في المسجد"، جملة:"وهو في المسجد" حال من فاعل "يدخل"، "فأرجله"، الترجيل: تسريح الشعر بالمشط ودهنه حتى يكون نظيفًا لينًا.
قالت: "وكان لا يدخل البيت"، يعني: بيت عائشة أو غيرها من النساء، "إلا لحاجة"، والمراد بالحاجة هنا: حاجة الإنسان كما جاءت مفسرة في حديث آخر، وحاجة الإنسان هي: البول أو الغائط، وقولها:"إذا كان معتكفًا" هذا شرط، يعني: أنها ذكرت هاتين الحالين فيما إذا كان صلى الله عليه وسلم معتكفًا، وقد عرفت متى كان يعتكف وهو أنه يعتكف العشر الأواخر من رمضان.
ففي هذا الحديث عدة فوائد: الفائدة الأولى: أن الإنسان لا يبطل اعتكافه بخروج بعض الجسد لفعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدخل رأسه إلى البيت، ومثل ذلك: لو حلف أنه لا يخرج من البيت فأخرج بعض جسده فإنه لا يحنث بدليل هذا الحديث.
ومن فوائده: جواز ترجيل المعتكف برأسه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، لا نقول للمعتكف: طن أشعت أغبر، بل نقول: لا بأس أن ترجل رأسك، وهل يجوز أن يحلقه لو كان الحلق عند الناس من باب التجمل كما هي عادتنا اليوم؟ الجواب؟ الجواب: نعم يجوز له أن يحلق رأسه للتجمل أو لغرض آخر.
ومن فوائده: جواز استخدام الرجل زوجته في غير ما يتعلق بمصالح النكاح لكونه صلى الله عليه وسلم
يدخل رأسه على عائشة لترجله.
فإن قال قائل: لماذا لا يأمر عائشة أن تأتي فترجل رأسه في المسجد؟
فالجواب: قد يكون لها عذر وأيضًا قد يكون في المسجد رجال، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم ألا ترجله أمامهم. المهم: أن هذه قضية عينن ولو أن الرجل دعا زوجته ورجلت رأسه في المسجد فلا بأس لكن بشرط ألا يتلوث المسجد بذلك بحيث يؤخذ ما يتناثر من الشعر ويلقي خارج المسجد.
ومن فوائد الحديث: جواز ملامسة الرجل زوجته وهو معتكف، الملامسة تعني: اللمس باليد وليس الجماع؛ لأن عائشة ترجل الشعر، والغالب أنها تمسه، أي: تمس بشرته، أما مس الشعر فقد سبق لنا عدة مرات أن الشعر في حكم المنفصل.
ومن فوائد الحديث: أن ينبغي للإنسان أن يفعل مع زوجته ما يجلب المودة والمحبة، وجه ذلك: أنه كان يدخل عليها رأسه لترجله، ولا شك أن الإنسان إذا عامل زوجته هذه المعاملة فسوف تقوى الرابطة بينهما، يعني: لو قال مثلًا: احلقي رأسي هذا من جنس الترجيل، أو إذا كان على رأسه شعر قال: رجليه، أو غسل بدنه، كل ذلك مما يجلب المودة بين الزوجين، وما كان جالبًا للمودة فإنه مأمور به.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد إلا لحاجة؛ لقولها: "وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة": البول والغائط، ويقاس عليهما ما لابد منه من أكل وشرب ولباس ولحاف وما أشبه ذلك، لكن بشرط ألا يجد من يأتي إليه، فإن وجد من يأتي به إليه صار غير محتاج لذلك، الوضوء هل يجوز أن يخرج من المسجد إلى البيت؟ على التفصيل إذا لم يكن في المسجد ماء يتوضأ به جاز أن يخرج وإلا فلا يخرج، ومثله اللباس إذا احتاج إلى زيادة اللباس، كما لو كان في الشتاء ولم يجد من يأتي به جاز خروجه ليلبس، ومثله أيضًا اللحاف إذا خرج من المسجد ليأتي به وليس له من يأتي به إليه.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يزيد على قدر الحاجة إذا خرج، يؤخذ من قولها:"إلا لحاجة"، وإذا كان الشيء مقيدًا بالحاجة فإنه يتقدر بقدر الحاجة، هذه قاعدة، فلو خرج من المسجد وهو معتكف لقضاء حاجته ثم وجد صاحبًا له وقال له صاحبه: عندي لك قضية خاصة وجلسًا يتكلمان لا يجوز، وإن كان أصل خروجه جائزًا للحاجة لكن بقاؤه يتحدث إلى صاحبه ليس فيه حاجة فلا يجوز.
من هنا نبين أن العلماء- رحمهم الله ذكروا أن خروج الإنسان المعتكف من المسجد ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
خروج لابد منه شرعًا أو طبعًا فهذا يخرج؛ كما لو كان عليه جنابة وليس في المسجد ماء يغتسل في، كما لو كان على غير وضوء وليس في المسجد ما يتوضأ به هذا لابد أن يخرج، والخروج الذي لابد منه طبعًا مثل الأكل والشرب والبول والغائط والدفء وما أشبه ذلك.
فالحاصل: أن الخروج الذي لابد منه وكذلك الأمور التي لابد منها شرعًا أو طبعًا يجوز أن يخرج من المسجد إليه سواء اشترطه عند دخوله أم لم يشترطه.
الثاني: ما ينافي الاعتكاف؛ فهذا لا يجوز الخروج إليه سواء اشترطه أم لم يشترطه مثل: أن يكون صاحب دكان ودخل المسجد معتكفًا واشتراط أن يخرج إلى دكانه ليبيع ويشتري، فهذا لا يجوز؛ لأنه يكون بذلك منافيًا للاعتكاف، والأصل أن الاعتكاف: أن تلزم المسجد لطاعة الله.
رجل حديث عهد بزواج ودخل الاعتكاف واشتراط أن يبيت مع امرأته هذا لا يصح ولو فعل لبطل اعتكافه.
القسم الثالث: ما له منه بد ولا ينافي الاعتكاف لكونه عبادة يتقرب إلى الله فهذا يصح إن شرطه وإن لم يشترطه لم يصح، مثل: أن يشترط شهود جنازة، يعني: هو خائف أن قريبه أو صديقه يموت في هذه المدة فاشترط عند ابتداء اعتكافه أن يخرج لتشييع جنازته هذا جائز، لماذا؟ لأنه عبادة ولا ينافي الاعتكاف لكن تتقدر بقدرها، كذلك لو كان له مريض واشترط عند ابتداء اعتكافه أن يخرج لعيادته فهذا لا بأس به، ولكن هل الأفضل أن يشترط ذلك ليحصل الأجر، أم الأفضل أن يحافظ على اعتكافه؟ الثاني، إلا لمصلحة راجحة كما لو كان المريض قريبًا له وتغيبه عنه مدة عشر أيام يعد قطيعة، هنا نقول: الأفضل أن تشترط، وكذلك المريض الذي يخشى أن يموت فهنا نقول: الأولى أن تشترط لوجود المصلحة الراجحة، وهي مع التشييع أو العيادة صلة الرحم. هل من ذلك لو اشترط حضور درس: مثلًا هناك دروس في النهار أو الليل لا يجب أن تفوته، طلب العلم من أفضل العبادات فهل نقول: له أن يشترط ذلك، أو نقول- ولا سيما في وقتنا هذا-: إنه ليس في حاجة إلى الحضور؛ لأنه يمكن أن يسجل الدرس فلا يجوز الخروج؛ لأن حاجته إلى الخروج في هذه الحال حاجة قليلة، من هذا النوع ما حصل فيه إشكال في العام الماضي كان أناس معتكفين في المسجد الحرام، وكان هناك درس في سطح المسجد الحرام، ولا يمكن الوصول إلى السطح إلا بالخروج من المسجد الحرام والصعود مع الدرج الكهربائية فهل يخرجون لاستماع الدرس أو لا؟ سئل بعض العلماء عن ذلك فقال: إن هذا لا يعد خروجًا في الواقع؛ لأنهم يخرجون ليرجعوا إلى المسجد وكان يوجد باب لكن لم يفتح، نقول: